المقال الآخير
أتمنى أن يكون هذا آخر مقال لي أكتبه وانشره ..
ستقولون : لماذا ؟
والحقيقة أن معرفة الحقائق في اليمن ومتابعتها وكتابتها والتعليق عليها ليست واقع مر نعيشه فحسب ولكنها سم زعاف نتجرعه كل يوم ، ففي اليمن هذا البلد المنكوب بالحرب والمطحون بالفقر والبؤس تناقضات مخيفة ومفارقات قاتلة .
في اليمن وبشكل يومي نعيش أحداث تدمي قلب كل حر وتؤلم كل ضمير حي ، تحدث أمورا يصعب تصديقها ويستعصي فهمها وتدع الحليم حيران ومنها ما حدث قبل أيام حيث قامت الحكومة اليمنية المعترف بها اقليميا ودوليا بتمويل مليشيا الانتقالي المتمردة بعدن بمبلغ 80 مليار ريال يمني في الوقت الذي تخوض قوات هذه الحكومة حربا متواصلة ضد مليشيا الانتقالي في أبين قرب عدن . !!
وبينما تسلمت مليشيا الانتقالي 80 مليار ريال من الحكومة فإن القوات الحكومية بلا رواتب منذ أكثر من 6 أشهر .!!
هل قد مرت في حياتكم مفارقة مخجلة كهذه ؟!
هل قد حدث مثل هذا في تأريخ البشرية كلها منذ وجودها على هذا الكوكب ؟!
هل تصدقون أن مئات الآلاف من الأسر اليمنية تعيش على وجبة واحدة يوميا وأن عشرات الآلاف من اليمنيين قد ماتوا جوعا ومرضا وبينهم أساتذة جامعات لم يجدوا حتى ثمن علبة الدواء بينما الحكومة تمول المليشيا المسلحة بمئات المليارات ؟!!
صدقوا أو لا تصدقوا هذا ما يحدث في اليمن .
الآن في اليمن يموت كثيرون في منازلهم بصمت ، يخافون حتى من الذهاب للمستشفيات ليس بسبب شائعة " إبرة الرحمة " ولكن لأن المستشفيات صارت لا تستقبل حالات مرضية لعدم وجود امكانيات أو أجهزة تنفس صناعي أو أدوية وهم في الوقت نفسه لا يمتلكون تكاليف العلاج ، لقد فر الكثير من الأطباء من كثير من المستشفيات فصار الكثير من الناس يفضلون الموت في منازلهم بصمت لا يملكون ثمن العلاج وليس في المستشفيات أية امكانيات .
هل تصدقون أن مدينة عدن العاصمة المؤقتة للشرعية والخاضعة للانتقالي لا يوجد فيها غير 7 أجهزة تنفس صناعي بينما سكانها يقارب عددهم مليون نسمة.!!
صدقوا أو لا تصدقوا هذا ما يحدث في اليمن .
تصوروا .. في أغسطس آب 2019 سيطرت مليشيا الانتقالي على مدينة عدن وضواحيها بدعم إماراتي وتواطؤ سعودي وقامت مليشيا الانتقالي بطرد الحكومة منها ومنذ ذلك اليوم إلى اليوم اي ما يقارب العام ما تزال الحكومة اليمنية ترسل المليارات إلى البنك المركزي بعدن والخاضع لسيطرة الانتقالي الذي يصرف الرواتب لمليشياته شهريا ويمنع صرف رواتب قوات الحكومة الا راتب شهر أو شهرين كل 7 أشهر وبعد وساطة سعودية بينما الحكومة تواصل إرسال المليارات إليه ليمول مليشياته التي تقاتل قوات الحكومة !!
هل فهمتم شيئا مما يحدث في اليمن ؟!!
كثيرون قد طالبوا الحكومة الشرعية مرارا وتكرارا ونصحوها بأن ترسل الأموال إلى فروع البنك المركزي في المناطق التي ما تزال تسيطر عليها مثل حضرموت وشبوة والمهرة ومأرب إلا أنها رفضت وتصر على إرسال الأموال إلى عدن لتمويل مليشيا الانتقالي المتمردة عليها والتي تقاتلها في أبين.!!
رغم أن الانتقالي رفض تحييد الاقتصاد ويتصرف بالبنك المركزي بعدن الخاضع له ويصرف منه ما يشاء ومع هذا ترسل الحكومة الأموال إليه حتى اليوم .!!
هل قد سمعتم بحكومة تجوع جيشها وتمول أعداءها الذين يقاتلونها غير الحكومة اليمنية ؟!!
هل تصدقون ان الحكومة المعترف بها والتي تقاتل قواتها الحوثيين منذ سنوات قد رفصت أن تنقل مقرات شركات الاتصالات والانترنت من صنعاء إلى المناطق التي تسيطر عليها كما رفضت تاسيس شركة للاتصالات أو للانترنت في المناطق التي تسيطر عليها وذلك حتى لا تحرم الحوثيين الذين تقاتلهم من مئات المليارات التي يجنوها من شركات الاتصالات والانترنت في صنعاء رغم أنها تعلم أن كل اتصالات القوات الحكومية مكشوفة لخصومها في صنعاء لأنهم من يتحكمون بالاتصالات والانترنت حتى اليوم وما تزال الأموال تورد من مختلف مناطق اليمن إلى صنعاء إلى اليوم وأن الحكومة الشرعية رفضت عروضا مغرية من شركات عديدة أبدت استعدادها تأسيس شركات اتصالات وانترنت في المناطق التي تسيطر عليها حتى لا تحرم الحوثيين الذين يقاتلونها من مئات المليارات ومن تحقيق اختراق عسكري عبر التنصت على هواتف قيادات وضباط الحكومية ومعرفة تحركاتهم وخططهم .!!
صدقوا أو لا تصدقوا هذا ما يحدث في اليمن .
هل تصدقون أن الحكومة المعترف بها رفضت نقل مقر الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد من صنعاء إلى المناطق التي تسيطر عليها حتى لا تحرم الحوثيين الذين تقاتلهم من 36 مليون دولار سنويا رسوم عبور الطائرات المدنية فوق الأجواء اليمنية ولا تزال هذه المبالغ تورد للحوثيين في صنعاء إلى اليوم وقد رفضت الحكومة المعترف بها مخاطبة هيئات الطيران المدني في العالم لتوريد هذه المبالغ إليها حتى لا تحرم الحوثيين من 36 مليون دولار يتسلمونها سنويا .!!
صدقوا أو لا تصدقوا هذا ما يحدث في اليمن .
هل تصدقون أن الهيئة الوطنية لنزع الألغام في صنعاء والخاضعة للحوثيين تستلم سنويا من الأمم المتحدة ومنظمات دولية 50 مليون دولار مخصصة لنزع الألغام في اليمن فتحول هذا المبلغ لتجهيز الالغام وزراعتها وان الحكومة المعترف بها رفضت مخاطبة الجهات الدولية لتحويل هذه الأموال لبرنامج وطني ينزع الالغام وليس يزرعها حتى لا تحرم الحوثيين من 50 مليون دولار سنويا يستخدمونها في انتاج وزراعة الألغام.!!
صدقوا أو لا تصدقوا هذا ما يحدث في اليمن .
ما سبق مجرد نماذج بسيطة جدا للتناقضات والمفارقات والعجائب والغرائب التي تكتظ بها اليمن وللأسف هي مفارقات مضحكة مبكية لأن الوضع الذي يعيشه أبناء اليمن مخيف بكل المقاييس بينما تعمل حكومتهم ليل نهار وبكل طاقتها لتمويل المليشيا المتمردة التي تقاتلها وتجويع الشعب.!!
أعرف بنفسي العشرات من الاكاديميين كانوا قبل الحرب ملء السمع والبصر وللأسف الآن الكثير منهم مات جوعا ومرضا بعضهم تشرد في دول العالم يعمل سائق باص أجرة أو يغسل الأطباق في المطاعم أو يقدم الوجبات كنادل ، أعرف بنفسي من مات لأنه لا يملك ثمن علبة دواء لا يزيد ثمنها عن 10 دولارات وهو أستاذ جامعي دراساته وابحاثه منشورة وقد قضى أكثر من 30 عاما يدرس ويحاضر في الجامعة ، أعرف بنفسي وكلاء وزارات وأساتذة جامعات يعملون سائقي سيارات أجرة وباعة للقات ويحملون الأحجار على ظهورهم ليعولوا أسرهم بعد أن فقدوا رواتبهم ورفضت الحكومة الشرعية والحوثية صرف رواتبهم ، أعرف من مات منهم جوعا في منزله ومن طرد من الشقة التي يسكن فيها لأنه لا يمتلك ثمن الإيجار بينما الحكومة مشغولة بتمويل المليشيا في الجنوب والشمال والعمل على دعمهم وتسليحهم وتسويقهم سياسيا بعقد الاتفاقات السياسية معهم لمنحهم الشرعية وتسويقهم .!!
في اليمن حقائق مخيفة تسبب الجلطات والضغط وأمراض القلب وتصلب الشرايين ، حقائق تسبب القهر والإحباط والأمراض النفسية وتدفع المرء للجنون أو الانتحار أو تشكيل عصابة مسلحة والسيطرة على منطقة معينة لينال الدعم والتمويل .!!
أمنيتي أن لا أعرف ما يحدث في اليمن وأن لا أتابع أخبار اليمن ما حييت حفاظا على صحتي المتهالكة ، أتمنى أن يكون لدي ما يكفيني لاعيش دون أن أدري بما يحدث حولي لأني بمعرفة هذه الحقائق أموت ببطء فشخص مثلي مصاب بالسكري والضغط والقرحة والبواسير وقصور في وظائف القلب ومع هذا كتب عليه أن يتابع أخبارا من هذا النوع لكي يعيش وأن يتعذب كل يوم بمعرفة كل هذا الكم القاتل من الفظائع والمآسي والتناقضات والمفارقات والحقائق المخيفة..
اللهم أرحمنا برحمتك وفرج على شعب اليمن ما هم فيه بحولك وكرمك يااارب .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها