السيسي يصلي ولا يزال يصلي كما كان!
المسافة كبيرة بين عزل مرسي ومحاولة عزل الإخوان المسلمين.
يمكن الإغراق كثيراً في سرد الأخطاء القاتلة التي ارتكبها مرسي.
لكن بصرف النظر عن كل ذلك، أصبح مرسي خارج الأسوار بإرادة شعبية. لنقل بإرادة طيف واسع من الشعب المصري، يزيد أو يقل.
مع خروج مرسي من القصر أصبح بمقدورنا أن نرى الحقائق القديمة من جديد.
بصورة متتالية أصدر الجيش بياناته. خاطب شباب التيار الاسلامي بطريقة متحضرة. استهل بياناته بجملة "الحكمة، الوطنية الحقة، والقيم الإنسانية السمحة". لكن الداخلية عادت للواجهة بموالها القديم. كان مبارك يتجنب المساس بمرشد الإخوان، ويعتقل نائبه. لأول مرة، منذ زمن، اقتربت الداخلية من مرشد الإخوان. الأمر لا يتعلق بالعدالة بل بالسلم الاجتماعي. وهو ما فشلت داخلية "الثورة" في استيعابه.
القضاء يبحث عن مرسي الهارب من سجن طرة. عار على الثورة المصرية أن تغض الطرف عن هذه الفضيحة. كان مرسي مختطفاً بلا تهمة سوى ثورة يناير، كان في سجن مبارك، وكان كل زمن مبارك باطلاً. خرج من السجن مع 25 ألف معتقلا/ سجينا. أما قاضي الاسماعيلية، مفجر قضية الهروب من سجن طرة، فهو ضابط قدير ابن أحد كبارات وزارة الداخلية. في الحكم الذي أصدره وردت عبارات "كما هو السلوك التاريخي لهذه الجماعة المجرمة" وهو نص أمني، سياسي، لا علاقة له بالتوصيف القانوني..
الحرية ليس فيها استثناء، واللصوص سحنتهم واحدة حتى لو خرجوا في 30 يونيو.
يتحدث الخطاب المساند لـ 30 يونيو عن حركة حماس. اتجهت الجرافات إلى معبر رفح، آخر 16 كيلو متر تؤثر فيها الدبلوماسية المصرية. عار على الثورة التي تذهب لتغلق أبواب معبر رفح. وصل الحد للقول إن واقعة الجمل من تنفيذ الإخوان وحماس!
هذه الدعارة الإعلامية الصافية تلوث كل نقاء للثورة الجديدة..
قال البرادعي، وغلطة الشاطر بعشرة، إن الخليج سيساعدنا. كان يتحدث كأنه يقول: سيكافؤننا. أما بدو الخليج فقد تعاملوا مع المشهد المصري بطريقة تملؤها الخفة والحمق. كانت بياناتهم وتعليقاتهم السياسية خالية من المروءة ومن النضج..
في الواقع تبدو أزمة مصر دائرة في الفراغ العظيم الذي يحيط حركة الإخوان. خرج مرسي من القصر. يمكن أن يجعل الإخوان المسلمون من الحادثة مجرد خروج لرئيس، على أن يتركوا مسافة معقولة بين حركة الإخوان وبين الرئيس المصري المعزول.
يتحدث علماء السياسة عن ما يسمونه "السهم السياسي". أي أنه بمقدورك أن تعتقل مرشد الإخوان، لكن العملية السياسية ستؤول فيما بعد إلى عداد أصوات. لن يكون بمقدورك أن تمنع أتباعه من الذهاب إلى الصناديق. أي أنك ستقع تحت طائلة العقاب الديموقراطي. السعودية لم تفهم هذه المعادلة فذهبت ترقص بطريقة غير متحضرة. غداً سيكون عليها أن تتعامل معهم من جديد وهم يحملون الجوازات الحمراء.
بالنسبة للإخوان فإن عودتهم هي مسألة أسابيع، لا أكثر. لا يوجد في الخارج حتى الساعة تهديد خطير لحظوظهم السياسية. السهم السياسي لا يزال في جيب مكتب الإرشاد. غير أن المرشد ومستشاريه بحارة غير مدربين، محدودو الخيال، يملكون سفينة عظيمة لا يعرفو ثمنها.
مراهقو السياسة والإعلام في مصر ابتهجوا بانقراض الإخوان. حتى هيكل وحمدين صباحي وسامي عنان وليلى علوي . كانت تعليقاتها كلها متشابهة. أسقط في يدي، ما قاله هيكل لا يختلف كثيراً عن ما قاله مراهقوا الإعلام، الذين لا يقرون الكتب، ولا يتمرنون على الشرف.
الأمر لا يتعلق بالتشفي بل بالحدس.
خرج مرسي مخلوعاً، لكنه في أقل من 48 ساعة تحول إلى نموذج للشهيد "مار جرجس" ، حاول أن ينقذ امرأة من فم التنين فسقط شهيداً. خرج مرسي خارج القصر، لكن زمن الإخوان سيستمر لعشرات السنين. هذه واحدة من الحقائق المدوية في تاريخ مصر الحديث. أفضل السبل ستكون في الابتهال إلى الله أن يمنح هذا العملاق عقلاً وحكمة ومزيزاً من النوايا الحسنة. السعودية لا تفهم هذه المعادلات، حتى وهي تعلم أن نظام الإخوان فقط هو من سيخوض معها حروبها الدينية!
كان المشهد كالتالي: خرج مرسي بإرادة شعبية التقطها العسكر، وكان العسكر هم الذراع الخشنة التي نفذت الإرادة. القانونيون الأميركيون يراجعون الآن المشهد وأعينهم على القانون الصادر سنة1961، حول تجريم دعم أي انقلاب عسكري ضد حاكم مدني. يمكن لمؤيدي مرسي وصف ما حدث بالانقلاب. شخصياً أميل لوصف قيادي في حزب الأمة السوداني: ليس انقلاباً بل محاولة لتصحيح الممارسة الديموقراطية.
في الجانب الآخر خلط الإخوان بين فكرة الدفاع عن الشرعية، والدفاع عن السلطة. عندما ينقسم الشعب بشكل طولي وتعجز الرئاسة عن المبادرة، فقط تلوح بالقتال دفاعاً عن الشرعية تكون عندئذ تتحدث عن السلطة لا الشرعية.
كما تورط الإخوان، عبر كل قياداتهم بلا استثناء، في الحديث عن الدم. الأمر الذي أعطى العسكر الحق في اتخاذ كل الإجراءات الاستثنائية غير القانونية في حق قيادات وإعلام التنظيم. لكن الإخوان صححوا جزء من الخطأ الاستراتيجي في حشود البارحة وسلوكها المنضبط جزئياً. عندما يتعلق الأمر بالديموقراطية فإن الناس يتحدثون عن العصيان المدني لا الجهاد، عن الاعتصام حتى أخر قطرة ماء لا المواجهة حتى آخر قطرة دم.
وبالرغم من أن تاريخ حركة الإخوان في النصف قرن الأخير كان خالياً من أعمال العنف إلا أن تعليقات قياداتها حول عزل مرسي كانت تتحدث عن العنف أكثر مما تشير إلى الديموقراطية، الأمر الذي سمح للجيش باستخدام جملة "ضد كل إرهابي وجاهل"..
مؤخرا، تراكمت تحولات اجتماعية ومعرفية ونفسية ضخمة، في مصر، مما سيجعل من عودة النظام السابق بفلسفته وطبيعته المادية أمراً محالاً. فهم الجيش هذه اللعبة فطلب من النائب العام تقديم استقالته. في واحد من بيانات الجيش قال إن أي إجراءات انتقامية ضد فصيل بعينه ستعقد الأمور. الداخلية لم تفهم هذه الإشارة..
كانت الداخلية وكر النظام السابق. إنها ترتبط بلفيف من أصحاب السوابق والمسجلين خطراً يتجاوز عددهم ثلث مليون، بحسب وسائل إعلام مصرية.
بعد مائة عام سيضحك دارسو التاريخ كثيراً وهم يرون جماعة الإخوان المسلمين تستحوذ من جديد على المشهد السياسي والتشريعي في البلد بسبب غياب البدائل القوية، فضلاً عن أن المجتمع المصري لا يزال في أطواره الجنينية في سلم الحداثة. وهو ما يجعله عرضة للوقوع في شباك أي خطاب ديني أو أخلاقي خال من التركيب والخيال.
في تقديري، كان مرسي رئيساً أقل بكثير من مصر. كان رجلاً طيب القلب، على خلق، لكن قدراته متواضعة. التقارير الأميركية التي كانت تحلل شخصيته كانت تقول إنه متواضع القدرات، لكنها كانت تصف داوود أوغلو، على سبيل المثال، بأنه "خطير على نحو لا يصدق"..
أما السيسي، وما أدراك ما السيسي، فقد قالت عنه قيادات الإخوان الكثير. قالوا إنهم منبهرون بتدينه وتواضعه ووطنيته، وسجله النقي.
هكذا، قبل عام من الآن.
ولا يزال يصلي كما كان..
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها