زبدُ الطغاةِ وماءُ الإخوانِ !
أنظمةُ الحكمِ اليوم تسيرُ بتبعيةٍ مذلةٍ ، وفقَ أجندةِ قوى شرٍ ، خططت قديما بإحكامٍ لتحققَ هدفَها الأهمَ ، متمثلا في عالَمٍ جديدٍ يمحو أيَّ كيانٍ يحملُ مشروعا إسلاميا وسطيا معتدلا للحكم . عالَمٍ يُكثَرُ فيه رسمُ الحدودِ ، مؤكدا إلغاء حلمِ الخلافة الإسلامية . عالَمٍ تتمزق فيه الشعوبُ في ظل ديمومةِ خلافٍ وتنازع . عالَمٍ يحتاجُ أهلُه إلى حمايةِ الأجنبي لهم ، وفرضِ نفوذِه بينهم . عالَمٍ يعيشُ فيه المسلمُ وفقَ عادات وثقافةِ غير المسلمين بلا ضابطٍ ولا معيار . عالَمٍ ينتظرُ منهم إدارةَ كل شؤون حياته وتدبيرَ وسائل معيشتِه . عالمٍ قد قَطَّعوا أوصالَه الوطنيةِ والجغرافيةِ ، ومزقوا لحمتَه الاجتماعيةِ والفكرية ، وحطموا وحدته وقوميته الإسلامية والعربية ، وبعثروا عقولَ مبدعيه ومفكريه يسرةً ويمنةً . ولذلك كان لابد لهم من تخطيطٍ متقنٍ شاملٍ ، وأدواتٍ فاعلةٍ تنفذُ الدورَ المطلوبَ ، فوجدوا ضالتَهم في حكامٍ خونةٍ وقطيعٍ من أنعامِ المأجورين الطامعين في جاهٍ وفتاتٍ من الدنيا قليل ، من أجل إزاحةِ أكبر عائقٍ أمامهم ، ممثلا في تنظيمٍ قوي متراصٍ متماسك ، منظم متمكن منضبطٍ ، مستعصٍ صَبَّارٍ متجدد ، قادرٍ على استيعاب متطلباتِ العصرِ وتجاوزِ تحدياته ، ومواجهةِ آلياتِ الشرِ وصدِ مخططاته . وليس ذلك - شمولا وَوُسعا - لأحدٍ إلا لل" الإخوان المسلمين " . ولكن هيهات هيهات ، كم غدرَ بهم الحكامُ وبطشَ بهم الطغاةُ ، وهاجمهم مأجورو الأقلامِ وسفهاءُ الأعلامِ ، ثم كَلّوا واندحروا ، وماتوا غيظا وحسرةً ، وذبلت نبتةُ شرِهم وانقعرت شجرةُ مكرِهم ، وبقي الإخوانُ ، تزيدهم المحنُ شموخا وعزةً ، وتمنحهم الابتلاءتُ ثباتا وقوةً ، تسمو رسالتُهم تَقيةً ، وتستمرُ رحلتُهم نقيةً ، وتترسخُ تعاليمُهم حيةً ، يستلهمُ من مآثرهم المربون ، ومن صبرهم طلابُ الحقِ .
حاربهم صلاحُ نصر ، وحكمُ العسكرِ ، ووارى الثرى أجسادَ الطغاةِ وذهبت سطوتُهم ، وبقي في الثريا الإخوانُ . وسينهزمُ اليومَ السيسيُ ويلحقُ بهم في الخسة والنكسةِ ، وسيبقى الإخوانُ عنوانا للكرامةِ وللصمودِ مدرسةً .
تسلط عليهم القذافيُ ، وهلكَ مذلولا ، وبقي الإخوانُ في سمو وعلو ، وسيندحر اليومَ حفترُ وداعموه الأشرارُ الأنذال . وستظلُ ورودُ دعوةِ الإخوان فواحةً عطرةً لكل الأجيال .
حاربهم بورقيبة ونفاهم ابنُ علي ، وهلكوا وغابوا ، وبقي الإخوانُ نهجا ينطلقُ بالأمة نحو خيرية الحياةِ .
دفنهم تحتَ أنقاضِ حماةَ الأسدُ ، ثم تم دفنُه ووأدُ تاريخِه المشينِ ، وبقي الإخوانُ نبراسَ أملٍ وإيمان رغم شدةِ الألم والطغيانِ .
ناصبهم العداوةَ دعاةُ البعثِ وقادتُه ، فدارت عليهم دائرةُ السَوءِ والبلاءِ وحاقَ بهم مكرُهم ، وبقي الإخوانُ علما لكل خيرٍ وبناء .
قهرتهم الاشتراكيةُ في جنوب اليمن ، ثم اغتال الرفاقُ بعضُهم بعضا واندثروا ، وبقي الإخوانُ نخلا باسقا . وغدرَ بهم صالحٌ وحزبُه المهجنُ ، وتشرذم الحزبُ مدرارا ، وتثلجَ الزعيمُ غدرا ، وبقي الإخوانُ في سماء الوطن نسرا محلقا . وهكذا في دولٍ أُخَر ، لفق لهم المجرمون التُهمَ ، قتلوهم ، سجنوهم ، عذبوهم ، نَفَوهم ، سخروا منهم ، وظنوا أنَّهم بذلك قد أغلقوا ملفَهم ، فداهمتهم بغتةً ساعةٌ ما عملوا حسابَها وما منها مناصُ ، سكنَ فيها الزبدُ ، وبهتَ لونُه ، وذهبَ جُفاءً ، ومكثَ الماءُ في تربة الأرضِ ، مواصلا مهمتَه ، مؤديا رسالتَه ، توطيدَ الأساسِ ومنفعةَ الناسِ .
أبو الحسنين محسن معيض
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها