إلى أحبابي من شباب الحراك: جمل يعصر وآخر يأكل العصار
مثل جمل المعصرة الصبور يلف ويدور ويتعب وينصب في متوالية ومدار ثابت، يهيم مغمى العينين يحسب حاله قد بلغ عمق الصحراء وجاوز المسافة.
لا يدرك أنه يكرر السير في بضعة أمتار ولا يبارح مكانه .. نفس الطريق .. نفس الخطوات.
يا الله كم هو مؤلم حال هؤلاء الشباب ، قلبي والله يتفطر لحالهم ،أقسم بمن رفع السماء وبسط الأرض أنني اكتب هذه الكلمات وأنا استشعر عذاباتهم وتضحياتهم وجهودهم المضنية.
استشعر العاطلين عن العمل في وطن أفسده الساسة والتهمت خيراته حيتان الفساد، أحس بعذابات الفقراء والمعدمين من فقدوا ارتباطهم بوطن زاخر بالخيرات لكنه لم يمنحهم غير البؤس والحرمان.
أشعر حتى بهؤلاء الذين انحرفوا في التعبير عن ضيقهم بحالهم بوسائل عنف كنقمه على كل شيء تخلى عنهم ولم يوفر لهم العيش الكريم.
أنا هنا لا أشمت والله ولكن شر البلية ما يضحك، فلكم يستفزني هؤلاء الذين يتصارعون على لاشيء وأقصد قيادات الحراك الذي يستغلون هذا الجمهور العريض من أبناء الجنوب ويكررون كل مرة خلافاتهم وصراعاتهم ولم يتوبوا.
هل يعي هؤلاء البالونات أن لهم شبابا وجمهورا في الساحات عليهم أن يرتقوا إلى مستوى تضحياتهم ومعاناتهم؟! ، إذن لماذا يختلفون؟! لماذا يتصارعون ؟! لماذا لا يتفقون طالما الشارع موحد والمعاناة واحدة وجميعهم متفوق على هدف واحد،
والنتيجة أن هناك الآلاف من الشباب يعصرون النضال، ويعصرون معه دمعهم وعرقهم وجهدهم ووقتهم وعمرهم ، خمس سنوات وهم في الشارع يهتفون للقضية ويحلمون بالانتصار، بينما تقف الجمال مستريحة في (أبهات) الزعامة تأكل (العصار) ،جهد ونصب الشباب الثوار، وياليت هذه الجمال بل النوق تجملت، وخففت فاتورة التضحيات التي يقدمها المساكين من الشباب ، بل يفرحون ويهللون بسقوط الضحايا ، كي يفتحوا مخيمات التضامن ومراسيم التشييع التي تدر عليهم خيرات إضافية.
وبالمناسبة، كنت استمع لأحد الشباب المتحمسين في فعالية للحراك وهو يهتف بحماس : (نشتي نٌقتل نشتي نموت .... ) فرددت عليه : لماذا تصر على الموت يا عزيزي ، ألم تسمع إلى الفنانة الثائرة جوليا بطرس وهي تغني : بنرفض نحنا نموت قولوا له راح نبقى).
يرى كثير من شباب الحراك أنني أهاجمهم، يعتقدون أنني أعمل بقصد إيذائهم وأن كل ما يصدر عني عبارة عن عمل ممنهج للنيل منهم، هكذا وصلتني الكثير من الرسائل والنقاشات والردود والتعليقات.
لا أدري هل هناك مساحة لإزالة هذا الفهم المغلوط، لأدافع عن نفسي أو أنفي هذا الفهم المغلوط عني جملة وتفصيلا.
أنا هنا أخاطب من يبحثون عن الحقيقة وربما وجهوا احتجاجاتهم ضدي باحثين عن إجابة، أخاطب من يريدون أن يسمعوا مني ، ولست معنيا بأصحاب القناعات المسبقة ممن حسموا أمرهم ووضعوني في قائمة محددة.
قلتها مرارا أنني مع الناس، ومع أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، أنا ضد أن تلغي إرادة الناس وإذا قرر الجنوبيون الذهاب إلى ماهو أبعد من فك الارتباط أو الاستقلال فإني أحترم هذه القناعة والنتيجة، لا إكراه في أمر الدين وبالتالي فلا إكراه في أمور الدنيا.
الوحدة في إطار الجمهورية اليمنية ليست دينا ولا نصا نزل به جبريل من السماء، ومثله الذهاب إلى ماقبل عام 90م ليس عودة إجبارية جاءت بها نبوءة جديدة، فلا فرض في كلا الأمرين.
تعالوا نتفق جميعنا كجنوبيين ، بلا إلغاء بلا تهميش بلا شمولية ،على آلية تقودنا إلى المستقبل وتخرجنا من هذه الدوامة التي خسرنا في محرقتها الكثير.
تعالوا لا نكرر الماضي الذي بسبب أخطاءه نحن اليوم هنا نعاني، لماذا لا نركل هذا الركام القديم ووسائله وأدواته وأفكاره بأقدامنا، ونبحث عن أدوات جديدة تتناسب وعصرنا فهي الكفيلة بحملنا خارج طاحونة الصراع.
لازال البيض وعلي ناصر والعطاس وباعوم والطغمة والزمرة والسلاطين والأمراء والمشائخ والضباط والقادة -الهرمين جميعهم- يتصارعون حتى اللحظة، يتعاركون بكل تركة الماضي الكأداء وصراعاته ومتناقضاته ومراحله المضطربة ( بيان ينطح بيان ومكون ينفي الشرعية عن غيره ويمنحها لنفسه) وقادة وهم بلا وطن يتصارعون على الرئاسة والقيادة..
يا هؤلاء.. إنهم يبددون أعمارنا يسرقون كل اللحظات الجميلة من حاضرنا ، هم أنفسهم الذين خسر أبائنا في عهدهم أجمل سنين عمرهم ، وهم يعودون اليوم وقد بلغوا من العمر عتيا ، ليكملوا الدور علينا نحن الأبناء، فماذا نحن فاعلون يا شباب؟!!.