أين الدولة مما يحدث؟
في لحظة إحباط عجزت عن انتشالي منها نتائج انتخابات رئاسة لجان مؤتمر الحوار الوطني المبشرة -على الأقل ظاهرياً- وجدت نفسي أعيد التفكير بشأن الدولة المدنية التي خصصت لها إحدى لجان المؤتمر التسع، ولازلنا نبحث عنها كطيف وحلم يجبرنا على الإيمان بأن هذا الحلم يمكن أن يتحقق.
على بعد مئات الأمتار من قاعات تشكيل تلك اللجان التي مللنا الحديث عنها كرسام لملامح اليمن الجديد, كان يجمعنا لقاء كمواطنين من شرعب ويقيمون بالعاصمة صنعاء وفي مكان آخر أبناء مديرية العود محافظة الضالع حزينون جميعاً على الدولة المفترى عليها والنظام والقانون المداس عليهما باستمرار.
قبل ذلك بأسابيع قليلة كان أبناء السدة في إب يتداعون في إحدى صالات الأفراح بصنعاء لذات الغرض, بحثاً عن أدوات وطرق ووسائل تساعدهم في الضغط على أجهزة الأمن لضبط متهمين بجرائم قتل لمواطنين من أبناء السدة او العود أو شرعب أو غيرها من المناطق وتسليمهم للقضاء وتقديمهم لمحاكمات عادلة.
ومع التفاؤل الذي يسود كثيراً من اليمنيين بأن نجاح مؤتمر الحوار الوطني سيفضي إلى حلول لمشاكل مستعصية وفي مقدمتها مشكلة غياب الدولة وعدم تنفيذ القوانين بمافيها من مثالب وثغرات, لكنهم لن يؤمنوا حقاً بأن وقت الخلاص قد حان، فيما الواقع ليس فيه مايدل على أن حل تلك المشكلة نظرياً يتزامن مع إجراءات عملية.
إذا كان قتلة أنور الشرعبي و....العودي يسرحون ويمرحون في المنطقة الخضراء للعاصمة صنعاء (جنوب العاصمة) وقبلهم قتلة عرفات عبدالمغني وآخرين، وتعجز أجهزة الأمن والقضاء عن الوصول إليهم وتقديمهم للعدالة, فلن يؤمن الناس بأن الفرج قريب ولن يشعروا بالأمن والاستقرار ولن تتعزز لديهم الدولة كفكرة وثقافة ومؤسسات يؤمنون وينشدون ويطمحون إليها.
في الضواحي الشمالية للعاصمة صنعاء, كان مسلحو أحد مشائخ همدان يهاجمون معسكر الاستقبال للسيطرة عليه وفي ضواحيها الجنوبية يتجول قتلة الشرعبي والعودي وعرفات ويمارسون جرائم جديدة بكل فجاجة, وللأسف نجد وزارة الدفاع مشلولة هناك ،كما أماكن كثيرة ووزارة الداخلية مشلولة هناك أيضاً.
من المستحيل أن يؤمن المواطن بالدولة وقرب تحققها ومن غير الممكن أن يسهم ويقوم بواجبه ودوره لأجل قيامها وتعزيز أركانها وهو لازال يضطر يومياً للبحث عن أبناء منطقته وقبيلته وعصبيته للوصول إلى الحق ومنع الافتئات عليه والانتقاص منه وتحقيق العدالة.
إذا استمر الحال على ماهو عليه، سنجد المواطن هذا الباحث عن الأمن والاستقرار الحالم بدولة النظام والقانون والمساواة يغير قناعاته التي عززتها ثورة الشباب وإعادته إلى وضعه الطبيعي, وسيعيد حساباته بصورة سلبية وسينظر إلى مايحدث في فندق موفمبيك وماتنقله الشاشات والإذاعات مجرد كلام للإستهلاك كالسابق.
هذه القناعات التي ستتسبب بخلقها من جديد السياسات القائمة على إنجاز قضايا مخطط لها كهيكلة الجيش والأمن وعقد مؤتمر الحوار الوطني وعدم الاهتمام بما يهم الناس ويلامس حياتهم اليومية، ليست فقط في صحارى مأرب أو قرى شرعب والعود والسدة وحضرموت ويافع وصعدة, بل داخل أمانة العاصمة ومركز الدولة.
قبل أسابيع قليلة كنت أستخرج بطاقة شخصية لأحد الأقارب وشهادة ميلاد لطفلتي الصغيرة في قسم شرطة 22مايو بمنطقة الرقاص (أمانة العاصمة) وفجعت لهول مايحدث من ابتزاز واختلاس عجزت عن التصدي له أو رفضه رغبةً بالحصول على تلك الوثائق.
مافجعني هو أني كنت قد صدقت أن تغييراً طال تلك المؤسسات الخدمية خاصة التابعة لوزارة الداخلية, لكني وجدت أن البطاقة التي أعلن عن رسومها 1200 ريال استخرجتها بأكثر من ثلاثة آلاف ريال, وكل واحد منهم يريد مقابل مايقوم به من واجب وظيفي ويمن عليك بقبوله ذلك وكأنه يقدم لك صدقة أو مكرمة, بغض النظر عن ضآلة مايحصل عليه من دخل.
المواطن بحاجة إلى أن يشعر بالتغيير من خلال تنفيذ القانون على الجميع وفرض هيبة الدولة بضبط المتهم بجريمة كجريمة قتل، سواء كان في المنطقة الخضراء أو الصفراء من صنعاء, وهو بحاجة أن يلمس التغيير عبر توقف موظفي الدولة عن ابتزازه واختلاسه ومعرفته بتعرض المسيء منهم للمساءلة والمحاسبة.
هل من حقنا أن نحلم أن يتزامن مخرجات مؤتمر الحوار الراسمة لملامح اليمن الجديد مع إجراءات عملية وواقعية تفرض هيبة الدولة وتنفذ القانون وتشعر الناس بالأمن والاستقرار والمساواة ليكفوا عن الإحباط ولا يجتمعوا كمناطق وقبائل للضغط على الدولة لفرض هيبتها التي لم تولد بعد إلا على الضعفاء؟.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها