الاثنين 04 مارس 2013 05:37 مساءً
سرقة اموال البنوك وأثارها الاقتصادية المدمرة على المجتمع
تناولت عدد من وسائل الإعلام المختلفة الأربعاء الماضي 2فبراير2013م خبر "مهاجمة مجهولين مسلحين لسيارة مكتب بريد في الضالع ونهبت نحو (20) مليون ريال، قد تكون الجريمة الأولى من هذا النوع في محافظة الضالع خلال العام الجاري، إلا أن ارتكابها ينذر بخطر قادم إلى هذه المحافظة 00 للأسف البعض ينظر بأن مردود وانعكاسات هذه الجرائم وأثارها ستعود على الدولة فقط، باعتبار ان المستهدف فيها المصالح ألإيراديه والمالية والبنوك العامة الخاصة ، دون النظر إلى الأبعاد والآثار المستقبلية التي ستترتب على ارتكابها ، وعدم أخراج المجتمع من صمته السلبي المهيمن عليه إزاء ارتكابها فهذه القضية محورية باعتبارها دخيلة على مجتمعنا التي يحرمها ديننا الإسلامي الحنيف حيث ويتفق المسلمين على حرمة دم ومال وعرض المسلم مستندين إلى قول الله تعالى[وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] (البقرة/188) ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كل المسلم على المسلم حرام! دمه، وماله، وعرضه"انطلاقاً من هذه الآية ومثلها كثير، ومن هذا الحديث الشريف ومثله كثير، استقرت الحقيقة الشرعية البديهية بين المسلمين، وهي أن أموالهم- كما دماؤهم وأعراضهم- حرام بينهم، وبناء على ذلك فكل من يستحل أموال المسلمين بالوصف الذي يناسبه هو أنه سارق آثم، والذي يستحل دماءهم فهو قاتل مجرم! والذي يستحل أعراضهم فهو مغتاب أكال للحوم البشرية!ولو باسم الجهاد، وتتطلب هذه الجرائم من الجميع الوقوف أمامها بصدق ومراجعة حساباتنا والاستفادة من الأحداث والدروس والعبر التي مرت بها بلادنا، والتي تُبين وتؤكد الوقائع إن هذه الجرائم لم يعرفها اليمن سواء في الشمال أو الجنوب إلا بعد الإعلان عن دمج فرعي تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية تحت قيادة واحدة، " قاعدة الجهاد في شبة جزيرة العرب " في يناير 2009م حيث شهدت المناطق الجنوبية عقب هذا التاريخ أكبر عمليات السطو المسلح على أموال البنوك في صورة لم تعرفها عدن وابين ولحج من قبل ، ففي 17 أغسطس 2009م ، قامت مجموعة مسلحة بالسطو المسلح على سيارة تابعة للبنك العربي (فرع عدن) في طريق عقبة عدن واستولت على مبلغ (100) مليون ريال يمني ، وفي 31 مارس 2010م قامت مجموعة مسلحة أخرى بالتقطع في طريق زنجبار شقرة بابين وأطلقت النار على الصرافين التابعين لمكتبي التربية والصحة بمديرية لودر واستولت على مبلغ 80 مليون ريال، وكانت هذه الأموال خاصة برواتب معلمي التربية والتعليم وموظفي الصحة بمديرية لودر، وفي 25 سبتمبر 2010م وبأسلوب مماثل أقدمت مجموعة مسلحة أخرى في محافظة لحج بمنطقة صبر مديرية تبن بهاجمة سيارة البريد أثناء نقلها رواتب المتقاعدين إلى مديرية الحوطة، واستولت على مبلغ (200) مليون ريال ، أثناء نقلها بواسطة سيارة تابعة الهيئة العامة للبريد، فإجمالي الأموال المنهوبة في العمليات الثلاث بلغت ما يقارب (اثنين مليون دولار أمريكي)، ولم تعلن أي جهة مسئوليتها عن ارتكابها او التخطيط لها، عداء ما جاء من ربط في تصريحات صادرة من الجهات الأمنية أعلنت فيها القبض على عناصر إرهابية ، نفذت عملية الهجوم المسلح الذي استهدف مبنى الأمن السياسي بالتواهي في 19 يونيو 2010م، وفي ذلك الوقت أعلنت السلطات أن قائد المجموعة يدعى "غوذل..."، وأن المجموعة ذاتها هي التي قامت بالسطو على أموال البنك العربي بعدن وكان هذا بعد يوم من إعلان القاعدة مسئوليتها على عملية الهجوم على مبنى الأمن السياسي بالتواهي، وباستثناء ذلك الربط لا يوجد ما يدين القاعدة في تورطها بالعمليات التي سبقت عملية السيطرة على زنجبار، حيث تعرض البنك المركزي بابين للنهب إثناء الحرب وسرقة أكثر ( 3-4 ) مليار ريال - لا توجد إحصائيات- ونهب البنك الاهلي وبنك التسليف الزراعي بزنجبار بما فيها من أثاث وبالرغم أن الغموض لا زال يكتنف مصير الأموال المنهوبة، إلا إن كثير من الأحداث التي مرت بها عدن وأبين وشبوة وحضرموت تشير إلى تورط القاعدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق جماعات مسلحة تسهل لها عملية ارتكابها بمساعدة أطراف سياسية في ظل لأزمة التي تمر بها اليمن منذ 2011م، وذلك لاعتماد تنظيم القاعدة والتنظيمات المحلية في تمويل أنشطتهما على ما تجنيه من جرائم الاختطاف وسرقة الأموال وغيرها..
إن ارتكاب هذه الجرائم قد خلق بئة مناسبة وأنتج سلوك إجرامي جديد في اليمن كأحد نتائجها المدمرة مجتمعياً واقتصادياً ليستشرى هذا السلوك - ارتكاب الجريمة المنظمة - في اوساط المجتمع، ويطال الصرافين ومؤسسات الصرافة في القطاع الخاص والتجار، حيث تعرض عدد من المصارف ومؤسسات التحويلات المالية الخاصة لجرائم مماثلة تحمل طابع جنائي لجناه لا تربطهم صله بالتنظيمات الإرهابية في محافظة عدن وعدد من المحافظات اليمنية الاخرى ابرزها حادثة السطو التي استهدفت (شركة الصيفي للصرافة الشيخ عثمان) وكان ذلك في 13 سبتمبر 2012م وتم فيها سلب مبلغ (18) مليون ، وأخرى استهدفت التاجر (الزريقي) في تاريخ 27 نوفمبر 2012م، وتم فيها سلب مبلغ (25) مليون ريال، وكذلك في 3 فبراير 2013م تقطعت مجموعة مسلحة لعامل في مؤسسة عدن للصرافة بعدن وقامت بقتله ونهب نحو أربعين مليون ريال، كما شهدت محافظات تعز والحديدة وصنعاء وحضرموت جرائم مماثله.
فالنشاط المصرفي يشكل عصب الحياة الاقتصادية في كل بلدان العالم والبنوك هي التي تدير أموال المودعين، وتعتبر البنوك حلقة وصل بين المودعين والمستثمرين، وبالتالي فان التأثير على الاستثمار والأنشطة التجارية يؤثر على الاقتصاد ككل، وقد أثبتت الآثار السلبية الناتجة عن ارتكاب مثل هذه الجرائم بانها مدمرة على المجتمع وتتسبب في شل الحياة الاقتصادية والتنموية لأفراده، وتعمل على تدمر الموارد البشرية والاقتصادية، وتعيق حركة الأنشطة الاقتصادية والتجارية التي يصل مدى تأثيرها على حياة المواطن العادي والبسيط ، فمحافظة أبين نموذج وشاهد على نتائجها المدمرة، اذا أخذنا بالاعتبار التأثيرات السلبية لهذه الجرائم على حياة المواطن العادي المعيشية واقتصاده الأسري، فما حدث في محافظة أبين من سرقة أموال البنك المركزي ونهب البنك الأهلي بما فيه من ودائع خاصة للمواطنين، وكذا بنك التسليف الزراعي أبين، التي ما زال المواطن يعاني أثارها المدمرة وانعكاساتها على ممارسة أنشطته الحرفية والزراعية اليومية، فالزائر لأبين يخرج باستنتاج عام أن الحياة الاقتصادية في هذه المحافظة قد دمرت بنسبة تصل إلى (80%) وذلك نتيجة للتباطؤ الذي تشهده عملية عودة ممارسة الأنشطة التجارية والصناعية والحرفية والزراعية والافتقار الأسري لكافة الأنشطة المهنية ، والذي يقابله ضعف ملحوظ وانعدام التخطيط الاستراتيجي للسلطات المحلية في إتباع سياسة شفافة وفاعلة للتغلب على الآثار الاقتصادية الناجمة عن الحرب التي شهدتها محافظة أبين في عامي 2011/2013م.
وبالرغم من مرور أكثر من ثمانية أشهر على تطهيرها، إلا إن البنوك والمصارف لم تعاود أنشطتها وكثير من المحلات التجارية ووكالات ومصارف التحويلات المالية لا تزال أبوابها مغلقة لانعدام ثقتها بالوضع وخشيتها من السطو على الأموال، وكل هذا أسهم بشكل كبير في ضياع الآلاف من فرص العمل، مما ضاعف من نسبة البطالة، كما تعرض كثير من التجار لحالة الإفلاس مثلاً لا حصراً الأخ/ عبد الهادي عبدا لغني ، صاحب محلات الجزيرة بزنجبار فقد مزاولة مهنته التجارية بعد أن تعرض محلة التجاري بزنجبار للسطو ونهب محتوياته من قبل مجهولين في عام 2011م، وعدم تعويضه من قبل الجهات المعنية ... حيث كان يشكل محله مصدر دخله الوحيد الذي تعتمد عليه أسرته المكونة من (10) أفراد، وكذلك اضطرار مالك محطة الوحدة للمشتقات النفطية في منطقة شقرة لإغلاقها بسبب شبه انعدام الأنشطة التجارية، وما لحق بمحطته من ضرر لتوقفها عن العمل، مما أدى إلى تلف خزاناتها وأنابيب التوصيل، والاستغناء عن العمال البالغ عددهم (9) عمال. فالأسباب التي أدت الى بروز هذا الوضع لها ارتباط بتعثر أنشطة البنوك المالية، وتعد احد نتائج آثارها السلبية في المحافظة.
فالبنوك تساهم بدور رئيس في تنمية الاقتصاد الوطني والمجتمعات المحلية وانتشار هذه الجرائم يؤدي الى زعزعة ثقة المواطن في الجهاز المصرفي الذي يحتاج إلى مناخ ملائم لكي يعمل لخدمة الاقتصاد الوطني والدفع بالاستثمار، كما تسببت المخاوف لدى القطاع الخاص بتراجع الأنشطة المصرفية والاستثمارية في اليمن وأغلقت بعض البنوك أنشطتها تدريجياً وأبرزها بنك (كريدي أجريكول) كأقدم البنوك الأجنبية العاملة في اليمن بعد أن تراجعت أرباحه وسحب أغلبية مودعيه مدخراتهم فيها، وتكبدها خسائر فادحة منذ مطلع العام 2011م.
لهذا فان جرائم السطو وسرقة أموال البنوك والتجار ومؤسسات الصرافة الخاصة في بلادنا لا ينبغي التهاون معها بل يتطلب من الجميع أفراد ومجتمع مدني وأجهزة حكومية وأمنية وقضائية التصدي لها بحزم وقوة لما لها من تأثير سلبي مباشر على التنمية والحياة الاقتصادية للمجتمع اليمني الذي تتضاعف فيه معضلات التنمية وأثارها السلبية الخطيرة على مختلف الصعد، فقد انكمش النشاط الاقتصادي ليصل الى (11%) وارتفعت نسبة الفقر في اليمن من (42%) من أجمالي سكان 2009م الى (54.5%) عام 2011م، وارتفعت نسبة البطالة في صفوف الشباب بشكل مخيف لتصل إلى (60%). بحسب إحصائيات صادرة عن البنك الدولي باليمن ، كما تشير أيضا الى ان (10) ملايين يمني يفتقرون إلى الأمن الغذائي وأن نحو مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، في الوقت الذي تنطلق فيه تحذيرات الخبراء الاقتصاديين لضرورة إتباع سياسات فاعلة تعيد للنشاط الاقتصادي عافيته ومعالجة العوامل والأسباب التي تعيق التنمية وتحفيز النشاط الاستثماري والاقتصادي في بلادنا.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها