عطر امرأة !
وقف "آل باتشنو" أمام أستاذة جامعية في فناء مدرسة "بيرد" متأبطًا ذراع مساعده "تشارلي" قائلًا : أليس هذا عِطر "فلور دوروكاي" ، وأضاف : إنه زهور من الجدول !، تسمّرت الأستاذة التي كانت مسؤولة عن لجنة تأديبية لمراجعة تصرفات مساعده ، وعلت وجهها تلك الدهشة التي تصيبنا حين يكتشف امرئ ما نوع رائحتنا ، وإسم العِطر الذي نعشقه .
مضى الرجل الأعمى الذي أدى أعظم أدواره التاريخية في فيلم "عِطر إمرأه" قائلًا لمساعده الوسيم : لا تقل لي عنها شيئًا ، وبدأ في وصفها بدِقة رجل يرى كل شيء ! ، إنها مهارة "آل باتشنو" التي قلّ نظيرها في السينما العالمية ، مِثل هذا الرجل المبهر لا يتكرر مرتين في زمن واحد إطلاقًا .
رائحة اليمن هي الأخرى بحاجة إلى رجل مُبصر . العين تكشف الألوان والوجوه، لكنها ليست كافية لإختبار نوع الرائحة وأسمها . تلك الأصناف التي تنبعث من أجساد النساء تحتاج إلى روح حساسة قادرة على معرفة العِطر الذي تنتجه اليمن ، إنه الدم . هل شممت رائحة الدم ؟
أذهب إلى اليمن لتعرف كيف تعثرت بلادي بقوم من أصحاب العِرق المقدس لتكتشف أن مواطنيها غرقوا جميعًا في نهاية هي الأخرى لم تعد تشكل فارقًا في حياة الملايين المحاصرين ببؤس العِرق وطعنة المجاعة وشرود الإثم السُلالي القبيح.
أنا محاصر أيضًا بفيلم "عِطر إمرأة" منذ عرضه الأول ، مازلت أشاهده كبداية تعلقي بالسينما ، مبهورًا به ، يأسرني الحزن في عينيّ الرجل الضرير حتى يغمرني البكاء ، وتأخذني الابتسامة في رقصة ال "تانغو" مع تلك الشابة المذهلة في بهو فندق "والدورف أستوريا" ، ويُشعرني بالتحدي الذي إختفى من أرواحنا وهو يقود سيارة فيراري حمراء حديثة الصنع .
كان "فرانك" أو "آل باتشنو" بحاجة إلى روح جديدة يتشبث بها ليعود عن فكرة الإنتحار ، كان بحاجة إلى يوم أخير وحقيقي لا يهمه بعد ذلك شيء آخر .
سيطلق رصاصة على رأسه وينتهي ألمه ، رفض العقيد المتقاعد في الجيش الأميركي تسليم سلاحه الذي كان يصوبه إلى رأسه صائحًا "أنا في الظلام !" ، عيناه المتسمرتين في الفراغ مشهد مذهل لا يقدر على إجادته أحد ، كل شيء كان حقيقيًا ، وكنتُ أنا "تشارلي" .
إلا أني رأيت ضباط الجيش اليمني يُسلّمون أسلحتهم إلى الحوثيين ويفرون هاربين من حمايتنا .
كنت أنا "تشارلي" حقًا ، ذهبت إلى السجن لأني لم أجد رجلًا مثل "آل باتشنو" ، رجلًا مُبصرًا ، قادرًا على معرفة تفاصيل بلادي من رائحتها وأنواع رجالها ومعادنهم ، حين انتفض في وجه مدير مدرسة "بيرد" الذي حاول الاحتيال على القيم ، ألهم الطلاب معنى أن يكون المرء مُحترمًا ، وأن تلك القيمة هي الشيء الأسمى الذي يجب حمايته والاحتفاظ به .
ما أسعى إليه دومًا أن اكون مصدر فخر لعائلتي ومدرستي ومدينتي وبلادي ، أنا واحد من كثير مزقتهم الحرب وأبعدتهم عن كل شيء جميل إرتبطوا به ، أريد أن أقود سيارتي لمرة أخرى في مدينتي كما كنت أفعل دون أن أصطدم بوجه "حوثي" ملعون يُحقق معي عن سبب رفضي لقداسة سيده السفاح . عِشت أجمل سنين عُمري في الكتابة والحب ، هناك على قارعة حيّنا المُطل على شارع لا يهدأ من أبواق السيارات وحوادث الليل ،أترصد أفلام السينما كما يترصد صديقي فتيات الشارع ، يحاول تأدية دور "آل باتشنو" بعقل مراهق في الثانوية ، فيظهر كسيحًا بلا قدمين .
لقد انقذ "آل باتشنو" حياة مساعده الفقير من الموت المعنوي ، أنقذه من الفصل مُستخدمًا أفضل الخُطب النارية في تاريخ العلاقات العامة لإدانة مجتمع من الملوثين المتأنقين ، تلك اللحظة أعادته إلى الحياة ، لقد وجد سببًا جوهريًا ليستمر في تحدي العمى الذي كمن له في نهايات عُمره البطولية ، كانت الكلمات وحدها قادرة على إعادة تنصيب القيم الحقيقية وهزيمة الانحراف القيمي الذي تصنع به ذلك المدير السيء .
معركة طالب واحد كانت بالنسبة ل "آل باتشنو" الحرب الأخيرة التي لا يُمكن أن يُهزم فيها ، أطلق رصاصاته "كلماته" في مواجهة ملحمية ما تزال مصدر إلهام لكل متابعي وعُشاق الأدب العالمي ، وخرج منتصرًا ، مغمورًا بتصفيق طلاب المدرسة ، وفي طريقه إلى المنزل ، لاحقته الأستاذة الجامعية ليحكي لها عن أسم عِطرها . ثم يتركها مشدوهة ، وعلى وجهها ابتسامة امرأة أخرى .
القادة الحقيقيون هم أولئك الذين تأسرهم الروائح الجميلة ويحفظون أسماء العطور ، أولئك المثقفون القادرون على حماية روح واحدة من الهزيمة والبتر ، أولئك الذين يمنحوننا النزاهة والشجاعة بما يكفي لإنقاذ إنسان آخر من الموت .. هل أنت منهم ؟
وقف "آل باتشنو" أمام أستاذة جامعية في فناء مدرسة "بيرد" متأبطًا ذراع مساعده "تشارلي" قائلًا : أليس هذا عِطر "فلور دوروكاي" ، وأضاف : إنه زهور من الجدول !، تسمّرت الأستاذة التي كانت مسؤولة عن لجنة تأديبية لمراجعة تصرفات مساعده ، وعلت وجهها تلك الدهشة التي تصيبنا حين يكتشف امرئ ما نوع رائحتنا ، وإسم العِطر الذي نعشقه .
مضى الرجل الأعمى الذي أدى أعظم أدواره التاريخية في فيلم "عِطر إمرأه" قائلًا لمساعده الوسيم : لا تقل لي عنها شيئًا ، وبدأ في وصفها بدِقة رجل يرى كل شيء ! ، إنها مهارة "آل باتشنو" التي قلّ نظيرها في السينما العالمية ، مِثل هذا الرجل المبهر لا يتكرر مرتين في زمن واحد إطلاقًا .
رائحة اليمن هي الأخرى بحاجة إلى رجل مُبصر . العين تكشف الألوان والوجوه، لكنها ليست كافية لإختبار نوع الرائحة وأسمها . تلك الأصناف التي تنبعث من أجساد النساء تحتاج إلى روح حساسة قادرة على معرفة العِطر الذي تنتجه اليمن ، إنه الدم . هل شممت رائحة الدم ؟
أذهب إلى اليمن لتعرف كيف تعثرت بلادي بقوم من أصحاب العِرق المقدس لتكتشف أن مواطنيها غرقوا جميعًا في نهاية هي الأخرى لم تعد تشكل فارقًا في حياة الملايين المحاصرين ببؤس العِرق وطعنة المجاعة وشرود الإثم السُلالي القبيح.
أنا محاصر أيضًا بفيلم "عِطر إمرأة" منذ عرضه الأول ، مازلت أشاهده كبداية تعلقي بالسينما ، مبهورًا به ، يأسرني الحزن في عينيّ الرجل الضرير حتى يغمرني البكاء ، وتأخذني الابتسامة في رقصة ال "تانغو" مع تلك الشابة المذهلة في بهو فندق "والدورف أستوريا" ، ويُشعرني بالتحدي الذي إختفى من أرواحنا وهو يقود سيارة فيراري حمراء حديثة الصنع .
كان "فرانك" أو "آل باتشنو" بحاجة إلى روح جديدة يتشبث بها ليعود عن فكرة الإنتحار ، كان بحاجة إلى يوم أخير وحقيقي لا يهمه بعد ذلك شيء آخر .
سيطلق رصاصة على رأسه وينتهي ألمه ، رفض العقيد المتقاعد في الجيش الأميركي تسليم سلاحه الذي كان يصوبه إلى رأسه صائحًا "أنا في الظلام !" ، عيناه المتسمرتين في الفراغ مشهد مذهل لا يقدر على إجادته أحد ، كل شيء كان حقيقيًا ، وكنتُ أنا "تشارلي" .
إلا أني رأيت ضباط الجيش اليمني يُسلّمون أسلحتهم إلى الحوثيين ويفرون هاربين من حمايتنا .
كنت أنا "تشارلي" حقًا ، ذهبت إلى السجن لأني لم أجد رجلًا مثل "آل باتشنو" ، رجلًا مُبصرًا ، قادرًا على معرفة تفاصيل بلادي من رائحتها وأنواع رجالها ومعادنهم ، حين انتفض في وجه مدير مدرسة "بيرد" الذي حاول الاحتيال على القيم ، ألهم الطلاب معنى أن يكون المرء مُحترمًا ، وأن تلك القيمة هي الشيء الأسمى الذي يجب حمايته والاحتفاظ به .
ما أسعى إليه دومًا أن اكون مصدر فخر لعائلتي ومدرستي ومدينتي وبلادي ، أنا واحد من كثير مزقتهم الحرب وأبعدتهم عن كل شيء جميل إرتبطوا به ، أريد أن أقود سيارتي لمرة أخرى في مدينتي كما كنت أفعل دون أن أصطدم بوجه "حوثي" ملعون يُحقق معي عن سبب رفضي لقداسة سيده السفاح . عِشت أجمل سنين عُمري في الكتابة والحب ، هناك على قارعة حيّنا المُطل على شارع لا يهدأ من أبواق السيارات وحوادث الليل ،أترصد أفلام السينما كما يترصد صديقي فتيات الشارع ، يحاول تأدية دور "آل باتشنو" بعقل مراهق في الثانوية ، فيظهر كسيحًا بلا قدمين .
لقد انقذ "آل باتشنو" حياة مساعده الفقير من الموت المعنوي ، أنقذه من الفصل مُستخدمًا أفضل الخُطب النارية في تاريخ العلاقات العامة لإدانة مجتمع من الملوثين المتأنقين ، تلك اللحظة أعادته إلى الحياة ، لقد وجد سببًا جوهريًا ليستمر في تحدي العمى الذي كمن له في نهايات عُمره البطولية ، كانت الكلمات وحدها قادرة على إعادة تنصيب القيم الحقيقية وهزيمة الانحراف القيمي الذي تصنع به ذلك المدير السيء .
معركة طالب واحد كانت بالنسبة ل "آل باتشنو" الحرب الأخيرة التي لا يُمكن أن يُهزم فيها ، أطلق رصاصاته "كلماته" في مواجهة ملحمية ما تزال مصدر إلهام لكل متابعي وعُشاق الأدب العالمي ، وخرج منتصرًا ، مغمورًا بتصفيق طلاب المدرسة ، وفي طريقه إلى المنزل ، لاحقته الأستاذة الجامعية ليحكي لها عن أسم عِطرها . ثم يتركها مشدوهة ، وعلى وجهها ابتسامة امرأة أخرى .
القادة الحقيقيون هم أولئك الذين تأسرهم الروائح الجميلة ويحفظون أسماء العطور ، أولئك المثقفون القادرون على حماية روح واحدة من الهزيمة والبتر ، أولئك الذين يمنحوننا النزاهة والشجاعة بما يكفي لإنقاذ إنسان آخر من الموت .. هل أنت منهم ؟
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها