أخلاق الفرسان..!
تسليم المؤتمر الشعبي العام أكبر أحزاب البلاد إلى الحركة الحوثية الإرهابية كارثة، من لا يدركون عواقب الأمور لا يقرأون الواقع بدقة، فهذه الطائفة مرضي عنها في أروقة المنظمات الدولية فهي تمثل "النسخة الجيدة من الإسلام" ومنذ اطلاقهم لهذه النسخة المشوهة من الإسلام في 79 عبر الثورة الإسلامية التي قادها الملا الخميني وهم يرقبون نموها وتطورها في المنطقة، وبعد تغلغل إيران في المنطقة وسيطرتها على أربع عواصم عربية تم رفع الحظر والعقوبات عنها، هذا التشجيع لإيران واذرعها في المنطقة لم يأت من فراغ، هذه النسخة تخدم مشاريع الشركات الكبرى التي ترى أن العالم مجرد مكاسب وأرباح بعيدا عن الإنسانية وقيمها العليا.
بيان مجلس الأمن بالأمس جاء مخيبا للآمال كالعادة، ولم يتطرق إلى الأحداث الإرهابية التي جرت في صنعاء، من قتل شريك سياسي واجتثاث قيادات عسكرية وسياسية وحرب شوارع أودت بحياة الكثيرين، وتحويل صنعاء إلى سجن كبير، قام الكثير من الشباب بإغلاق صفحاتهم على الفيسبوك من جراء عمليات التفتيش المباغتة للمنازل والشوارع والهواتف المحمولة، كما تم قمع مظاهرة نسائية بالرصاص والهراوات واعتقالات في صفوف النساء وحدوث إصابات وقتلى، وخلق حالة رعب حقيقية للسكان، كل ذلك لم يتطرق إليه اجتماع مجلس الأمن ولا إحاطة ولد الشيخ، مما ينبئ عن تواطؤ دولي في إزاحة أحد شريكي انقلاب 2014 لصالح الشريك الأقدر على نشر الطائفية وزرعها في اليمن وهذا الجزء من الجزيرة العربية حيث المخزون البشري الأكبر والأفقر على المستوى العربي، مما سيوفر "زنابيل" لغزو الخليج مستقبلا، ولن يكلف ذلك طهران سوى المزيد من الأسلحة والقنوات والبرامج الإعلامية الطائفية والتحريضية، والقاتل والمقتول سيكونون من العرب.
تدارك المؤتمر الشعبي العام من التشظي أو التحول إلى حركة أمل ثانية على غرار حركة أمل في لبنان التي سيطر عليها حزب الله في القرن الماضي، يحتاج إلى الكثير من الجهود، إذا أردنا استعادة العاصمة صنعاء من أيدي الميليشيات التي فقدت الغطاء السياسي بأفعالها الشنيعة التي قامت بها مؤخرا، علينا أن نعلم أن الحوثيين يسعون جاهدين لتشكيل قيادة لحزب المؤتمر لتكون مدجنة تأتمر بأمر "السيد" وتنتهي بنهيه، المؤتمر مثل بقية الأحزاب مخترق من قبل الهاشمية السياسية، وكما روضوا غيره من الأحزاب روضوه، والآن يريدون إكمال المهمة بمصادرته، ومصادرته تعني مصادرة الكتلة الشعبية للحزب خاصة في إقليم أزال، حيث مازالت القبيلة غير حاصلة على حقها في التعليم والتثقيف، ومازالت الهوية اليمنية ممزقة، فهناك من يعتقد أن المذهب الطائفي هو هويته.
علينا جميعا مساعدة المؤتمر، وشباب المؤتمر ناضجين ويعرفون الحقيقة اليوم أكثر من أي يوم مضى، فالأخذ بأيديهم نحو القضية اليمنية الجامعة مع بقية القوى السياسية والمجتمعية هو أقصر الطرق للمضي نحو النصر، كما أن ضياع قاعدة المؤتمر يعني توسع قاعدة الهاشمية السياسية، وهذا التوسع سيخلق مشكلات مستقبلية عندما يأتي الحل السياسي المفروض من المنظمات الدولية والشركات العالمية ستأخذ الهاشمية السياسية نصيبها من الكعكة مرتين مرة باسمها ومرة باسم المؤتمر، وستخلق عراقيل كتلك التي صنعتها في سبعينيات القرن الماضي بعد المصالحة بين الملكيين والجمهوريين التي قادتها المملكة العربية السعودية، وفي النتيجة لم تستطع القوى السياسية من بناء دولة يمنية على أسس قومية أو على أساس الهوية اليمنية، فكانت دولة هشة حتى استطاعت الهاشمية السياسية الانقضاض على الجميع وإعادة الإمامة البشعة.
على عقلاء المؤتمر اليوم تقع مسألة إخراج المؤتمر من المأزق الذي فرضته الظروف التي سبقت الانقلاب وما بعد الانقلاب، لدى المؤتمر الشعبي العام قيادة فعلية فالرئيس هادي هو الأمين العام للمؤتمر والقائد الفعلي للحزب، فليلتفوا حول قيادتهم الشرعية إلى أن يتسنى لهم إعادة ترتيب وضع الحزب في أقرب مؤتمر عام قادم، اليوم إنقاذ المؤتمر يحتاج إلى التنازل عن الأحقاد والتخفف من الماضي، لقد تغير الوضع وصار اليمنيون برمتهم أمام عدو وحيد أوحد، فلنكن جميعا في صف الدولة والشرعية ليس لإنقاذ المؤتمر وحده بل لإنقاذ أنفسنا وشعبنا ودولتنا من الغرق.
نحتاج جميعا إلى التحلي بأخلاق الفرسان في هذه اللحظة التاريخية وإغلاق صفحات الماضي حتى نتفرغ لها لدراسة اخفاقاتنا حتى لا نكررها مستقبلا، فهناك جائحة حوثية مستعدة لقضم الأخضر واليابس، أعلم أني أطلب المستحيل ذاته، لكن طلب المستحيل ليس مستحيلا على الفرسان، الماضي صار في الماضي والتاريخ هو الحكم، لكن هذا التاريخ سيلعننا وستلعننا الأجيال القادمة أن أضعنا الفرصة واستسلمنا لأحقادنا وتركنا أعدائنا يواصلون في التوغل بيننا وتفريق صفنا الوطني، علينا جميعا النظر إلى المستقبل، فلم يأن بعد مراجعة الماضي فنحن في حالة حرب، وأهلنا يقتلون ويشردون يوميا، كانت صنعاء أمنة لكن حركة الإرهاب الحوثية أصرت أن تنزع الأمن عن صنعاء وسكانها كما فعلته في بقية محافظات الجمهورية، ولعن الله كل فرص الصلح والسلام معها، حيث تتفرغ فيها المليشيات لتصفية خصومها بالاغتيالات، وهذا مبدأ "هادوي" عام كما يقول التاريخ وسطرته الجغرافيا الممتدة من ذمار إلى صعدة.
الشهداء الذين ذهبوا إلى جنة الخلد واختاروا طريق الكرامة لا يحتاجون منا التخاذل اليوم أمام غبار التاريخ وسلطة الهاشمية السياسية لإتاحة الفرصة لها لتقتل أهالي هؤلاء الشهداء وتصفية أسرهم، الشهداء استشهدوا لقضية كبرى اسمها اليمن ولم يستشهدوا سعيا وراء الأحقاد، ومن يريد أن يحكم ويجمع الناس حول قضية اليمن لن يستسلم لأحقاده، لا تنازل عن الحقوق والدماء هذا صحيح وما هو أصح لا تنازل عن الوطن لنقائل الفرس والديلم والرس .. وهذا الوطن لن يكون إلا لأهله اليمنيون، ولأجل اليمن وقضيتها الكبرى سنكون صفا واحدا أو سنذهب كلنا ضحايا بلا تاريخ وغيرنا هو من سيسطر التاريخ.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها