منبر الحرية.. تنوع أكسبه النجاح
للصباحات الفيروزية وقعها الخاص حينما يكون للمكان صلة قربى بها، و هذا ما لحظناه جليا في منطقة "حريصا" الواقعة على سفح جبل لبنان المطل على أجمل المناظر الطبيعية برا و بحرا، أينما اتجهت ببصرك تجد المدى يأسرك بخضرة الأرض و زرقة البحر المتماوج على أشعة الشمس شروقا و غروبا،
في تلك المنطقة المحاطة بأشجار الصنوبر اختار مشروع منبر الحرية إقامة فعاليات جامعته الصيفية 2012م، و شارك فيها ما يقارب ثلاثين مشاركا و مشاركة من الأكاديميين و الباحثين و الإعلاميين و الناشطين الذين جاءوا من غالبية الدول العربية، و قدر لنا المشاركة في تلك الفعاليات التي توزعت بين محاور عديدة يجمعها شعار الجامعة " سنتان من الحراك العربي.. الثابت و المتغير"، وكان برنامجا حافلا بالنقاش و الحوار و الفائدة، دون أن يحرم المشاركون من متعة المكان الآسر جمالا يسري فيه سريان أغاني فيروز التي كانت صباحات حريصا حافلة بها، و كأن تلك الألحان تخرج لتوها من أعماق تربتها و سفح جبلها، كما و من بين أغصان أشجارها الوارفة.
فعاليات الجامعة جمعت في برنامجها بين القراءات السياسية و التحليلات الاقتصادية و المتابعات الإعلامية و النقاشات المستفيضة عن "الربيع العربي" و تداعياته، و تجلت وحدة الهم العربي و المصير المشترك الذي فتح الربيع أعين العرب و آذانهم عليه، و إن تعذرت وحدة أقطار الأمة العربية فقد توحدت مشاعر أبنائها – أو هكذا بدت و هي تستقرئ واقع العرب و مستقبلهم في ضوء ما أحدثه الربيع العربي خلال عامين من انبثاقه.
للسياسة علاقة وثيقة بالاقتصاد، و الأخير مرتبط بالأولى و هما معا تربطهما صلة بالمجتمع و الدولة و السلطة و الأمن و الثقافة و الإعلام و الخدمات و الديمقراطية و الحقوق و الحريات و قضايا المرأة و الهوية و التنمية و البيئة، و أي استقراء للصيرورة التاريخية للأمة لابد أن يشمل مختلف مجالات التحول و جذوره و أبعاده و آفاقه، و هذا ما حاولت فعاليات منبر الحرية في دورتها الحالية (يوليو 2012) أن تتناوله، و كان أجمل ما فيه التنوع الذي لم يقتصر على مجالات السياسة و الإعلام و الاقتصاد و المجتمع المدني و المرأة و التحول الديمقراطي، بل شمل المشاركين القادمين من مشارب فكرية و سياسية عديدة كما ومن أقطار متعددة في مشرق الوطن العربي و مغربه، كما و معهم السياسي الكردي المهموم بما يجري في مصر و الباحث الأمازيغي المتخصص في إشكالية اللغة العربية، و كذلك الناشط الاردني المشغول بقضية الهوية العربية و علاقة الحراك العربي الراهن بها، كانت تشكيلة جميلة ضمت كوكبة من الشباب الفاعلين الذين أثروا الجامعة بتفاعلهم، حيث برز في المجموعة شاعر من العراق و خبيران اقتصاديان أحدهما من مصر وآخر من المغرب، ثائر من سورية و أكاديمية من تونس و ناشط من اليمن و أستاذ جامعي من الأردن، وبروفيسور كويتي خبير في العلاقات الدولية، أستاذ علوم سياسية في جامعة فاس و آخر في جامعة الموصل، و ثالث في الجامعة اللبنانية، و في ما يتعلق بالمشاركات من النساء فقد بدا التنوع في التخصصات و الاهتمامات واضحا إذ شاركت في الجامعة الصيفية إعلامية و فنانة تشكيلية و باحثة في العلوم السياسية و ناقدة مسرحية إضافة لناشطات في المجتمع المدني و مشاركات في مختلف أوجه النشاط المجتمعي.
و بالفعل كانت فعاليات متميزة شكلا و موضوعا و طريقة، كما تميزت بطاقم إداري حيوي و متصل على الدوام بالمشاركين، عمل أفراده بشكل دؤوب لإنجاح الجامعة الصيفية و تحقيق الأهداف المرجوة منها، و هو ما نعتقد أنه تحقق.