خيارات النظام الإيراني لمواجهة العقوبات الأمريكية
قبل أيام فرضت الولايات المتحدة الأمريكية حزمة من العقوبات على النظام الإيراني والتي تحظر العقوبات أي تعاملات مع إيران بالدولار وتجارة المعادن النفيسة والألمنيوم والصلب والفحم وطائرات الركاب معها، كما تمنع أي واردات لأميركا من المواد الغذائية والسجاد الإيراني .
وتعد هذه الحزمة الأولى من العقوبات إذ ستكون الحزمة القادمة في نوفمبر القادم هي الأشد كونها ستستهدف تصدير النفط الإيراني وهي العقوبات الأشد أثرا على الاقتصاد الإيراني والمتدهور فعلا فكيف سيتعامل النظام الإيراني مع هذه العقوبات ؟
وما هي خيارات النظام الإيراني للحيلولة دون تطبيق هذه العقوبات أو للحيلولة دون آثارها الكارثية على الإقتصاد الإيراني المتدهور من قبل ؟
تساؤلات كثيرة سنحاول في هذا المقال الإجابة عليها .
• الرهان على الاتحاد الأوربي
يراهن النظام الإيراني بشكل كبير على الشراكة التجارية مع الاتحاد الأوربي الذي يسعى لتفادي هذه العقوبات وتجنبها كون إيران في نظرها سوق كبيرة لا تريد أن تخسرها حيث أكد تقرير للمفوضية الأوروبية أن الصادرات الأوروبية لإيران في العام الماضي حققت نمواً كبيرا حيث تجاوز إجمالي قيمة البضائع المستوردة من الاتحاد الأوروبي سبعة مليارات يورو مقارنة بأكثر من خمسة مليارات يورو خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
كما زادت الصادرات الإيرانية إلى الاتحاد الأوروبي لتصل سبعة مليارات ومئتين واثنين وخمسين مليار يورو .
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال بوضوح قبل أشهر : " أوروبا هي السبيل الوحيد للوقوف أمام أي عقوبات أمريكية جديدة خاصة بالاتفاق النووي " وهذا بحسب وكالة الأنباء الفرنسية .
ويسعى الاتحاد الأوربي لسن قوانين وتشريعات تحمي شركاته العاملة في إيران وتلك التي لها علاقات اقتصادية بإيران من العقوبات الأمريكية والحيلولة دون تعرض هذه الشركات للضغوط الأمريكية أو الحصول عل إعفاءات من العقوبات الأمريكية ولكن فرص الحصول على استثناء او اعفاءات من العقوبات ما تزال ضئيلة جدا ويستغل النظام الإيراني وجود خلاف بين الاتحاد الاوربي وامريكا وما يشبه الحرب التجارية بين الحليفين في محاولة لدفع دول الاتحاد الأوربي لمواصلة النشاط التجاري مع إيران لكن دول الاتحاد الاوربي لم تقدم حتى اللحظة ضمانات لمواصلة العمل مع إيران فضلان عن ان قيادة الشركات الأوربية العاملة في إيران سيكون لها القرار الفصل ومن وجهة نظري أرجح أنها لن تغامر بتحمل العقوبات الأمريكية وأن أغلبها سوف تغادر إيران في القريب العاجل .
• الرهان الإيراني على الصين
يراهن النظام الإيراني بشكل كبير على الصين كون الصين بالنظر إلى العلاقات القوية بين الدولتين وتنامي العلاقات التجارية حيث تمثل الصين أكبر مستورد للنفط الإيراني بنحو 650 ألف برميل يوما من طهران أي نحو 7% من إجمالي واردات الصين وبأسعار السوق الراهنة تبلغ قيمة هذه الواردات 15 مليار دولار سنويا .
الصين أبدت رفضا للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران وواصلت شراء النفط الإيراني ، وزارة الخارجية الصينية أكدت في بيان صادر عنها أن علاقات الصين مع إيران في مجال التجارة والطاقة لا تضر بمصالح أي دولة أخرى.
وقالت الوزارة : " يوجد بين الصين وإيران تعاون صريح وشفاف وطبيعي منذ فترة طويلة في مجالات قطاع الأعمال والتجارة والطاقة، وهو منطقي وعادل وقانوني ولا يشكل خرقا للقرارات الدولية ".
الصين تقول هذا قبل تطبيق العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني بأشهر والسؤال هل سيستمر موقفها حتى بعد إعلان الإدارة الأمريكية في نوفمبر القادم تطبيق الحزمة الثاني من العقوبات على ايران ؟!
أم أنها ستتراجع ؟
كما أن الاستثمارات الصينية في إيران وخصوصا في مجال استخراج وانتاج النفط والمعادن ليست بكفاءة وفاعلية شركات انتاج واستخراج النفط الأوربية كما أن عائداتها تحتاج إلى سنوات هذا إضافة إلى أننا إذا افترضنا جدلا أن الصين حافظت على مستوى استيراد النفط الإيراني 650 ألف برميل يوميا فإن بيع إيران لهذه الكمية من النفط لا تكفي لوحدها لإنقاذ الإقتصاد الإيراني المتدهور وهذا أولا وثانيا في حال استمرار العقوبات الأمريكية وتواصلها وتطبيق الإدارة الأمريكية لحزمة عقوبات على الصين لتعاملها مع ايران فهل ستقوى الصين على تحمل هذه العقوبات من أجل استيراد ما يقارب نصف مليون برميل من النفط الإيراني ؟!
• الرهان على روسيا وتركيا
يراهن النظام الإيراني على تعاملاته التجارية مع روسيا التي تعتبر من أبرز حلفاء إيران وخصوصا في ملفات هامة مثل سوريا وبين البلدين تعاون اقتصادي وتقارب في وجهات النظر في المثير من الملفات الإقليمية بالإضافة إلى أن التوتر الدائم في علاقات البلدين مع الولايات المتحدة الأمريكية ضاعف التقارب والتعاون في مجالات عديدة .
روسيا التي رفضت فرض الولايات المتحدة عقوباتها ضد إيران أعتبرت أنها ستزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط وتؤدي إلى انعكاسات سلبية على النظام العالمي.
كما أشارت خارجية روسيا إلى استمرار تعاونها التجاري مع إيران حيث أكد أنها لا تزال متمسكة بخطة العمل المشتركة الشاملة (الخاصة ببرنامج إيران النووي) وستواصل الانطلاق من مبادئ القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ".
لكن هذا الموقف الروسي يظل رهنا بمدى تواصل التعاون والانسجام بين البلدين في الملف السوري حيث تطل مؤشرات خلاف كبيرة بين الجانبين كما أن الخلافات الروسية الأمريكية غالبا ما يتم حلحلتها إذ أنها خلافات مصالح تجد طريقها للحلول ووقوف روسيا إلى جانب إيران هو محاولة للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وابتزازها كونها هي الأخرى تتعرض لعقوبات أمريكية ولديها خلافات معها في ملفات عدة ولكن ماذا لو تم رفع العقوبات الأمريكية على روسيا وتم تسوية ملفات الخلاف العالق بين البلدين وعلى هذا يمكن قياس الموقف التركي فحين فرضت الولايات المتحدة جمارك على صادرات الصلب والألومنيوم التركية إلى أمريكا بنسبة 20% و50% على التوالي وهو ما أدى إلى تراجع الليرة التركية لتفقد 20% من سعرها أمام الدولار وهو الموقف الذي دفع الرئيس التركي أردوغان للوقوف بجوار إيران ولكن ماذا لو تم رفع هذه الجمارك الأمريكية عن المنتجات التركية وتم تسوية المشاكل بين البلدين ؟
وهل سيستمر الموقف التركي المتعاون مع إيران ؟
أما الإمارات والهند فالإمارات كما هو متوقع ستستجيب للعقوبات الأمريكية وتوقف تعاملاتها التجارية مع إيران وكذلك الهند وقد تخفض الهند سقف تعاملاتها مع إيران إلى مستويات كبيرة إن لم تستجب للعقوبات بشكل كامل .
وهنا نجد أن بقاء التعاملات التجارية بين الاتحاد الأوربي وكذلك الدول الكبرى في آسيا وبين إيران رغم العقوبات الأمريكية هو أمر مرهون بمدى قدرة الاتحاد الأوربي على حماية شركاته في إيران من العقوبات الأمريكية وهو أمر غير متحقق حتى الآن كما ان الأمر رهن بمدى ترك الخيار لإدارة هذه الشركات التي تميل لعدم المغامرة بمواصلة التعامل مع النظام الإيراني كما أن بقاء التعاملات التجارية بين الدول الكبرى في آسيا مثل روسيا والصين وتركيا هو مرهون باستمرار خلافات هذه الدول مع الولايات المتحدة وهو أمر ليس ثابتا في كل الأحوال وهنا فإن النظام الإيراني يواجه أخطر أزمة اقتصادية ومأزق تاريخي صعب التجاوز .
بالتأكيد هناك اوراق ضغط أخرى وخيارات عسكرية قد يستخدمها النظام الإيراني للضغط على الولايات المتحدة لابتزازها وللضغط عليها للتراجع عن هذه العقوبات وهناك خيارات داخلية سوف يستخدمها النظام الإيراني لمواجهة انتفاضة شعبية محتملة وهو في سنتطرق إليه في مقالات قادمة .
* باحث متخصص في الشأن الإيراني
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها