المؤتمر وزمن.. عرططة الدولة!
كالأطفال أو الأعمى الذي لقي وديعة؛ يبدو المؤتمر فرحا بمصطلح (أخونة الدولة) الذي اتخذه شعارا لحملة يستهدف بها الإصلاح في اليمن على غرار ما يفعله أشباه المؤتمر في مصر وتونس تحت الشعار نفسه!
من المفيد أن نذكّر في البداية أن استيراد هذا الشعار لم يجد فيه المستوردون حراما وتقليدا أعمى، كما حدث عندما وصفوا شعارات الثورة الشعبية ضدهم (الشعب يريد إسقاط النظام- ارحل) بأنها تقليد واستيراد من الخارج.. فالفتوى تغيرت هنا، وعاد الحس التجاري يفرض سيطرته على من أداروا الدولة وكأنها دكان، وفي رواية ثانية: سمسرة، وفي رواية ثالثة: سوق لبيع وشراء كل شيء!
من المفهوم أن يصير مصطلح (أخونة الدولة) عند المؤتمريين مثل الرازم أو الجني الذي يركب صاحبه، فيحدث معاهم ما حدث في قصة أحمد رجب الشهيرة (الوزير جاي).. فصار الواحد منهم يبدأ بكتابة مقال عن الكهرباء النووية المنحوسة فيجد نفسه وهو منغمس في الحديث عن أخونة الدولة والكهرباء والطاقة النووية.. وبدلا من أن يقابل الواحد زعيمه ويحييه بصباح الخير أو أصبحتو.. يقول له: الأخونة عليك وعلينا يا فندم أو صباح الأخونة.. أوأخونتو.. فيرد عليه: كلنا لها.. عشر الله أخونتكم.. وبدلا من أن يقول له: تتقهووا يسبق اللسان بالقول: تتخوننوا أو متخونين من البيت؟ وعلى الهاتف يتبادل خونة الدولة السابقين أحاديثهم حول أخونة الدولة:
-أخونوكم.. وإلا عادكم يهودي زينا؟
-الحمد له، عاد إحنا ننهب قصدي نداوم في وظائفنا.. المصيبة في صاحبنا فلان.. قده مجنون بالأخونة لا ينام ليل ولا نهار.. وأمس اتصل بالإخوان وترجاهم: بحجر الله.. أخونوني أفتهن!
-ما هذا سهل.. صاحبنا زعيط من خوفه من الأخونة؛ قدو يفكر يلبس.. نقاب!:
-المهم الرأس اللي بالي بالك.. إيش أخباره مع الأخونة؟
- إيهيييه.. على رأي شعبان عبد الرحيم.. طول الوقت يغني: أنا بأحب حسن البنا وبأكره الملعنا.. إيهييييه!
•••
سياسة (أخونة الدولة) كان معمولا به في زمن النظام السابق ولكن على الطريقة المؤتمرية المعروفة.. ومن حسن الحظ أن زمن المؤتمر والزعيم ما يزال حديث عهد بمزبلة التاريخ، وما يزال الذين عايشوه يعيشون كل جرائمه وبلاويه.. وبقليل من التذكير الذي ينفع الدواشين في المؤتمر يمكن أن نتبرع لهم بما يكرهم كيف كانوا يديرون يوم كانوا يحتلون اليمن؛ قبل أن تفلت منهم غصبا عنهم!
سنستعين في وصف زمن المؤتمر والزعيم بمفردات من اللهجة الصنعانية القديمة كما أوردها المناضل الراحل/ زيد علي عنان في كتابه الجميل: (اللهجة اليمانية في النكت والأمثال الشعبية).. ففيها من التعبيرات الدقيقة والموحية ما يفي بغرض وصف اليمن المنهوبة: أرضا، وإنسانا، وثروات، وحاضرا ومستقبلا!
ولنبدأ أولا بكلمتين تعبران عن سياسة دولة المؤتمر في النهب والنهب الشامل الذي لا يبقي ولا يذر.. فقد كانت تتعامل مع كل شيء بمنطق البلع السريع الذي تعبر عنه كلمتا: امغطه وازرطه.. ومغط الشيء أي بلعه، وزرطه أي ابتلعه كما يقول المثل: جاك البحر.. جاك زراطه .. وهؤلاء أداروا الدولة بينهم هكذا: هذا يقول: امغط فوارق البترول.. وهذا يقول: ازرط الجمارك.. وذاك: امغط الأراضي.. وهذا يقول: ازرط الديزل.. وهكذا.. حتى يمغطوا ويزرطوا البلد كله بما يمكن وصفها بأنها عملية مؤتمرية لـ( مغططة الدولة) أو ( زرططة الدولة)!
مظهر آخر من مظاهر سياسة المؤتمر في إدارة الدولة ( الإدارة معناها هنا: أنهم كانوا يديرونها فيما بينهم كطبق السلطة وليس بمعنى الإدارة المعروف) هو عملية جرف أو حجف كل شيء لهم، وكلمة جحف معناها: أخذ الشيء بكامله.. وهم كذلك جحفوا: البر والبحر والجو، ووزعوا كل ذلك بالترتيب على الأولاد، والإخوة، وأبناء الإخوة والأخوات، الأصهار من الناحيتين، والأقارب والجيران في القرية والذين يلونهم من الجهات الجغرافية الأربعة! ولم يفرقوا في ذلك بين مؤسسات الجيش والأمن، والمؤسسات الإيرادية الثرية.. فجفوها حجف جائع مودع.. وعندما غادروا السلطة غصبا عنهم أبوا أن يغادروها سالمين من النهب، فأخذوا من زينة الشعب كما فعل بنو إسرائيل عندما خرجوا من مصر فأخذوا من زينة القوم، وغرفوها معهم.. وهؤلاء بنو النهب نهبوا كل شيء يستطيعون جحفه: جحفوا السلاح والأموال، وأجهزة القنوات التلفزيونية ومحتوياتها، وملكوا أنفسهم أراضي الدولة.. بما يمكن وصفه بمصطلح: جحففة الدولة!
•••
الفوضى التي تركت دولة المؤتمر البلاد والعباد عليها حتى تكاد تتفكك وتنهار لولا لطف الله هي تجسيد لسياسة (قرططة الدولة) أو (كعوتة الدولة) أو (شنترة الدولة).. وكلها تعني بالترتيب: قرط الشيء بالأسنان، أو لفه وطواه وغالط في الحساب!أو قطعه: قطعة.. قطعة.. وبالمقارنة يمكن أن نرى كيف أن مجانين الأخونة هم الذين: دحسوا البلاد دحس، وزرطوها زرط، ومغطوها مغط، وكعوتوها كعوتة بعد أن قرططوها قرططة، وشنتروها شنترة!
وفي العادة فإن اللصوص عندما تضيع عليهم الفرص يتظاهرون بالتقوى والنزاهة والشرف.. وينسون أنهم عملوا من مكياج فإن الشعب يعرف أنهم: لصوص.. ولا فخر!
زراطو مخيمات المؤتمر!
من سوء حظ عصابة المؤتمر؛ أن بكائياتهم على القانون والشرف تزامنت من مزيد من فضائح عمليات الكعوتة والزرططة والحجففة إلخ التي ارتكبوها ضد بعضهم بعضا، فللعلم فالمؤتمريون مثل عرب الجاهلية الذين كان شاعرهم يقول:
وأحيانا على بكر أخينا
إن لم نجد إلا أخانا!
وهم إن لم يجدوا فرصة لنهب غيرهم ينهبون رفاقهم في الحزب.. وقد أبى إلا أن يفضح أكذوبة حب الزعيم الذي قيل إنه دفع المحبين إلى الاعتصام عامين في التحرير وعصر تأييدا للشرعية وهياما في الزعيم، وليس كما فمها الشعب منذ البداية: تأييد للدجاج والرز، وهياما بالزلط!
والذي حدث أنه مع رفع مخيمات التحرير وعصر؛ ثارت كالعادة في دولة الكعوتة الرزططة المؤتمرية مشكلة مستحقات المعتصمين المتأخرة لدى قيادة البلاطجة.. فقانون المؤتمر ينص دائما أنه لا يمكن أبدا أن تتم عملية مالية بسلاسة ونزاهة، فالأموال التي يخصصها الزعيم للصرف على المحبين والعاشقين لا تصل إليهم كما هو مكتوب في المقترح أو المناقصة بالأمر المقدمة للزعيم.. فالسعر دائما كبير، وكل بلطجي من فوق يأخذ حقه وجزء من حق المناضلين تحته حتى يصل المبلغ إلى ما يستلمه المغفلون في التحرير وعصر وغيرهما! وفي النهاية تظهر السرقة الكبرى عندما يتبرأ البلاطجة الكبار من البلاطجة الصغار، ويرفضون دفع بقية المستحقات عند نهاية الفعاليات (أي فعالية: مؤتمر، اعتصام، مسيرة، أو اجتماع لتعزيز قيم النزاهة في المؤتمر!) بحجة أن المال لم يصل.. ومن الطبيعي بعدها أن يتظاهر البلاطجة الصغار ويعتصمون أمام منزل الزعيم، ولكن هذه المرة ليس لمطالبته بعدم الرحيل والدعاء له، ولكن ضد المؤتمر والنهابة الكبار، وللتهديد بأنهم لن يرحلوا من أمام منزله إلا بعد أخذ حقوقهم المنهوبة!
من مخيم عصر ظهرت أسوأ روائح الفساد، فمن هذا المعسكر كانت تخرج المسيرات إلى منزل الرئيس، وتقدم للرأي العام على أنه لجنود فارين من الظلم والاضطهاد من الفرقة الأولى مدرع! وفي الأخير عاقبهم الله وسلط عليهم نهابة المؤتمر فزرطوا حقوقهم وأجبروهم على فضح اللعبة للمشاهدين!
الفضيحة الكبرى كانت في كشف الدور التنموي الذي قامت به المؤسسة الاقتصادية اليمنية في دعم المعتصمين في التحرير، وقيل إنها دعمت بملياري ريال شهريا مشروع تغذية وتسمين المعتصمين، وتزويدهم بالعصي الصموال، وصور الزعيم!
شخصيا؛ أرفض تصديق أن هذا المبلغ صرف كله في التحرير، فالمبلغ كبير يساوي عشرة ملايين دولار، وقيمة الأكل والتخزينة والعصي الصموال وصور الزعيم أقل بكثير من هذا المبلغ.. فما الذي حدث حتى وصل إلى هذا الرقم الكبير؟
لا تفسير إلا أسلوب الفساد المعروف في بلادنا الذي يهول من قيمة المشاريع، فيقوم البلاطجة الكبار المقاولين على اعتصام التحرير أو عصر بتقديم فواتير كبيرة للزعيم الذي يعتمدها ويأمر بصرفها بعد خصم الخمس.. وبدورهم يقوم البلاطجة الكبار بخصم نسبتهم باعتبارهم من العاملين عليها، وأصناف أخرى من المستحقين للصدقة ولا يبقون للمعتصمين إلا مقادرا بسيطا المخصص لصنف (في الرقاب)!
المغزى الواضح في فضائح الفساد الأخيرة أنه ليس صحيحا أن المؤتمر خلا من الفاسدين بعد انشقاق الكثيرين منه عقب مجزرة جمعة الكرامة؛ فما زال المؤتمر منتجا للفاسدين، والقادم أكثر من الرايح، فبيت المؤتمر لا يخلو من الفساد
مثل بيت الأسد الذي لا يخلو من العظام!
سيكولوجية الفساد في دولة المؤتمر!
مع تزايد الحملات الشعبية ضد الفساد؛ ابتكر حزب (زرططة الدولة) الشعبي العام أساليب جديدة في ممارسة الفساد.. منها على سبيل المثال نوعية من المناقصات الغريبة التي يقال فيها إنه لا يشترط أخذ العرض الأرخص.. لكن أكثرها دهاء هو تقديم المقاول الشريك للمسؤول عرضا رخيصا عن الآخرين، فترسى عليه المناقصة ثم أثناء تنفيذ المشروع تظهر عراقيل وأعذار توقف المشروع مثل ارتفاع الدولار وارتفاع الأسعار بما لم يكن في الحسبان، فيتدخل المسؤول الشريك من الباطن، ويتم تمرير إضافات لقيمة المشروع مثنى وثلاث حتى تصير قيمة المشروع أعلى من قيمة العروض التي قدمت ولم تقبل!
هناك أساليب أخرى مثل تخصيص أموال لمواجهة كوارث أو أوبئة ثم زرطها وكعوتتها.. وأذكر عند ظهور مرض أنفلونزا الطيور أو الخنازير أن الحكومة خصص خمسة مليارات لمواجهة المرض، وكان من بينها تخصيص غرفة في مطار صنعاء لتقديم الإسعافات أو المساعدة الطبية.. وأيامها كنت في المطار ووجدت الغرفة مغلقة وعليها إعلان: لا يوجد لدينا كمامات! وبالتأكيد لم يصرف المبلغ المخصص على مواجهة المبلغ وتعاملوا معه مثل.. مستحقات المعتصمين!
الله ينور عليك!
لمزيد من فهم سيكولوجية الفساد والفاسدين في دولة المؤتمر الشعبي العام بقيادة الزعيم، اقرأوا هذه الحكاية الظريفة عن أساليب النهب الذكية والغبية.. فقد زار وزير من دولة مثل دولة الكعوتة دولة غربية، وأثناء المباحثات الانفرادية سأل الوزير الضيف صديقه عن: كيف يسرقون وفي بلادهم برلمان قوي ويقظان وصحافة قوية.. وبدون كلام أخذ الوزير الغربي ضيفه المزرطط إلى النافذة وسأله:
- ماذا ترى أمامك؟
فرد الضيف: مستشفى كبير وفخم.
- هذا المستشفى الفخم قيمته الحقيقية خمسون مليون دولار ونحن نفذناه بواحد وخمسين مليون دولار.. فهمت الإجابة عن سؤالك؟
وبعد فترة زار الوزير الغربي ضيفه المكعوت في بلاده، وسأله عن: كيف يسرقون في بلادهم، فدعاه الوزير إلى النافذة وقال له:
- شايف المحطة النووية التي أمامك؟
- أنا مش شايف حاجة.. كل الذي أمامي صحراء مترامية الأطراف!
فرد الوزير المكعوت: عليك نوووور.. هذا المشروع نفذناه.. بخمسمائة مليون دولار!
للتأمل..
قيل سمع الخلفية الأموي/ عبد الملك بن مروان جماعة من أصحابه يذكرون سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أنهي عن ذكر عمر فإنه مرارة للأمراء، مفسدة للرعية!
أحلى كلام..
[ الذكر طاعة الله، فمن أطاعه فقد ذكره.. ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن!]
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها