غرور القوي وغرر الضعيف وغرار ثالث
قال أحدهم :بأن الزوجة تتهرب من التحاور مع زوجها إذا كانت نتائجه ستمنعها من زيارة الجيران أوحضور حفلة زفاف صديقتها..وقال آخر: ان الأب يرفض التحاور مع أبناءه الكبار إذا أنتج ذلك تقاسمآ في سلطة البيت وتنازله عن بعض صلاحياته لأبنائه..وآخر قال: بأن أحد المشائخ يقول لأبناءه "إذا أصتلحوا بني فلان فستتحولوا خدام في دواوينهم فلا تتركوهم " كطرف ثالث متضرر من تحاور أطراف أخرى..
هذه بعضآ من مداخلات تداولناها أثناء مشاركتنا في الدورة التدريبية للإعلاميين التي أقامتها جمعية البر الإجتماعية والتنموية بمحافظة الضالع في إطار مشروع نشر وتعزيز الثقافة المدنية (المرحلة الثانية) والتي أختتمت الخميس 3 يونيو. ورغم بساطة هذة التعبيرات وتضمينها - واقعآ أو مشابهة- للمفهوم العام للتحاور إلا أن ذلك كتبسيط للمصطلح ومدى توسع دلالته والحاجة إليه سواءآ بين الزوجين أو بين الأب والأبناء أو بين فئات المجتمع وليس فقط كما أعتدناهبين الساسة والزعامات والتشكيلات السياسية والأنظمة.
• قواعد التعايش..
وكمهمة إجتماعية وتنمية فكرية وثقافية قدمتها جمعية البر فإن ماتناولته الدورة من محاور لمفاهيم ( الديمقراطية والمدنيةوالتفاوض والحوار في فض النزاعات والمواطنة وحقوق الإنسان وغيرها ) تعد أبرز المهام والمسئوليات التي تستوجب على ذوي العلاقة سياسيآ إجتماعيآ حقوقيآ وثقافيآ بضرورة العمل على تصحيح المغلوط منها وتوضيح المبهم ومدى حاجة المجتمعات إليها وممارستها كسلوك للتعامل ليعزز الإيجابي منها وننبذ السلبي. وللأسف فالكثير منا - بغرور أو جهل أو تعصب أو تحاذق أو مغرر ومخدع - يفقد قيمة الفائدة من قواعد ومبادئ التعايش مما تحمله هذه المفاهيم عندما نتأثر بتعريفات المتلاعبين بألفاظ المصطلحات والمفاهيم ، أو عندما نألف تداولها فنمل أو يمحور البعض مقتضاها لذواته ومصلحته فنشك فيها وقد تتعمق مفاهيمها لدينا بأنها مصطلحات نجرم من ينطقها ونقاتل من يحادثنا بها..
• التحاور ..
من تلك المفاهيم "الحوار" وكقناعة شخصية ومعرفية فقد نكون صائبين إن إعتبرناه الطريق الأكثر أمانآ في درب مثابرتنا ونفيرنانحو الإصرار والحصول على حقوقنا وامكانية التوازن في علاقتنا وتعايشنا مع الآخر.
• ثلاثة يعادون التحاور:
وبحسابات الربح والخسارة تتعد المواقف تجاه القبول بوسيلة التحاور لحل المشاكل وفض النزاعات وتتداخل المصالح والمنافع ويزداد معها الأطراف لتتجاوز الرئيسيين وتصبح ضمنيآ جزءآ من القضية لكن قد يكون أبرزها ثلاثة أطراف:
1- طرف ظالم يعرف بأنه نتائج التحاور ستجبره على القبول بما لدى الآخر أو يعيد ما عنده من حقوق للآخرين. والأجدر بهذا الطرف أن يستلهم منطق الواقع بأن حق الآخرين لا يضيع ولو بعد حين وكلما طالت فترات الإستلاب كلما تعاضمت عواقب إسترجاعه! وإن كان ذلك كمنطق وبالأصح سنة كونية فهو كذلك تجربة ودروس نقرأها من وقائع الآخرين. فتحاور القوي ولو ظالم مع من لهم حق عنده أو شركاء معه يظمن له بقاء الأستمرار في الحياة هادئآ وآمن ولوشعر بأنه إعادته لحقوق الناس ستنتقص من ملكهأو سلطانه فربما سيكون أفضل مما لو فقد الشئ كله!
2- طرف مظلوم يشعر بالضعف لا يثق بمصداقية الآخر أو بضمانات الحصول على حقهمن خلال التحاور، أو إعتقاده بأن منطق السلاح سيجبر الظالم على الخضوع إما كإعتقاد شخصي أو متأثرآ بما يذيعه الآخرون إما موالين أو خصوم ويغررون به من يثق بهم أو لا يثق. وكمبدأ فكل الوسائل مشروعة للحصول على الحقوق وإضطرارآ قد يكون العنف، لكن على صاحب الحق أن يكون نبيهآ ومتعقلآ في في طريقة تعامله مع قضيته، وكما قيل "آخر الدواء الكي" وليجعل العنف والتضحية كخيار إضطراري عندما تغلق كل منافذ الحلول. ودون أن نستسلم لما قد ترسخ لدينا من تقييمات لأحداث عتيقة في أيام خلت وتعاقبتها متغيراتفي الزمان والمكان فالأصل أن تكون وسيلتي مشروعة بقدر حقي المشروع وإذا كانت الوسيلة الموصلة لحل مشكلتي وحصولي لحقي ضامنة لذلك بأمان وسلام فلا يهمني نوع الوسيلة للوصول إلى روما إن كانت طائرة أو سفينة أو قطار أو تاكسي أو شاحنة أو على الجمل إن لم تكن إلا وسيلة واحدة من بينها مستوفية لمعايير السلامة وضامنة للوصول ومحصنة بتوافق الكل دون منع ولا إعتراض لمرورها ولا مهددة بإحتجاز أو تعطيل.
3- وهناك أطراف تربطها علاقات مصالح أوعداوات مع كلا أو إحدى طرفي التنازع وتدرك بأن نتائج التحاور أو مجرد التقارب سيشكل ضررآ عليها. وتلك قد تأتي الرياح بمالا تستنشقه رئوياتهم التنفسية فرب قشة رقيقة تحبس أكسدة الدماغ لنظام العرش وتجلط إقتصاديات ومصالح المستهين بأحقية شعوب وأوطان.. فتجارب ليست بالبعيد جعلت كثير من الأنظمة تعض أناملها من الغيض كلما فشلت في هواجسها وأماني مطامعها وصار من هو في يدها بالأمس آمنآ ومستقلآ عن وصاية أوصديقآ لآخر تشرف وساهم بحل مشاكله وأزماته! فقد تعتقد بعض الزعامات أنها حصريآ تنتج و"تمكسج" سيناريوهات دولة ما فتتفاجأ بأن غيرها أحسن الأداء والنوايا فأحدث أثرآ إيجابيآ يستحق عرفان التأريخ والأجيال ، كنجاح دولة قطر في المصالحة بين القوى اللبنانة في الأزمة التي أعقبت مقتل الحريري ، وبين حماس وفتح ، وفي أزمة دارفور السودانية كما أن دول أخرى تنجح وتخفق وتحصد الندم كلما ساءت نواياها.
وعلى طريق السلامة فالتحاور يسلم الجميع الإيذاء ويؤمن الوصول إلى المبتغى وإن أبطأ لكنه يجنبنا التصادم وإحتمالية حوادث تدمي القوي والضعيف، وكلما سمحنا لغيرنا بالسير إلى جانبنا سلمنا وسلموا جميعآ ، كسائق المركبة والشاحنة وسائق التاكسي والدراجة والمشاة المارة ولو تفاخر سائقو الشاحنات فلن يسلموا الأذى والضرر إن تسببوا في ضرر من يشاركهم المسير والسفر.
• الخلاصة:
وليفهمها المغتر فبالتحاور قد تعيد للغير حقوقهم فقط، وبالإستقواء والغرور قد تخسر كل ما هو لك وما هو لهم!
ومثله الغرر المظلوم فلا تحرق البيت الذي يختبئ اللصوص فيه فقد لا تترك النار لك شئ مما أخذوه عليك.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها