محراب رمضان
يعود إلينا شهر رمضان، لا من رجوع مرة ثانية فحسب، بل يعود إلينا من المعاودة التي تعني عيادة المزور أو المريض أيضا. يعودنا كأفراد وأسر ومجتمع وأمة، يعودنا ليبث فينا روحا جديدة تنشرح منها الصدور وتطيب النفوس وتعزز كذلك الروابط والعلاقات.
منذ الومضة الأولى بثبوت الهلال تشرق الروح على الفور بعزم جديد وتبعث النفس بحيوية جديدة، وتردد منذ تلك اللحظة (يا باغي الخير أقبل). تقف بنية وعزم جديدين منذ النفس الأول من أنفاس هذا الشهر الكريم المبارك، تمتلئ نفسك يقينا أنك تعيش في محراب التبتل والخشوع والسكون والاطمئنان.
شهر رمضان محراب الخير، فيا له من محراب يصلك بكل خطوط الخير، الخير غير المقيد بعمل معين أو فعل محدد أو قول بذاته، فالخير وأنت تسمع النداء (يا باغي الخير أقبل) لم يقيد بمعين ولم يربطه بأمر، بل فتح أمامك كل خطوط الخير والخيرية دون تحديد. شهر رمضان محراب عمل، يزكي النفوس، يطمئن القلوب، يمحو الذنوب (لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا).
شهر رمضان محرب عمل أجره كثير، وأمده قصير.
تصور وقد حولت بيتك ودارك إلى محراب في رحاب الرحمن فيشع الأنس في كل أنحاء المنزل بهجة وسرورا، ويتعزز الود والحب بين كل من في الدار، فيجد الصغير برك وعطفك، ويلقى الكبير تقديرك واحترامك، تجد أمك أنك ازددت لها برا وإحسانا، لأنك تربيت على مبدأ (أمك ثم أمك)، ويجد أبوك نصيبه الأوفر من هذا البر، وتعزز مع شريكة حياتك (وجعل بينكم مودة ورحمة)، فيا لك من محراب خير يا رمضان.
لكن شهر رمضان أكبر من أن يكون مجرد محراب في بيت، وعليك أن تعيش في ظلال هذا المحراب الذي يمتد إلى خارج البيت أيضا، فتعيش طهر العلاقات الإسلامية الصادقة مع جيرانك وأصدقائك وكل من لقيت (وتبسمك في وجه أخيك صدقة).
شهر رمضان محراب حياة، حيث تتجدد حياتك بمضاعفة صلتك بالقرآن (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا).
فليكن شهر رمضان لنا جميعا محراب عمل وصلة وتواصل وتسامح.