الجمعة 24 مايو 2013 07:27 مساءً
وحدة الإنسان قبل الجغرافيا
شخصياً لم تكن الوحدة اليمنية مجرد حلم ببُعده الوطني؛ لكنها كانت ترتبط بمصلحة خاصة مازالت قائمة, ففيما أعلن التلفزيون حينها عن الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية؛ وجدت نفسي مُجبراً للتعبير عن فرحتي رغم سنّي الصغير حينها, وفرحتي كانت أكبر بانتهاء موانع لقائي بعمّي الذي لايزال مقيماً حتى اليوم في مدينة عدن، حينها كنت في قريتنا ولم أجد وسيلة للتعبير عن تلك الفرحة وإعلانها على الملأ سوى إطارين تابعين لجرافة أحدهم «شيول» تركها في جوار بيتنا, فأضرمت فيهما النيران ليعلم الجميع أني انتظر معانقة عمّي الذي أكنُّ له كل الحب والاحترام رغم كونه اشتراكياً وأنا قد أنخرطت في توجُّهي الإسلامي.
لم تكن الوحدة بالنسبة لي مصلحة مادية أو فيداً ونهباً أو احتلالاً أو ضماً وإلحاقاً كما يتردّد؛ بل شعور أن قلباً واحداً اسمه «اليمن» شطّرته عوامل الاستبداد والاستعمار والتأم مرةً أخرى، وعانق الأذين الأيمن الأذين الأيسر.
ورغم أني من قرية تقع ما بين العُدين وشرعب، وعانيت كغيري من أبناء المناطق الوسطى الصراع السياسي ضمن الحرب الباردة, والذي كان للشطر الجنوبي من الوطن ضلع كبير فيما حدث خلاله؛ إلا أن الوحدة كانت بالنسبة لي مصلحة إنسانية وليست مادية, عكس الرئيس السابق وكثير من أعوانه, فهل أتحمّل أنا كشمالي المسؤولية عن جرائمه وجرائمهم وأخطائه وأخطائهم؟!.
ومثلما أن كل مواطن جنوبي لا يتحمّل جرائم وأخطاء تعرّض لها المواطن الشمالي خلال تلك الصراعات السياسية, فالمواطن الشمالي لا يتحمّل جرائم وأخطاء تعرّض لها المواطن الجنوبي والجنوب عموماً, ويتحمّل المسؤولية في هذه وتلك من ارتكبوا تلك الجرائم والأخطاء المستمرة حتى اليوم، ويجب أن يتحد المواطن «شمالياً وجنوبياً» من أجل محاسبة الجُناة ومنع تكرارها، والاتجاه نحو المستقبل المشرق.
ليسُد العقل حياتنا ونعود إلى رشدنا، ونعبّر عن رغباتنا وتطلُّعاتنا بطرق سلمية ومنطقية وموضوعية حتى لو كان منها الرغبة في «فك الارتباط وتقرير المصير» للشمال أو الجنوب, فالدلائل والمؤشرات منذ انتقال السلطة إلى الرئيس عبدربه منصور هادي تؤكد أن الجنوب يعود إلى وضعه الطبيعي كشريك في الدولة اليمنية الموحّدة.
سمعت مساء الاثنين في إحدى القنوات الفضائية خطاب نائب الرئيس السابق علي سالم البيض يوم 21 مايو 1994م وهو يعلن عن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية, فيما أقرأ الرؤية التي قيل إنها رؤية الحراك الجنوبي للقضية الجنوبية سعت بكل ما أوتي كاتبوها من قدرة على المغالطة والتزييف والكذب والافتراء إلى إنكار وجود هويّة يمنية أساساً وليس فقط هوية الجنوب اليمنية. لن تفيد المغالطات والطروحات الجنونية هذه واعتساف الحقائق, بل علينا أن نشخّص المرض بشكل صحيح لنحدّد ماهية العلاج والدواء المناسب, أما إذا كان التشخيص مختلاً؛ فلن يكون هناك علاج مناسب.
أتحدّى أي شخص أن يأتي بمواطن شمالي ينكر الظُلم الذي تعرّض له الجنوبيون وقبلهم ومعهم تعرّض له الشماليون، جميعاً, كيمنيين كنا ضحايا للفساد والاستبداد ونظام الأسرة التي تعاني هوس السيطرة والتملُّك ومازلنا نعاني هوسها حتى اليوم.
النُخب السياسية المتصارعة قبل الوحدة والتي كانت تقتلنا نحن في شرعب والمناطق الوسطى لمواجهة الامبريالية واستعادة الوحدة ومحاربة الشيوعية واستعادة الوحدة؛ هي ذاتها التي مازالت إلى اليوم تنغّص حياتنا وتدفع نحو مزيد من الصراعات والتوترات والتفتيت للوطن الواحد.
فإلى متى سنظل أسرى صراعات تلك النُخب؛ مرة لاستعادة الوحدة، وأخرى لفك الارتباط، مرّة لمواجهة الامبريالية والمشائخ وأخرى لتعزيز حكم السيد وإعادة الولاية إلى «البطنين» أو «النهدين» ومرّة ثالثة لمحاربة الشيوعية، وأخرى للوقوف في وجه العلمانية والدولة المدنية و...؟!، سؤال ليس موجّهاً إلى الجنوبيين وحدهم؛ ولكنه لكل أبناء اليمن الذين لم يتعبوا من الصراعات التي تولّد صراعات أسوأ من سابقاتها.
الوحدة ستظل مصلحة شخصية لي ولكل مواطن شمالي وجنوبي، ويتوجّب تحقيق تلك المصلحة للحفاظ عليها وليس بتغليفها بشعارات عفى عليها الزمن أو فتاوى لا تُسمن ولا تغني من جوع.
ليكن مؤتمر الحوار الوطني الشامل مصلحة الإنسان اليمني «شمالياً وجنوبياً» وإعادة ترميم ما تدمّر في النفوس والعلاقات قبل التفكير بالحفاظ على وحدة الأرض والجغرافيا.
[email protected]
صحيفة الجمهورية
لم تكن الوحدة بالنسبة لي مصلحة مادية أو فيداً ونهباً أو احتلالاً أو ضماً وإلحاقاً كما يتردّد؛ بل شعور أن قلباً واحداً اسمه «اليمن» شطّرته عوامل الاستبداد والاستعمار والتأم مرةً أخرى، وعانق الأذين الأيمن الأذين الأيسر.
ورغم أني من قرية تقع ما بين العُدين وشرعب، وعانيت كغيري من أبناء المناطق الوسطى الصراع السياسي ضمن الحرب الباردة, والذي كان للشطر الجنوبي من الوطن ضلع كبير فيما حدث خلاله؛ إلا أن الوحدة كانت بالنسبة لي مصلحة إنسانية وليست مادية, عكس الرئيس السابق وكثير من أعوانه, فهل أتحمّل أنا كشمالي المسؤولية عن جرائمه وجرائمهم وأخطائه وأخطائهم؟!.
ومثلما أن كل مواطن جنوبي لا يتحمّل جرائم وأخطاء تعرّض لها المواطن الشمالي خلال تلك الصراعات السياسية, فالمواطن الشمالي لا يتحمّل جرائم وأخطاء تعرّض لها المواطن الجنوبي والجنوب عموماً, ويتحمّل المسؤولية في هذه وتلك من ارتكبوا تلك الجرائم والأخطاء المستمرة حتى اليوم، ويجب أن يتحد المواطن «شمالياً وجنوبياً» من أجل محاسبة الجُناة ومنع تكرارها، والاتجاه نحو المستقبل المشرق.
ليسُد العقل حياتنا ونعود إلى رشدنا، ونعبّر عن رغباتنا وتطلُّعاتنا بطرق سلمية ومنطقية وموضوعية حتى لو كان منها الرغبة في «فك الارتباط وتقرير المصير» للشمال أو الجنوب, فالدلائل والمؤشرات منذ انتقال السلطة إلى الرئيس عبدربه منصور هادي تؤكد أن الجنوب يعود إلى وضعه الطبيعي كشريك في الدولة اليمنية الموحّدة.
سمعت مساء الاثنين في إحدى القنوات الفضائية خطاب نائب الرئيس السابق علي سالم البيض يوم 21 مايو 1994م وهو يعلن عن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية, فيما أقرأ الرؤية التي قيل إنها رؤية الحراك الجنوبي للقضية الجنوبية سعت بكل ما أوتي كاتبوها من قدرة على المغالطة والتزييف والكذب والافتراء إلى إنكار وجود هويّة يمنية أساساً وليس فقط هوية الجنوب اليمنية. لن تفيد المغالطات والطروحات الجنونية هذه واعتساف الحقائق, بل علينا أن نشخّص المرض بشكل صحيح لنحدّد ماهية العلاج والدواء المناسب, أما إذا كان التشخيص مختلاً؛ فلن يكون هناك علاج مناسب.
أتحدّى أي شخص أن يأتي بمواطن شمالي ينكر الظُلم الذي تعرّض له الجنوبيون وقبلهم ومعهم تعرّض له الشماليون، جميعاً, كيمنيين كنا ضحايا للفساد والاستبداد ونظام الأسرة التي تعاني هوس السيطرة والتملُّك ومازلنا نعاني هوسها حتى اليوم.
النُخب السياسية المتصارعة قبل الوحدة والتي كانت تقتلنا نحن في شرعب والمناطق الوسطى لمواجهة الامبريالية واستعادة الوحدة ومحاربة الشيوعية واستعادة الوحدة؛ هي ذاتها التي مازالت إلى اليوم تنغّص حياتنا وتدفع نحو مزيد من الصراعات والتوترات والتفتيت للوطن الواحد.
فإلى متى سنظل أسرى صراعات تلك النُخب؛ مرة لاستعادة الوحدة، وأخرى لفك الارتباط، مرّة لمواجهة الامبريالية والمشائخ وأخرى لتعزيز حكم السيد وإعادة الولاية إلى «البطنين» أو «النهدين» ومرّة ثالثة لمحاربة الشيوعية، وأخرى للوقوف في وجه العلمانية والدولة المدنية و...؟!، سؤال ليس موجّهاً إلى الجنوبيين وحدهم؛ ولكنه لكل أبناء اليمن الذين لم يتعبوا من الصراعات التي تولّد صراعات أسوأ من سابقاتها.
الوحدة ستظل مصلحة شخصية لي ولكل مواطن شمالي وجنوبي، ويتوجّب تحقيق تلك المصلحة للحفاظ عليها وليس بتغليفها بشعارات عفى عليها الزمن أو فتاوى لا تُسمن ولا تغني من جوع.
ليكن مؤتمر الحوار الوطني الشامل مصلحة الإنسان اليمني «شمالياً وجنوبياً» وإعادة ترميم ما تدمّر في النفوس والعلاقات قبل التفكير بالحفاظ على وحدة الأرض والجغرافيا.
[email protected]
صحيفة الجمهورية
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها