هيكلة الحراك!
في 28 يناير الماضي أقدم أنصار الحراك على الاعتداء على الشاب أسامة بكار من أهالي كريتر, في ساحة العروض! وفي 25 فبراير ناشط حراكي يعتدي على أسرة من أبناء المحافظات الشمالية.
حسناً:لا أخطر من الداء حين يستوطن الرأس؛ ذلك أن طبيعة العمليات التي تستهدف استئصاله تعبر في معنى آخر عن مجازفة كبرى ربما تودي بالجسد كله إلى الموت !
يوم طرح المشترك مشروعه للإصلاح السياسي سنة 2005م حدد الرأس كمستوطن للداء الذي تتفرع عنه كل الأدواء القائمة في البلاد ومن يومها وهو يناضل للتخلص منه.. وقد ظفر بذلك أخيراً!
في المحافظات الجنوبية يعاني الحراك الجنوبي من نفس المشكلة، لكن من يستطيع إقناع القيادات الميدانية للحراك أن عليهم قبل كل شيء النضال لاستعادة قضيتهم وتطهير الحراك من العلة الخبيثة التي استوطنت رأسه.
من يستطيع إقناعهم أن البيض لايختلف كثيراً عن صالح، مثلما صادر الأخير الجنوب بادر الأول إلى مصادرة القضية وضربها في عمق نقائها السياسي والأخلاقي.
تحت لواء الحراك تحتشد كل مساوئ السياسة الآن, وبين أحشائه تنمو واحدة من أغرب قصص التاريخ السياسي الحافل بالمرارة والخيبات العظام!.
لايجب أن يستشيط أنصار الحراك نقمة وغضباً من صراحتي، فما تلك سوى الحقيقة الحامضة التي جرى مصادرتها هي الأخرى قسراً بالتزامن مع مصادرة قضيتهم أو خطفها ـ إن جاز التعبير ـ ومن ثم تعميرها مشروعاً انتقامياً جل غايته تحقيق انتصار ذاتي لسماسرة القضية على خصومهم التاريخيين؛ ثم لافرق بعد ذلك بالنسبة لهم، فازت القضية بالذهب أم عادت بقطعة حديد صدئة!
كم يبدو قاسياً أن يتفكك الحامل السياسي للقضية الجنوبية ويتحول إلى مجاميع من الأشقياء يمارسون أنشطة ارتجالية يغلب عليها طابع التشنج والعنف ..كم يبدو قاسياً أن تستحيل القضية ذاتها إلى مشروع انتقام وخصام وتكسير عظام.. خليق بالعالم أن يخذل قضية الجنوب ألف مرة طالما أنصارها هم أنفسهم يصرون على خذلانها وتركها مسرحاً سائغاً لعبث مشاريع وحوش 86م!.
لاشيء يحملني على مهاجمة الحراك سوى أنه يكرر نفس الخطأ التاريخي الذي أفرزته حرب صيف 94 يوم ترك الجنوب مرتعاً لعصابات النهب والفيد ,ومالحق ذلك من إقصاء بشع لكوادره السياسية والعسكرية والمدنية، جسد عمق رغبة نظام صالح في تصفية ركائز الوحدة ومحو الجنوب من الخارطة الوطنية . لقد تجرع الجنوب مرارة العنصرية والإقصاء في عهد النظام السابق ويريد الحراك اليوم أن يسقينا من ذات الكأس المر! دون أن نفهم تماماً دواعي جنوحه اللاهث لاستعدائنا وإلباسنا «كشماليين» كل المعاني الشنيعة للإنسانية المفرغة من إنسانيتها!.
ربما أن القدر قد خص قضية الجنوب بقسط وافر من البؤس والتعاسة ,وواجب القيادات الميدانية للحراك الاقتنـاع بأن ذلك راجع لعلة جنوحهم نحو تسليم زمام أمر قضيتهم إلى من تسببوا في جلب الثبور والويلات التاريخية للجنوب.
قبل أربع سنوات كتبت عن الحراك الجنوبي وامتدحت فيه نشاطه إلى درجة التقديس! ويؤسفني أن أكتب عنه اليوم بوصفه أكثر من مارس العنصرية والكراهية والقتل القائم على الهوية والجغرافيا والانتماء السياسي!.
وعلى الرغم من كل ذلك فلازالت الفرصة متاحة أمام الحراك لطمأنتنا وكسب تعاطفنا مجدداً؛ بيد أن ذلك لن يتحقق دون مراجعة شاملة لأدائه السياسي والميداني وإعادة تنظيم صفوفه بما يفضي إلى التخلص من كافة القتلة والسماسرة الذين استوطنوا رأسه وأصابوه بمختلف أشكال الإعاقات!.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها