نعي الإخوان..وفقدان السلطان!
نعي الإخوان.... وفقدان السلطان
وكل أخ مفارقه أخوه. لعمر أبيك إلا الفرقدان
ببالغ الحزن والأسى تلقينا خبر رحيل أخي وزميلي ورفيقي (السلطان) وهذا لقبه، وهو بحق سلطان الدعاه، فإن كان العز بن عبدالسلام سلطان العلماء فإن الشيخ محمد هادي حسن (السلطان) هو سلطان الدعاة وحبيب الدعوة.
وداعا أخي وزميلي ورفيقي -محمد هادي- فقد ودع الحياة قبلك الأنبياء والصالحون وإنا لفراقك لمحزونون.
وداعك مثل وداع الحياة، وفقدك مثل افتقاد المطر.
عليك السلام فكم من وفاء**
أفارق فيك وكم من درر
وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وإن قبح البكاء على فقيد**
رأيت بكاءك الحسن الجميلا
عمر في دقيقة مستعاد.. ودهور مطلة في ثواني.
الشيخ محمد هادي حسن (السلطان) زميلي وأخي ورفيقي منذ الصغر، في جبلة تزاملنا وطلبنا العلم على يد مشايخها الأجلاء، ثم كنت وإياه أول من سافر من جبلة إلى مكة لطلب العلم هناك على مشايخ الحرم وفي مدرسة دار الحديث بمكة، ثم تبعنا الزملاء زرافات ووحدانا.
وان انس لا أنسى يوم وصلنا معتمرين ودخلنا من باب الحرم وشاهدنا الكعبه المشرفه وسقط على الأرض يبكي وينهج ويشهج وينحب وأنا واقف عند رأسه مذهولا، فجاء الناس وصبوا عليه من الماء حتى قام، وذهبنا للطواف وهو يتعلق بأستار الكعبة ويبكي.
نعم كاد الشوق يبرحه، وهو موقف لا يُنسى.. وما نسيته. وذكرني مرة ثانية بهذا البكاء حينما ذهبنا نودع الأستاذ الشيخ محمد حسن سالم القطوي وهو عازم على السفر إلى البلاد، وكان أخي محمد يتوسل إليه ويراجعه عن السفر مدركا خطورة السفر ويتوسل إليه ويرجوه ويبكي ولكن الأستاذ محمد حسن قد عزم فلم يتراجع، ثم سقط السلطان باكيا وما رفعته من الأرض إلا بمساعدة أناس آخرين، وهذا مشهد لا يُنسى.
ثم ذكرني مرة ثالثة بهذا البكاء وذاك ليلة جاء خبر استشهاد الأستاذ الشيخ محمد حسن سالم في ليلة 27 رمضان من سنه 1975م، يوم قتله الحزب الاشتراكي لأنه من علماء الدين. وكان هذا البكاء ثالث بكاء تسجله الذاكرة في مواقف تبين عن عاطفة رقيقة وأحاسيس مرهفة لا تُشاهد إلا عند السلطان.
ومن هنا لم نشاهد السلطان إلا مع الدعوة والتذكير بالحكمة والموعظة الحسنة. (وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين) وسطيا معتدلا رحيما شفوقا ودودا لمن يعرف ولمن لم يعرف، وداعيا إلى الله في سفره وفي إقامته.. وهو يمشي.. وهو جالس.
كان لهجا بالدعوة والتذكير، ولا يسب نظاما ولا حزبا ولا جماعة. كان جُلّ اهتمامه أن يحبب العبادة للسامعين، ويحبب السامعين للعباده، هذا أسلوبه وهذا هو ديدنه.
أما إذا خلا بنفسه للقراءه فكم شاهدته يصاحب كتاب رياض الصالحين، وكل مرة أجده متعلقا به كأنه يجده لأول مرة حبا وشغفا، وإذا لم أجد معه رياض الصالحين فإن معه كتاب الأذكار للنووي، وكم كان يردد مقولة العلماء: (بع الدار واشتر الأذكار)
أما إذا رأيته مصاحبا كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح فاعلم أنه يتشوق لأوصاف الجنة وما أعد الله للمتقين من نعيم مقيم.
ومكتبته عامرة تزخر بالأصول والمراجع، وبأمهات الكتب في شتى العلوم والفنون.
لكن الدعوة هي سياحته ومُناه ومُبتغاه.
العزاء كل العزاء فيه أنه لم يحمل سلاحا لا ولم يتأبط شراً. بل حمل آيات وأحاديث وأذكار وأدعية، وحمل معه الكلمة الطيبة، فله على الأقل عند كل منعطف طريق سلام وتحية، وله عند كل مسجد كلمة وتحية، وله عند كل مجلس ابتسامة ونصيحة، وله زيارة وصلة.
تعرفه المساجد والقرى والمدن والسهول والقمم، ويعرفه حتى الأطفال وهو يهديهم قراميش الأطفال، إذ هو يعرف الطريق إلى القلوب. -قلوب الكبار وقلوب الصغار- وإذا رماه أحد بالحجر رماه بالثمر ورد عليه بالعفو والإحسان والدعاء بالهداية.
أخ تم فيه ما يسر صديقه**
على أن فيه مايسوء الأعاديا.
وإنا إن عجزت عن التعبير والوفاء بحق أخ وزميل فإن العذر أنه قد حال الجريض دون القريض، لكن نوفيه حقه بالدعاء له.
اللهم اغفر له، وارحمه، وأكرم نُزله، ووسع مدخله، وأغسله بالماء والثلج والبرد، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
آمين آمين يا رب العالمين
وفي الأخير أيتها النفس اجملي جزعا.. إن الذي تحذرين قد وقعا.
ولما اغلقت الحدود واقيمت الحواجز والسدود اختاره الله الى جواره .
( قال تعالى
{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} ....صدق الله العظيم )
بقلم د. محسن عبدالله صالح
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها