المجرم.. المشفّر!
كالعادة الغالبة في التقارير الحكومية في القضايا ذات الحساسية السياسية؛ جاء تقرير اللجنة الوزارية المكلفة بتقصي الحقائق حول أعمال العنف الأخيرة في حضرموت من نوعية: «لا تشلوني ولا تطرحوني» وفي رواية من نوعية: «ابعد عن المجرم وغني له، وغني لك عن السماء والطيور والفجر وشقشقة العصافير!».
بدأ الخلل في المسألة من تشكيل اللجنة نفسها؛ فقد غلب عليها الطابع السياسي؛ باستثناء عضو واحد قانوني؛ وصحيح أن هناك بعدا سياسيا في الأحداث لكن ضعف التمثيل القانوني لا يتسق مع حقيقة أن هناك جرائم جنائية ارتكبت في حق مواطنين وممتلكاتهم دون أي ذنب اقترفه الضحايا! ولأن البعد السياسي تغلب فقد جاء تشكيل اللجنة خاضعا للموازنات اليمنية المعروفة التي لا تحق حقا ولا تبطل باطلا، وفي مثل هذه التشكيلة فإنه من المستحيل أن يوافق جميع أطرافها على تحديد أسماء الجهات والأفراد الذين هيجوا الفتنة وتسببوا في سفك الدماء.. حتى القناة التي تولت كبر ذلك لم يتشرف التقرير بذكر اسمها، واكتفوا بالتلميح بأنها قناة تبث من الخارج! والسبب واضح يمكن استنتاجه من رأس الذئب الطائر.. ورأس الذئب الطائر هنا هو مجلس الأمن الدولي الذي أدان بيانه علي سالم البيض؛ فهاج البعض وكأن القيامة قامت؛ فكيف لو كان طالب بعض أعضاء اللجنة بذكر اسم قناته في تقرير يمني؟ أقل تقدير سوف ينسحب البعض، ويطالب كشرط للاستمرار بإدراج اسم أي قناة معارضة له مثل سهيل من باب التوازن!
التقرير أيضا تجنب ذكر أسماء الجهات المحرضة على الفتنة وأسماء الموتورين والخطباء الذين حرضوا على العصيان وحتى ضد الوحدة، حتى الأعمال الإجرامية التي وقعت في يوم واحد فقط وصفها التقرير بأنها (بعض) مع أنها تشمل وفق التقرير نفسه:[قطع الطرقات-إحراق الإطارات- منع المرور-الاعتداء على أفراد الأمن- إخراج الطلاب من المدارس بالقوة(!)- إطلاق النار من قبل مثيري الشغب، وأحيانا استخدمت قذائف آو.بي. جي وصواريخ اللو أثناء استهداف أصحاب المحلات والبسطات من أبناء المحافظات الشمالية!].. وفي اليوم الثاني للأحداث تم الاعتداء على ممتلكات خاصة، وإحراق بعض المحلات وبعض مقرات الأحزاب السياسية إحراقا جزئيا و كاملا.. كذلك تم توزيع منشورات تهدد المواطنين من أبناء حضرموت إن تعاملوا مع الشماليين!
كل هذه الجرائم سماها التقرير (بعض).. وقالك تقرير تقصي حقائق!
لماذا لا يسمونه: تقرير.. جبر الخواطر على الله؟
•••
أسوا ما في التقرير أنه اجتهد في اصطناع تبريرات للجرائم يستفيد منها المجرمون، ودون أن ينتبه واضعو التقرير أن هذه الأسباب متوفرة في كل أو معظم المحافظات، بمعنى أن التقرير يصلح أن يكون دعوة للتمرد في كل مكان مع الاطمئنان أن أحدا لن يعاقب! والحقيقة أن المجرمين الذين حرضوا ونفذوا جرائمهم محظوظون، ولم تقصر اللجنة في شيء إلا أنها لم توص الحكومة بمنحهم أوسمة ومكافآت شهرية، وربما ضمهم لمؤتمر الحوار الوطني.. هذا إن قبلوا!
خذوا مثلا الحديث عن التراكمات والاحتقانات المزعومة التي يبرر التقرير وقوع الجرائم بسببها؛ لماذا لم تكن دافعا لكل أبناء حضرموت للمشاركة الفاعلة في الاعتداءات؛ بل أدانوها وتبرأوا منها؟
خاتمة البلوى ان التقرير يوصي الدولة بتحمل تكاليف الخسائر وتعويض المتضررين (منهم مواطنون من أبناء حضرموت تعرضت أملاكهم للتدمير والحرق) بدلا من أن يوصي بملاحقة المجرمين وتقديمهم إلى القضاء وتحميلهم مسؤولية أعمالهم.. كذلك لم يوص التقرير بملاحقة القناة الخارجية التي اتهمها بالتحريض على الكراهية والعنف وإشاعة البغضاء بين أبناء الوطن الواحد، مع أن الأمر أسهل بكثير دوليا من ملاحقة المحرضين في الداخل!
الرابحون من التقرير؛ بالإضافة إلى أعضاء اللجنة كونهم افتهنوا قليلا؛ هم المجرمون الذين نفذوا جريمتهم وخرجوا منها بسلام، والسلطة المحلية التي حصلت على شهادة (إيزو 2013) أنها عاقلة وحكيمة.. وكذلك سيجد دعاة الانفصال سندا في التقرير الذي دعا مثلا إلى الاهتمام بجامعة حضرموت واستكمال بناء كلياتها أسوة ببقية جامعات الجمهورية!
ما شاء الله وتقصي الحقائق! يعني جامعة حضرموت فقط غير مكتملة أما بقية جامعات الجمهورية فتنافس كمبردج وهارفارد وجامعات الخليج واليابان.. جامعة حضرموت هي فقط المهملة ولا تحظى بفرص جامعات حجة وأبين وذمار وتعز وإب، والتي من وفرة أموالها، ورقي كلياتها، وتوفر كل مستلزمات التعليم فيها!
نصيحة للحكومة: اعلنوا أن التقرير المنشور غير صحيح؛ قبل أن يقرأه المخربون في البلاد ويجعلونه دستورا لهم لتفجير أعمال تدمير وتخريب في كل مكان، ثم يكونون هم أول من يطالب بتشكيل لجان تقصي حقائق تبرر أفعالهم دون أن تدري، ودون أن تدري أنها لا تدري!
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها