الفريق علي محسن ومغزى الاستدعاء الأمريكي لدوره
هناك تطور مفاجئ وغير مريح يواجه المنظومة المحرضة على السلطة الشرعية ومعسكرها، فقد صدر تقرير مهم عن معهد أبحاث الدفاع الوطنية "راند" ومركز سياسة المعلومات والاستخبارات التابع له، وهو مركز أبحاث وتطوير ممول من الحكومة الفيدرالية الأمريكية تحت رعاية مكتب وزير الدفاع وهيئة الأركان المشتركة، يتعلق بالدور المستقبلي لنائب الرئيس اليمني الفريق الركن علي محسن صالح.
التقرير أشاد بمزايا نائب الرئيس الذي قال إنه يتمتع بعلاقات جيدة مع أهم المكونات اليمنية الفاعلة، وأحد الخيارات القليلة المتبقية على الأرض، وربما الشخصية التي لديها أفضل الفرص لقيادة الزحف على صنعاء، وتوحيد المؤتمر الشعبي العام.
تكمن أهمية هذا التقرير في أنه يقوض مصداقية أولئك الذين يدفعون باتجاه التخلص من الرجل وإحلال شخصية بديلة عنه، بلا لون سياسي واضح وبلا عقيدة وطنية، تتويجاً لحملة شعواء تطال نائب الرئيس الفريق على محسن صالح، وتتولاها المنظومة الإعلامية الممولة من تحالف دعم الشرعية.
منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، دفعت الأقدار بالضابط في القوات المسلحة اليمنية والشخصية المثيرة للاهتمام، علي محسن صالح، إلى واجهة الأحداث، فكان أن قام طيلة العقود الأربعين الماضية ولا يزال بأدوار قيادية مؤثرة، وبرزت سطوته في العقدين الأولين من تولي الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح زمام السلطة في الجمهورية العربية اليمنية، بحكم الانتماء المشترك للرجلين لبلدة "بيت الأحمر"، الواقعة في مديرية سنحان إلى الجنوب الشرقي من العاصمة صنعاء.
وعلى العكس من شخصية علي عبد الله صالح المراوغة والمنفتحة على التشكل والتلون والمناورة والانحدار السلوكي، اتسمت شخصية علي محسن بقدر من الانضباط والرُّشْد والسلوك القويم.
حرص صالح على بقاء حزب الإصلاح تحت السيطرة، واختار علي محسن للقيام بهذه المهمة، في وقت بقي الإصلاح جزءا من الحركة الإسلامية التي شكلت قاسماً مشتركاً بين نظام صالح والمملكة العربية السعودية المتوجسة من نفوذ الشيوعيين وحكمهم وسطوتهم في الجزء الجنوبي من اليمن، إلى حد شكلت معه الحركة الإسلامية المعادل الموضوعي الحقيقي للحزب الاشتراكي اليمني.
لكن علي محسن استطاع أن يبني علاقة تتسم بالوفاء المتبادل مع حزب الإصلاح، وسوف تثمر هذه العلاقة لاحقاً، انتقالاً مشتركاً واستثنائياً للطرفين إلى مستوى جديد من الفعل الوطني، تجلى أكثر ما تجلى في ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، حيث مثل الإصلاح ملاذاً سياسياً للقائد المنحاز للثورة، فيما مثل القائد وترسانته العسكرية ملاذاً أمنياً للإصلاح وقوى التغيير في لحظة المواجهة القاسية مع نظام صالح.
وإذ تبدو أبو ظبي رأس حربة لاستهداف الأسلاميين في الوطن العربي، فإنه من المستغرب هذا التبدل في الموقف السعودي، الذي تحولت الحركة الإسلامية لديه إلى عدو يتجاوز في خطورته الحوثيين المرتبطين بالمشروع الإمبراطوري الفارسي المستند إلى نظرية المهدي المنتظر.
يحدث ذلك على الرغم مما تحمله تلك النظرية من أهداف مباشرة لتقويض المملكة عبر جيوش تتحرك من اليمن والشام، وهو ما يتطابق اليوم مع النتائج التي حققتها إيران في هاتين المنطقتين، حيث لا يمكن لأي طرف إقليمي أن يدعي بأنه أوفر حظاً من إيران في الإفادة من مقدرات اليمن والشام في هذه المرحلة من التاريخ.
مع تنامي نزعة صالح ذي الميول القومية البعثية، لتكريس السلطة في يده، بادر إلى تأسيس المؤتمر الشعبي العام في 24 آب/أغسطس من عام 1982، مستنداً إلى الحركة الإسلامية التي كان تأثيرها واضحاً في الميثاق الوطني، الدليل النظري والأيديولوجية الذي يستند إليه هذا التنظيم الناشئ ومتعدد الطيف، والهلامي من حيث هويته السياسية، والذي أراده صالح بديلاً عن الأحزاب، وتكريساً مراوغاً للشمولية عبر الادعاء بأن المؤتمر الشعبي هو الإطار السياسي للمشاركة الشعبية في القرار.
شغل علي محسن موقعاً مؤثراً في المؤتمر الشعبي العام من خلال عضويته في اللجنة الدائمة للمؤتمر ومن خلال دائرة الدفاع في هذه للجنة، لعدة دورات، حتى أنه تقاسم مع صالح النفوذ في توجيه مسار التنظيم الذي سيتحول إلى حزب السلطة الأقوى في البلاد بعد العام 1996.
وبعد سلسلة من التحولات الدراماتيكية التي مرت بها البلاد وشكلت ضغطاً هائلاً على سلطة صالح، وبدأت بالهجوم الإرهابي على المدمرة الامريكية يو أس أس كول في ميناء عدن في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2000، كان صالح على استعداد لتقديم كبش فداء لسلطته، لذا لم يتردد وتحت الضغوط الأمريكية في التخلص من شراكته السياسية مع الحركة الإسلامية التي كان يمثلها حزب التجمع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه في الثالث عشر من شهر أيلول/ سبتمبر من عام 1990.
وبالنظر إلى أن الفريق علي محسن صالح كان القناة الرئيسية التي تمر عبرها خطوط المصالح المتبادلة بين نظام صالح والحركة الإسلامية، فقد بقي هذا الرجل محتفظاً بعلا
قات وثيقة مع كبار القيادات الإصلاحية السياسية والعسكرية، خصوصاً تلك التي أظهرت تفانياً في حرب صيف العام 1994، الأمر الذي جعله أيضاً هدفاً للسياسات الأمريكية وللرئيس صالح نفسه.
اتجه صالح نحو تقوية دور حركة الإحياء الزيدية (أنصار الله لاحقاً) ذات الدعم الإيراني المبكر، والتي استفادت كثيراً من الحملة العدائية الأمريكية للحركة الإسلامية السنية ومحاولة ربطها القسري بالقاعدة، على الرغم من أن حركة الإحياء الزيدية بقيت بالنسبة لصالح مجرد ورقة سياسية لا أكثر، ولم يدرك خطورتها القاتلة على وجوده.
التوجه نحو التخلص من قائد المنطقة العسكرية الشمالية آنذاك، اللواء علي محسن صالح، تعزز أيضاً برغبة صالح في تمكين أبنائه وأبناء أخيه من الجيش، وفي محاولة تأسيس وحدات شبه عسكرية عالية التجهيز، تمثلت في قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وقوات الأمن المركزي وقوات مكافحة الإرهاب التابعة لها. وجميعها حظيت بدعم كامل من الولايات المتحدة، الأمر الذي ساهم في تحجيم دور الجيش التقليدي الذي كان يهيمن عليه اللواء علي محسن من خلال قيادته للفرقة المدرعة الوحيدة والأكبر على مستوى اليمن.
وبعد أن انتهت مغامرة دعم الحوثيين من دول التحالف الحالية وأطراف محلية؛ إلى سيطرة المليشيا على الدولة ومقدراتها عبر ثورة مزعومة تمحورت حول الخلاص من علي محسن الذي كان يشغل أصلاً منصباً شرفياً، حدث التطور الأبرز وهو التدخل العسكري الشامل في اليمن بقيادة السعودية.
وفي منتصف الطريق برزت الحاجة إلى إعادة إحياء دور الفريق علي محسن، عبر تعيينه نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة ثم نائباً للرئيس، خلفاً لخالد محفوظ بحاح، رجل الإمارات.
واليوم ثمة محاولات تعكس قوة النفوذ الإماراتي على الرياض، وتهدف إلى الإطاحة به ضمن تسوية ربما تشكل الفصل الأخير من مسلسل التآمر على الدولة اليمنية وجيشها ووحدتها ونظامها الجمهوري.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها