الخميس 08 أغسطس 2019 06:26 مساءً
إنما يؤلمني جرح الوطن
واقف بينهم دون ثبات رغم إسناد جسده بساقين خشبيتين تتكئ عليهما إبطاه المتعرقة؛ الحرج لمنظره الرث المتسخ يجعل جسده ينزف عرقا رغم وجود المكيف .
واقف بينهم بأربع سيقان وخيبة كبيرة .
جريح لكن جراح كبريائه أشد وجعا أمام ربطات العنق الملونة والقمصان المكوية التي تتقاذف عرجه من مكتب إلى آخر في مبنى القنصلية .
يتقلص جسده أمام الفتيات الأنيقات اللاتي يصدف مرورهن من حوله كأضواء كاشفة؛ لتخترق نظراتهن جسده المرتعش ككائن لا مرئي ..
كيف يمكن أن تستقر نظراتهن على مخلوق بائس مثله .
الثوب الذي يرتديه قد حال لونه؛ وارتسمت عليه بقع كأنها ابتسامات ساخرة؛ تبرز منه قدمه المصابة كرأس حيوان متعفن؛ جسده اللدن الذي نسي متى آخر مرة اغتسل فيها منذ إصابته .
لم تكن ملامحه المرهقة ونظراته المعذبة في سحنته السمراء سوى مكمل لإطار صورة للشقاء.
اغمضت عيني عن النظر إليه بألم ..
كلنا جرحى ..وجراح الروح لا تشكى .
هذه الحياة التي نعيشها ونتصارع فيها ليست سوى الظاهر من وجودنا المغروز في الحياة .
ما خفي من تداعيات حياتنا ومشاعرنا المدفونة في أعماقنا أكبر بكثير مما يظهر ..
إنه يجعلنا أكثر ثباتا كالجبال أمام أعاصير الحياة .
يكسرنا الاهمال ممن نتوقع منهم الرعاية في أوقات الشدة والتعب؛ لكنه انكسار للشعور فقط؛ نستقيم بعده أكثر صلابة وعناد .
جراحه مضاعفة فقد ضحى بروحه المهمشة وجسده المتآكل من أجل أن يبقى هؤلاء على مكاتبهم تتدلى ربطات أعناقهم كذيول الكلاب من رقابهم .
أليس موجعا أن يقيّم روحك المهشمة هؤلاء الزائفون الذين لا يعرفون قيمة هذه الروح ؟!!
يرونك ضئيلا في انتفاخ زيفهم؛ يتجاوزونك أنت الذي تشبثت بالخيط الذي يفصل الحياة عن الموت .
ثم يأتي عليك يوما تقف على أبوابهم تتسول تلك الحياة التي استمدوها من تضحيتك .
وتخشى كثيرا أن تسقط من عيونهم لأنك ظهرت بكامل عريك من الزيف وبحقيقتك المرة؛
لتفقأ أعينهم التي لا تخجل حين تقيّم سقوطك أو ارتفاعك وهم الساقطون .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها