عناوين النصر!
عندما داهم المرض الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك فجأة، أراد أن يعهد بأمر الخلافة لأحد أبنائه، لكنهم كانوا ما يزالون دون السن التي تؤهلهم لذلك . فحاول إقناع نفسه أن واحدا منهم لابد أن يكون مناسبا لشغل منصب الخلافة ، فأمرهم أن يلبسوا ثياب الجند و يأتوا إليه، فلبسوها، و لما رآهم استصغرهم جميعا، فطلب منهم أن يذهبوا ويلبسوا ثياب القضاة، فلما رجعوا وجدهم صغارا أيضا، فطلب منهم أن يعودوا ليلبسوا ثياب رجال الدولة، فأظهرتهم أنهم صغار كذلك.
تحسر الخليفة أن أيا من أبنائه لا يمكن أن يكون مؤهلا لتولي الخلافة من بعده ، و أن كل محاولاته و حيله التي توسل بها ليقدم أحد أبنائه بأنه مؤهل و جدير بمنصب الخلافة لم تسعفه .
كان للخليفة مستشار أمين، و رجل دولة قوي - الرجاء بن حيوة - بقي يرقب تصرفات الخليفة، و رغباته التي تحركها أمانيه، فالتفت إلى الخليفة و راح يخاطب فيه ضميره، و يبين له خطورة المسؤولية التي تقع على عاتقه في هذا الظرف الذي يوشك فيه أن يودع الدنيا، و يزين له في أن يرشح القوي الأمين .. ثم أشار إليه بعمر بن عبدالعزيز . و كان أن أخذ الخليفة بهذا الرأي .
هناك استراتيجيات ، و هناك أمة و دولة، و الدول التي تحركها الرغبات و التكتيكات يكون ذلك سلبا على حساب الدول و الشعوب .
يومها كانت الدولة الأموية في عز قوتها ، و لو أن الرغبة التي أبداها و أرادها الخليفة سليمان بن عبدالملك فرض تمريرها في تنصيب أحد صغاره ؛ لعجل بسقوط الدولة ، و هو الأمر الذي أدرك الدولة فيما بعد على يد الخلفاء المتأخرين في الدولة الأموية ، و ذلك حين تقدمت الرغبة و العاطفة على المسؤولية و العقل .
الوصول إلى الهدف ، أو المحافظة على مكاسب، أو العمل لتحقيق نصر ؛ أكبر من أن تربط هذه الاستراتيجيات برغبات و عواطف، أو بجهات أو أفراد .
إن عقلية ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) عقلية أنانية و سلبية ، فهي تعترف بعظمة الهدف ؛ و لكنها تريد لهذا الهدف أن يتحقق على يد جهة بذاتها أو أفراد بعينهم .
عناوين النصر، و تحقيق الأهداف مرتبطة بإرادة تصنعها الأرقام الصحيحة في الميدان ، في إطار المجتمعات و الشعوب، و لا تصنعها أرقام مصطنعة ، أو محاولات النفخ في الأصفار بمظنة تحويلها إلى أرقام صحيحة ، فليس وراء ذلك أي نفع أو فائدة غير مضاعفة الكلفة ، وتبديد الجهود، و إهدار الوقت.
هذا الأمر أدركه سليمان بن عبدالملك فغلب الانحياز إلى الهدف ومصلحة الأمة ، متنازلا عن عاطفته و رغباته.
عندما قدم القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري السابق استقالته كرئيس للمجلس و رفضت يومها الاستقالة بحجة أنه مايزال الرجل الذي تجمع عليه كل الأطراف، و ليس هناك من شخصية مهيئة للمنصب ! فكان رد القاضي الإرياني رحمه الله ردا مسؤولا، حيث قال : عيب أن يقال أن شعبا من عشرين مليونا لا يوجد فيه رجل جدير بالقيادة .
النصر عنوان، و الإرادة عنوان، و المقاومة عنوان ، والأرقام الصحيحة عنوان و الاستعصاء عنوان، و الإصرار على تحقيق الأهداف عنوان، و كلها عناوين لا تصنعها سيناريوهات مسرحية، و لا أبطال يتم تصنيعهم كالوجبات السريعة، و إنما يصنع النجاح إرادة مجتمعية ، و عمق شعبي ومواقف تمضي صامدة، و شعب يستعصي على الانكسار !
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها