الدولة الحديثة تعلم أبناءها الحرية
الكل ينشد الدولة المدنية الحديثة والكل يعلق آماله وطموحاته في بناء تلك الدولة بمختلف الرؤى والأساليب حسب اختلاف الطامحين لذلك ومشاربهم التي قد تتلاقى وقد تفترق وقد تتضاد وتتعاكس .
هناك شيء واحد اساسي إذا لم تكفله الدولة الحديثة لن تقوم لها قائمة سواء كانت دولة بمنظور الاسلاميين أو الليبراليين أو غيرهم وهو " الحرية " ، فالحرية مبدأ أصيل يبدأ من شعور المواطن أنه حر وغير مستعبد وشعور الحاكم أنه حر وغير مسير وشعوره أن شعبه حر حتى لا يستعبدهم .
وعلى الدولة الحديثة أن تعلم مواطنيها كيف يكونوا أحرارا بمعنى الكلمة ، وكيف يعبرون عن مطالبهم وكيف ينتزعون حقوقهم بأصول شرعية وعرفية لأنهم لو لم يفهموا الحرية الحقيقية لن يتمكنوا من تقويم حكامهم إذا مالوا أو انحرفوا وسيسلكون طرقا أكثر ضلالا أثناء مطالبتهم بحقوقهم تعود بعواقب وخيمة على الحاكم وعلى الدولة وعلى المواطن (( مثل الذي يحرق بيته ليتخلص من الفئران )) ، في حين لو أرشدهم إلى أصل الحرية لوصل معهم إلى بر الأمان فالمعارضة لها أصولها والنقد له أصوله والتغيير كذلك .
أما الهمجية واتباع "اللاءات " دون معرفة متى يقول الفرد " نعم " فإنها لا تمت إلى الدولة المدنية الحديثة بصلة ، سوا كانت بطابع إسلامي أو ليبرالي أو بمفهوم آخر .
لقد كان حكام العرب يخشون أن تتغنى شعوبهم بالحرية لأنهم يعرفون أنفسهم ظالمون . والآن على الحكام الذين أتت بهم ثورات الربيع العربي والذين ما زالوا جاثمين على صدور شعوبهم أن يتعلموا الدرس ولا يكبتوا شعوبهم لأن الضغط يولد الانفجار ولن يكون انفجارا عاديا في حين كان المضغوط هو الشعب .
واللوم لا يقع كله على الحاكم بل أيضا على النخب السياسية والمثقفة التي في كثير من الاحيان تنظر إلى عامة الشعب كأنهم قطيع من الخرفان يأتون بهم متى شاءوا ويسكتونهم متى شاءوا ، يحركونهم بالمال أو بالرز والسكر ، وربما نظروا إلى شباب الجيل على أنهم همج وأصفار على الشمال وأنهم يستعبدون بقليل من المال مع شريط ترامادول ونجاح مؤزر في نهاية العام الدراسي دون أن يقرأ الطالب من المنهج حرفا .
على كل هؤلاء أن يعيدوا النظر في فكرهم المدمر وينظروا للمواطن أنه نواة للاستخلاف في الارض وأن الشباب هم أمل الأمة في استعادة عزها . فالأمة لا تقوم بالنخب بل بالشعوب المؤمنة وأما دور النخب توجيه وتبصير وليس سيادة وسيطرة .