ثورة تلد ثورات !!
يوم 11فبراير يعد تاريخا استثنائيا في مسيرة بناء دولة المواطنة المتساوية واستعادة روح النظام الجمهوري ووحدة المجتمع والدولة الواحدة التي تم مصادرتها والاستئثار بها من اقلية عصبية اوليغارية فاسدة . قبل ثورة الشباب شمالا بسنوات ؛ كان الجنوبيون قد انتفضوا وثاروا لأجل استعادة الدولة والنظام والشراكة السياسية ، فهذا المسائل الثلاث تم فقدانها في كنف توحد سياسي اصابه ما اصاب الدولة والنظام الجمهوري من تشوه عميق وانحراف قاتل .
في الحالتين نحن ازاء ثورتان ، ولكل واحدة منها زمان ومكان ، واهداف ، ووسائل وقرابين ، فثورة غايتها الاساس استعادة ما خسرته في ظل وحدة مشوهة مختلة الاركان والاسس ، وأخذت منها الدولة المدنية - بما تعني من مكاسب ومؤسسات ونظم وقيم وثقافة – والشراكة وحتى الكرامة التي لم تسلم من الانتهاك والاذى ، وثورة هدفها الرئيس استعادة ما يفترض نظريا واخلاقيا إنها جمهورية لكل مواطنيها ، ودونما انتقاص او تمييز ؛ ما بين قبيلي بجنبية وعسيب ولكنة أهل عصيمات في عمران ، وبين رعوي بفوطة ولهجة أهل تهامة في الحديدة .
بل وأكثر من ذلك ، إذ يمكن القول باننا إزاء ثورة جامعة شاملة شبابية .. شعبية .. جنوبية .. تهاميه .. حضرمية .. عدنية .. تعزية .. مهرية .. مأربيه ،كما ولا يخفى عليكم بوجود ثورات طائفية .. اثنية .. مناطقية .. قبلية .. جهوية .. حزبية .. فكرية .. ذكورية .. انثوية ، فكل هذه الثورات حاصلة بالتزامن مع ثورة واحدة يعول عليها كثير من اليمنيين تغيير الصورة النمطية السائدة مذ عقود وقرون .
نعم ؛ المقاربة ما بين صعدة وتهامة ، وبين الجنوب فيه غمط كبير لحق الجنوبيين في استعادة دولتهم التي كانت قائمة وتمتع بكامل السيادة الى يوم 22مايو 90م ، الحال ذاته ينطبق على حضرموت وعدن والمهرة وسقطرى ، فحين نتحدث هنا عن قضية الجنوب ؛ فأول ما يتبادر الى ذهن المرء هو ما عانته هذه المحافظات من اقصاء وتهميش وضم والحاق قسري ودونما اعتبار يذكر لطبيعة المجتمع ولخصوصياته المحلية والثقافية والتاريخية والحضارية والجغرافية
فكثيرا ما تم تجاهل واغفال حقيقة المشكلة الحضرمية التي تطالب بتسويتها اليوم ما يسمى ب " عصبة الحضرمية " فقبل ايام فقط قدر لي متابعة لقاء اجراه المذيع المتألق احمد المسيبلي مع رئيس جمعية العصبة الحضرمية د عبدالله باحاج ، مما ذكره هو ان حضرموت دولة وكيان ومسمى وحضارة عمرها ثلاثة ألف سنة ويزيد . يرى رئيس العصبة الحضرمية أن لحضرموت هوية مختلفة تماماً عن اليمن شماله وجنوبه، ويقول إن حضرموت لا علاقة لها باليمن شماله وجنوبه، وأنها تعاني «احتلالين» جنوبي1967م وشمالي 90 - 94م.
ومع هذا التاريخ التليد تم اختزالها برقم 5 ومن ثم بمحافظة يمنية في اطار دولة الجنوب السابقة وحاليا مازالت مجرد محافظة يمنية جنوبية ، واضاف " إذا كان الحراك الجنوبي يشكو من احتلاله وضمه والحاقه لجمهورية الشمال التي ينافح الان كي يعيد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الى حدود ما قبل التوحد عام 90م ؛ فإن حضرموت تم احتلالها وضمها والحاقها ضمن خارطة جنوب اليمن عام 67م لذا فعصبة حضرموت تسعى مع كافة القوى الفاعلة والمستنيرة في الحراك او الحوار كي تتحرر حضرموت من تبعيتها القسرية للجنوب اولا وللشمال تاليا .
أيا يكن الامر مباغتا وصادما للبعض ، لكنه في المحصلة واقعا وعلينا التعامل معه بشفافية وتجرد من أي اعتبارات عاطفية ، ضيقة ، انانية ، قمعية ،فطالما المتكلم هنا لم يخرج عن حدود اللياقة ، والكياسة ، والمزاعم ، والقرائن ، والتواريخ ؛ فينبغي الاصغاء له ، ومناقشة افكاره واطروحاته - التي قد لا تستساغ او تقبل من الكثير – بصدر رحب ، وبشفافية وحرية – وايضا – بعقلانية وتجرد تام من الاحكام المسبقة الجاهزة .
فمع كونها افكار ومزاعم غريبة وطارئة على ثقافتنا الاحادية الاستبدادية ؛ فإنه لا يجب اهمالها وتجاوزها خاصة ونحن في خضم ثورات مجتمعية لا تقتصر على فئة او جهة بعينها ، فالشيء الايجابي الذي يجعلنا ننظر لمطالبة عصبة حضرموت بعين متفائلة هو رؤية اصحابها العقلانية والمنطلقة اساسا من رؤية مستشرفة للزمن القادم الذي يجب ان تكون فيه حضرموت اقليما مستقلا يتمتع بكامل السلطة والصلاحية والخصوصية والجغرافية .
وإذا كنا هنا قد تطرقنا لمظلمة حضرموت - التي وفقا واتفاق كل الفرقاء السياسيين فيها باعتبارها اقليما مستقلا في الدولة الاتحادية الواحدة او في ظل الدولة الجنوبية الفيدرالية – فلا بد من الاشارة الى ماهية المظالم التاريخية الاخرى ،فهذه المحافظة شبوه - بما تحمله من دلالة تاريخية بكونها عاصمة لحضرموت القديمة – لديها مظلمتها التاريخية ، واحدة منها تتعلق بضم والحاق اجزاء منها بمحافظة حضرموت .
وهنالك – ايضا – محافظة المهرة التي لها مظلمتها التاريخية ، وكذا سقطرى وعدن ولحج ، فكل واحدة من هذه المسميات لديها معاناتها من الاقصاء والتهميش والضم والتبعية وسواها من المظالم الكامنة او الطافحة ، فهذه المهرة وسقطرى تتمتعا بخصائص وفروقات لغوية واثنية ومجتمعية وجغرافية ، ومع ذلك يراد ضمها والحاقها بإقليم حضرموت ودونما اعتبار أنها كانت سلطنة تضاهي سلطنات الكثيري والقعيطي والواحدي ، ومن ثم محافظة اسوة بحضرموت ، إما سقطرى فحدث ولا حرج فتارة عدنية وتارة حضرمية او مهرية .
وإذا كنا قد تناولنا شيء من مكنونات طافحة في هذه المحافظات الثلاث ؛ فذاك لا يعني ان بقية المحافظات الثلاث الاخرى لا توجد فيها مثل هذه الاصوات النافية صلتها باليمن كليا شمالا او جنوبا او تلكم الشاكية من التهميش والاستحواذ الجبري ، فواقع الحال ان عدن تشكو كثيرا من مظلمه تاريخية اقصتها واخرجت اهلها بعيدا وتحديدا مع رحيل المستعمر البريطاني الذي يحسب له اقامة مدينة مثالية متحضرة جامعة لكل الاقليات والإثنيات والطوائف والملل .
فلا أظن الدكتور فاروق حمزة سوى واحد من تلكم الاصوات العدنية المعبرة عن اقصاء وتهميش طال عدن وأهلها المعرفون بالتسامح ، والتعايش ، والمدنية ، والانضباط ، واحترام القانون والنظام ، وسواها من مفاهيم الثقافة والحضارة الانسانية التي كانت سائدة في زمن الاستعمار ، وتلاشت تدريجيا منذ الاستقلال ، وحتى يومنا هذا الذي باتت فيه عدن ومدنيتها وتسامحها وتنوعها مهددة بالزوال والموت جرا هيمنة واستئثار ثقافة الريف الوافدة المقوضة لتنوعها وتعايشها المتسامح المتناغم مع سياق مكونها المدني العصري الحاضن للجميع .
لحج وابين – ايضا – فبرغم زحف اهلها الكثيف الى عدن إلا ان هنالك من يعد مساحة عدن الضئيلة اقطاعية تاريخية ينبغي اخضاعها واعادتها لسابق عهدها القديم ، فإذا كان في عدن فئة من الناس مطلبها اعادة المدينة الى كنف حكم التاج البريطاني ؛ فإنه بالمقابل يوجد في لحج من يعد عدن مجرد مساحة تم اغتصابها ، او استئجارها ، او شرائها من سلطان لحج بثمن بخس وتحت وطأة القوة والاكراه .
وناهيك عن كونها عبدليه الاصل والفصل وفق مزاعم وقرائن اهل الحوطة وآل عبدلي والعقربي والعزيبي وغيرهم من السكان القاطنين في تخوم عدن ولا يتورعون في مطالبتهم واستحواذهم على اراض واقعة خارج حدود لحج وفي نطاق محافظة عدن وتحديدا في مديريات دار سعد والمنصورة والبريقة والشيخ عثمان ؛ لا ننسى هنا مطالبة للشيخ طارق الفضلي الذي صرح ذات مرة قائلا ان سلطنة ابيه تمتد من ابين وحتى خور مكسر وجبل حديد، كما ولا نغفل سلاطين وامراء ومشايخ الجنوب الذين لهم مزاعمهم ومظلمتهم .
خلاصة الكلام .يجب القول بانه ما من منطقة جبلية او ساحلية في اليمن إلا ولها مظلمتها وشكواها وثأرها مع جوارها ، فتهامة مازال ابنائها البسطاء الضعفاء يجأرون من ظلم وهيمنة قبائل الجبال الشمالية . الهاشميون ، الاسماعيليون ، الشافعية ، الزيدية ، الجمهوريون ، الملكيون ، القوميون ، الاسلاميون ، العلمانيون ، الجنوبيون ، الشماليون ، السلاطين والامراء ، ضباط سبتمبر ، ثوار اكتوبر ، تعز وإب والبيضاء ومأرب وريمه وغيرها من المحافظات الشمالية التي ما فتأت الآن منافحة كي تسترد حقها المسلوب والمصادر ، وكي تعثر على كرامة ووجود معنوي ومادي ونفسي .
فطالما راود هؤلاء شعور بالتمييز والتهميش والاضطهاد القسري ،ومع هذا الاحساس التاريخي بالظلم والتبعية القهرية المذلة السالبة لحقهم ومواطنتهم وكبريائهم ؛ فإنه يستوجب القول بحتمية الانتصار للحق العادل الذي ظل زمنا طويلا بعيد المنال ، إذ لم نقل مستحيلا احلاله وتجسيده خلال الحقب السالفة .
وعندما نقول بضرورة الاصغاء لهذه الاصوات - التي يعدها البعض ممزقة لكيان دولة او دولتين – فلأننا ندرك بطبيعة المشكلة والحل لهذه المظالم التاريخية الناتجة في الاساس عن استحواذ واستئثار فئوي ، عصبوي ، مناطقي ، طائفي على مقاليد السلطة والثروة والقوة والعدالة وحتى التفكير الايجابي الطامح بتغيير الصورة النمطية .
فالواقع ان الظروف القائمة يمكن معالجتها من خلال شراكة متكافئة وعادلة بعيدا عن سطوة ووصاية المركز التقليدي ، كما ويكون هذا الحل في اطار دولة اتحادية لا بتجزئة المجزأ أصلا مثلما يظن الكثير من المنافحين لاستعادة الدولة الجنوبية أو الداحضين بانتماء حضرموت للجنوب أو عدن للجنوب .
نعم فمثل هذه الافكار قد تبدو انها مقبولة ومستقطبة وملفتة ؛ لكنها وإذا ما انتقلت للممارسة العملية ؛ فأنها ستكون كارثة حقيقية على حضرموت وعدن والجنوب وتعز وتهامة وسواها ، فالواقع هو ان المجتمع اليمني مثقل بالتجزئة والتشظي والانقسام ، لذا هو في مسيس الحاجة لكيان جامع مازج ما بين الاستفادة من واقع ماضوي مرير زخر بالهيمنة المحتكرة لكل شيء.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها