همّي همّك
كثيرة هي الهموم في حياتنا ، هموم شخصية واجتماعية ، واقتصادية وسياسية ، كلها تصب في نفسياتنا ،وتلعب دوراً كبيراً في توجيه مستقبلنا نحو الأفضل أو نحو الأسوأ ...ولكن ما أقصده هنا هو المسلسل اليمني ( همي همك) ، هذا المسلسل الذي اجتهد فيه المؤلف والمخرج في أن يجعلاه يعالج قضايا الواقع الاجتماعي بامتياز ، ولكن مالم يكن ممتازاً أن يخرج فيه الممثلون عن هذا الواقع الاجتماعي إلى واقع التهريج – إن صح التعبير- ، وحتى لا يكون كلامي أو نقدي من باب إلقاء الكلام على عواهنه لنقف فقط عند شخصية زنبقة ، هذه الشخصية التي يتقمصها الممثل الرائع نبيل الآنسي ....وأقول رائعاً لأنه تقبل أن يكون في دور امرأة ، ويعكس مشاعر المرأة ومعاناتها ، ولكن ليس ذنب الممثل وحده ما يحدث في الأداء من خروج عن المألوف وعن العقل وعن الدراما الراقية ، فهل لأن من يتقمص الدور هو ممثل وليس ممثلة جاز للمخرج أن يجعل الشخصية (زنبقة ) تمارس تصرفات لاتبدر حتى عن الرجال في طريقة تعاملهم ، أم أن زنبقة شخصية خيالية لا يمكن أن تكون موجودة في عالم الواقع ولكنها موجودة في مخيلتي المؤلف والمخرج فقط ؟.
كيف لشخصية مثل زنبقة أن تجمع بين السذاجة المفرطة والذكاء الحاد في شخصية واحدة ، شخصية تنسى حتى اسم فلذة كبدها عندما يريد المخرج ، وتفكر بطريقة المحقق عندما يريد المخرج أيضاً ؟
كيف لشخصية زنبقة الأمية التي تجهل كيف تمسك بالكتاب أن تتحدث اللغة الإنجليزية وقت ما يريد المخرج ، وتخرج خارج النص الفني في أوقات كثيرة وتتحدث بألفاظ لا تعكس البيئة الريفية التي تسكنها ، وهي فقط دوناً عن بقية الممثلين؟
قد يكون القصد من قبل الممثل والمؤلف والمخرج هو الإضحاك والترفيه ، ولكن لا يعني هذا أن نعكس واقع الدراما اليمنية بهذه الركة ، مع العلم أن الممثلين في المسلسل قادرون على أن يكونوا قمة في قوة الأداء وفنيته ، لكن ما يحدث في هذا الجزء من المسلسل هو نوع من إرضاء بعض الجماهير التي تريد أن تضحك فقط ، وليس تمثيلاً فنياً يرقى بالقضايا الواقعية الاجتماعية إلى مستوى التفكير التشاركي بين الممثل والمتلقي / المشاهد ، ولا يرقى بالمشاهد إلى مستوى الإحساس بالمسؤولية الواقعية والدرامية على حد سواء .
نعرف أن مسلسل ( همي همك ) يحاول أن يعكس قضايا الواقع اليمني بكل مافيه من آلام ومتناقضات اجتماعية شكلها نظام التسلط في الحكم الذي يعكسه دور الشيخ طفاح وكل معاونيه ، لكن لا نريد لهذا المسلسل أن يؤول إلى ما آل إليه مسلسل ( دحباش ) من سخريه من قبل المتلقي بعد عرضه بفترة وجعل اللقب وسيلة انتقاص من الآخرين ،خاصة والمسلسل الآن يُعرض في فترة سياسية واجتماعية حرجة يمر بها اليمن .
وفي النهاية لا أحد يستطيع أن ينكر الجهد المبذول في المسلسل ومعالجته قضايا حساسة ، لكن نتمنى أن ترتقي الدراما اليمنية إلى مستوى أعلى بكثير مما هي عليه الآن ، وألا يتساهل المخرج في التضحية بالأمور الفنية التي يجب أن تلازم العمل الدرامي الراقي .