مقالات
الأربعاء 26 يونيو 2013 09:26 مساءً
أهل القلوب الخضر
عارف أبو حاتم
كانت المرة الأخيرة التي أزور فيها عدن في أواخر نوفمبر 2011، وعدت إلى حنانها وقلوب أهلها الخضراء طول أيام الأسبوع الماضي لأشتغل على تدريب 30 شاباً من الصحفيين والناشطين والمدونين على مبادئ التغطية الخبرية المحايدة في الصحافة من خلال دورة نظمها مركز أبعاد للدراسات والبحوث بالشراكة مع منظمة "ايريكس" الأمريكية.
رأيت في وجوه المتدربين، وحماسهم المتقد، ونظراتهم العميقة، وهدوءهم المتأمل ما يكفي لإقناعي أنني أمام جيل يسعى لتأسيس مرحلة جديدة في العمل الصحفي الاحترافي، الذي يحلق في سماء المهنة بجناحي: المهنية والأخلاق، وهذا ما اطمأننت إليه في وجوه: البسامين بخيت القاضي، وريدان، وراشد، وعمرو، وأشرف، وإسراء وصفاء وصفية وابتسام وسُميح ووفاء ووردة وحنان ونبيل وعماد وعبدالله وأشجان وإخلاص ولازمين ووليد وزكريا ونبراس وصهيب وسالم، والمدرب القانوني المحامي الرائع صالح ذيبان، والمدرب التقني ضياء البيومي.. والذين لا أتذكرهم الآن أقول لهم: الذين في قلبي لا أراهم.
وجوه أهالي عدن هي تلك التي عرفتها بعد الوحدة بثلاثة أشهر، حين ذهبت لأكتشف وجوه خالتين وخال لم أكن أعرفهم إلا عبر الهاتف.. يومها كنت طفلاً في الـ12 من العمر، وكانت المرة الثانية التي أشتم فيها رائحة الملوحة المنعشة، والمرة الأولى التي ألامس فيها قلوبا خالية من الأنانية، وعقولا تتحدث معك -أياً كان سنك- بودٍ حميم، وكأنك صديق قديم، رتب القدر للقائكما صدفةً.
الميزة اللصيقة بأهالي عدن أنك مهما اختلفت معهم لا يقطعون حبل الحوار معك، ولا يلغون مساحة التفاوض، ومن يختلف معك إلى حد ما تتوقعه أنه خصام أبدي، لن ينسى أن يقول لك: فين بتجلس اليوم، ثم يستضيفك إلى مقيل في خيمة ساحل لا ترى نهايته، وكأنها استضافة رمزية الدلالة: إذ لو استضافك في بيته فمعناها أنه يريد تأطيرك واحتوائك بين جدران رؤيته، وتمكنك "عزومة" خيمة الساحل من الاحتفاظ بترتيب رؤيتك ومشاعرك، وبإمكانك أن تنفخ زفرة عميقة من "شيشة" يغريك بجودتها "عاد نعمان" وأنت تقول: لست مع وحدة برؤية صالح ولا انفصال بعاطفة البيض... يجب تصحيح المسار وفقاً للنقاط التي ذكرتها لأسامة الشرمي وبسام القاضي.
أطل من نافذة غرفتي مجدداً، محتضناً أحرف "اللابتوب" المدونة لهذا المقال، في الفندق المواجه لساحل أبين بعدن، أرى الساحل مسترخياً ضاحكاً كرجل أعجبه قرار فصله من وظيفة لا يريدها، الأمواج شبيهة بحال المدينة، تقذف كل ميت خارجها، لا تقبل التعايش إلا مع الأحياء؛ في 1967 قذفت بالاحتلال البريطاني إلى خارجها، وفي 1994 قذفت بمشروع الانفصال والعودة إلى تشطير الجسد الموحد، وفي 2007 و2008 أعاد الحراك الجنوبي الروح إلى عدن، ووضع حداً أمام سلطة المتنفذين، وفي 2011 أجهزت ثورة التغيير على مشروع "غنيمة الجنوب" ومنحت الناس جرعة حقيقية من الحرية، مكنتهم من الحفاظ على هوية عدن التاريخية، وهي هوية تشهد الآن ارتكاسة كبيرة، ويجب العمل على إعادة الروح العبقة لعدن، فهذه أول مدينة في الجزيرة العربية تعرف المسرح والسينما والأندية الرياضية والمنشآت الصناعية والعمل النقابي والانتخابات والمجالس التشريعية، وعاشت عصراً ذهبياً متقدما خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
حسرتي الكبيرة أني غادرت عدن دون زيارة الكاتب الكبير والإنسان العظيم نجيب محمد يابلي، الرجل الذي تربطني به صداقة حميمة منذ خمس سنوات، رغم أنف الجغرافيا الفاصلة بيننا.
شاركنا بتعليقك
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها