" مها مامو " غصة وحرقة وألم !!
خلال ثلاثة ايام فقط ، قدر لي متابعة قصص اخبارية عدة ،جل هذه القصص المأساوية وقعت هنا ، في بلداننا العربية المتشاركة انظمتها جميعاً في اضطهاد واستعباد واحتقار آدمية الأنسان ، وبشكل سافر ووقح وبشع ، ولكأنما العنصرية المقيتة ولدت وترعرعت في هذا المسمى مجازاً " الوطن العربي " .
فحيثما وليت وجهك ، ناحية الاعلام الحر المتحرر من ربقة الممنوعات والمحظورات والخطوط الحمر ؛ فإنك لن تعثر إلَّا على صورتنا البائسة الفاطرة لضمير الانسانية ، وما يزيد الحالة سوءاً ودمامة هي ان هذه الانتهاكات ضحاياها لاهجة بلغة الضاد ، وممن يفترض انهم مواطنون بحكم انتمائهم ل 23 اقطاعية عبودية .
للأسف لا أحد يمكنه التساؤل عن جدوى جامعة عربية أو عن انجازاتها المحرزة على صعيد احترام انسانية الانسان العربي المنتهكة آدميته وكرامته وفي كافة الدول العربية ، ودونما محاولة جادة لوقف تلك الانتهاكات الفظيعة والبشعة ومنذ تاريخ اعلان الجامعة في سبتمبر 1945م .
نعم ، سأكتفي هنا في سرد قصة الفتاة الجميلة " مها مامو " وشقيقيها وعائلتها ، ودونما اضافة او تحوير ، بل والتزم حرفيا ومثلما روت مها مأساتها لقناة " بي بي سي العربية "
فمأساة " مها " أنها قضت 29 عاما من عمرها ،بدون هوية ، بدون وثيقة ولادة ، بدون جواز سفر ، المهم بدون أي وثيقة رسمية تثبت من هي ؟ فبرغم أنها ولدت لوالدين سوريين، اب مسيحي وام مسلمة ، وولادتها كانت في لبنان البلد العربي الشقيق والجار لسوريا ، ومع ذلك وجدت ذاتها بلا هوية سورية او لبنانية .
كيف حدث ذلك وفي بلدين عربيين مترفين بالخطاب العروبي القومي ؟ فبسبب ان القانون السوري لا يعترف بالزواج المختلط ، كما ولبنان البلد العربي قانونه لا يمنح الجنسية لمن يولد على ارضه ؛ وجدت "مها " نفسها بلا وطن ، ولو كان هذا الوطن عبارة عن وثيقة ميلاد أو بطاقة هوية أو جواز سفر .
طبعاً ، لم تستطع الالتحاق بالمدرسة في لبنان نظرا لافتقارها لأوراق اثبات شخصية ، ولولا ظروف الحرب الاهلية حينها في لبنان لما تمكنت الأم من ادخالها مدرسة ارمينية وافقت على استقبالها هي وشقيقها .
كان حلم " مها " ان تكون طبيبة ، الا ان الجامعة الوحيدة التي وافقت على قبولها ليس فيها تخصص الطب ، ما أدى بها مجبرة على دراسة تخصص نظام المعلومات الادارية ، ومن ثم درست الماجستير في ادارة الاعمال .
ومع ما أجترحته الفتاة وعائلتها المنكوبة من معجزة التعليم والبقاء وفي ظروف قاهرة وقاتلة ، كان الاستمرار في لبنان مهمة شبه مستحيلة ، خاصة بعد ان اوصدت الابواب امامها ، وحين انتقلت الى الحياة العملية ، فلم تحصل على رخصة قيادة سيارة ، او دفتر توفير ، او رقم حساب في البنك ، ناهيك انها لم تستطع العمل او الانتقال في وسائل المواصلات او حتى المستشفيات التي رفضت استقبالها هي وشقيقيها .
طرقت ابواب المسؤولين ، فبعثت بقصتها الى رئيس لبنان عبر البريد الالكتروني ، وكذا الى الوزراء والجهات والجمعيات التي يمكنها مساعدتها وعائلتها ، الا انها جهودها تلك ذهبت ادراج الرياح .
وعندما تبدد أملها في لبنان وسوريا ؛ توجهت للبحث عن حل لمشكلتها وافراد اسرتها ، فقامت بإرسال قصتها الى كافة سفارات العالم ، والبلد الوحيد الذي تجاوب مع قصتها هو البرازيل ولأسباب تتعلق بالأزمة السورية وليس لأنها وشقيقيها لا يمتلكون اوراق اثبات شخصية .
وأخيراً أبتسم الحظ لمها وشقيقيها ، إذ تقرر سفر ثلاثتهم الى البرازيل ، البلد الذي يجهلون لغته وثقافته وتقاليده ، ولكم تخيل ماهية الافكار والهواجس والأسئلة التي انتابت الاشقاء الثلاثة قبيل رحلتهم المقررة الى بلاد في امريكا اللاتينية ؟ فما من أحد منا يحتمل مجرد التفكير بالانتقال الى مدينة او محافظة او بلاد لا يعرف اين سيقيم فيها وكيف سيكون حاله هناك ؟؟.
استقبلتهم " إميلين " الفتاة البرازيلية وعائلتها في منزلها ، وبعد عامين وعشرة اشهر على وصولها الى هناك باتت لا تطيق فراق "إميلين " شقيقتها التي لم تنجبها أمها ،ويحسب لها استضافتها وشقيقاها وفي ظرفية قاسية ومريرة .
ومن اصعب ما واجهته " مها " بعد وصولها الى البرازيل هو ايجاد وظيفة عمل ،وكانت محظوظة بوجود مالك مزرعة أسمه " فابيو بنتو ودا كوستا " الذي عملت في مزرعته منذ عام ونصف ، في تصدير الحيوانات الحية الى كل انحاء العالم ، وهي وظيفة رغبت العمل بها .
اول وثيقة حصلت عليها " مها " بكونها لاجئة في البرازيل وهي الوثيقة الاولى التي تعرف باسمها وصورتها ، وبرغم فرحتها العارمة بحملها هوية اثبات شخصية ، إلا ان جذلها لم يخف حزنها العميق على فقدانها لشقيقها الوحيد في حادثة قتل مروعة ، فبقدر ما أعطتها البرازيل وجودا وهوية ، كانت قد اخذت منها شقيقها اعز انسان لديها ، أثر طلقة رصاص عصابة مسلحة ونالت من مهجة شقيقها الذي كل ذنبه انه لم يفهم لغة البلاد او ان بحوزته محفظة نقود أو ساعة يد .
"مها " ارادت ان تصل قصتها المؤلمة الموجعة الى ضمير الانسانية جمعا ، روت قصتها بينما هي وشقيقتها وصديقتها في المطار وفي استقبال والدتها الواصلة الى البرازيل ، ففي مشهد تراجيدي اغريقي احتضنت الأم المكلومة الاتية من وطني الحزن والوجع " سوريا ولبنان " ابنتيها المكلومتين بفقدان وطن وشقيق .
الامم المتحدة نشرت قبل عامين قائمة تضمنت الدول التي يوجد بها نحو عشرة مليون انسان بدون وثيقة هوية حول العالم ،وذكرت دولا تجاوزت العشرة الف انسان دون هوية ، ومن هذه الدول اوردت بعض الدول العربية ، وكان عدد هؤلاء في سوريا 160 الف انسان ، الكويت 93 الف انسان ، السعودية اكثر من 50 الف انسان ، العراق 60 الف انسان ، لبنان اكثر من 10 الف انسان وهكذا دواليك من الارقام المرشحة ان تكون اكثر واكبر من احصائية الامم المتحدة .
حين انتهت قصة " مها " تذكرت قصة الطفلة الاوغندية التي منحت الجنسية الكندية ولمجرد ولادتها في طائرة كانت قد عبرت الاجواء الكندية عام 2009م .
مؤسف للغاية ما يحدث في هذه البلدان التي لم ترتق يوما لمصاف الحضارة الانسانية ولا لرسالات السماء او لأنبياء الله المبشرون بالعدل والسلام والاخاء والمساواة والكرامة الانسانية ، ويزيد وجع الانسان ان كل هذا يحدث في اوطان العرب الحاضنة لتلك الرسالات وتلك النبوءات التي غمرت الانسانية بقيم ومثل ومبادئ واخلاق انسانية عظيمة .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها