في حضرة الرئيس هادي..!!
بدا الرئيس "هادي" أكثر حيوية وطيبة في لقائي الأخير معه ، كان صادقًا ومتفائلاً أكثر من أي وقت مضى ، قال أن "تعز سوف تتحرر قريبًا" ، أكد ذلك بحسم من يقود المعركة ويعرف كل تفاصيلها ، وقد لمعت عيناه الصغيرتين المخبئتين خلف جفن متهدل يُشعرك أنه نائم . وكانت تلك إحدى نوادر السخرية التي تطوف على مواقع التواصل الاجتماعي ، يقولون أن "الرئيس ينام في اجتماعات القمة العربية" ، وفي كل مكان .. إنها احدى دعايات العدو الذي لا يريد للرئيس أن يظهر يقظًا .
- لقد نمت أكثر من أي شيء ، مثل دب قطبي ، أنام من الفراغ والقراءة ، استلقي على ظهري ، ألهو مع كتب الروايات وأسبر أغوار محيي الدين بن عربي ، واتابع واسيني الأعرج في ذاكرة الماء ، ويأسرني ابراهيم عيسى في رواياته المضمخة بالدم والإرهاب ، ويجعلني يوسف زيدان وعلي عزت بيجوفيتش هائمًا في علاقات الفكر والأدب والتاريخ ، لم أقاتل أحدًا ولم اتحمل مسؤولية أمة تُـصر على الضياع كما يفعل الرئيس هادي في عُمر يهرول مغادرًا السبعين ، وخصومه يهرولون نحو السبعين عُمرًا وميدانًا وعلى رأسهم "علي عبدالله صالح" .
· انتظرت في قاعة فسيحة مبنية على الطراز التركي تنفذ منها ممرات طويلة ومتعددة تصل إحداها إلى قاعة الرئيس التي يستقبل فيها ضيوفه ، وقد طلب رجال الحرس الملكي السعودي ترك أقلامي وهواتفي في سيارتي ، جلست بمعية عدد من رجال ذمار يتقدمهم اللواء الركن محمد المقدشي رئيس هيئة الأركان العامة ، والمحافظ علي القوسي . تركتهم وأخذت يد الفنان الشهير محمد الأضرعي وجلسنا خلف عمود رخامي ضخم ، أنشدنا سويًا بصوت خفيض أغانٍ مختارة لأم كلثوم . كان الرئيس منشغًلا بلقاء المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ الذي ظهر فجأة مصحوبًا بوزير الخارجية عبدالملك المخلافي في طريق مغادرته وصافحنا رغم تمنع حراسه الشخصيين .
..
لحظات واصطف الرجال في مقابلة الرئيس ، دلفنا الممر الطويل وذهبنا يمينًا إلى قاعة فسيحة كان الرئيس في صدرها ينتظرنا مبتسمًا ومصافحًا ، وقف المحافظ القوسي إلى جواره للتعريف بنا ، وقد قال أنه "شافني" ، ولمّا وصل إليه "الأضرعي" ضحك الرئيس وقبّله قائلاً "أنت يا أضرعي تحكي للناس باللغة التي يفهمونها وهذا مهم جدًا في معركتنا الوطنية " ، لقد كتبت مثل هذه العبارات قبل شهر تقريبًا ، هل تعتقدون أن الرئيس يقرأ ما أقوله في صفحتي على فيس بوك ؟ ، شعرت بذلك ، وجلست بتواضع كما كان يفعل "عباس العقاد" في صالونه ! ، وقد دنى مني إحساس الزهو كأي ذماري يعتقد أن الحياه خُلقت لأجله ، وأنه ذلك المُفكر العميق الذي لا غنى للعالم عنه .
المهم أني جلست وقد حطمت رقمًا قياسيًا بابتعادي عن النوم منذ يوم ونصف ، كنت في مطابع الرياض أشرف على طباعة الإصدار الخاص من كتابي الجديد "اليمن بلدي أنا" ، وبدأ الرئيس الحديث ضاحكًا بالعتاب وقال : يا ذمار يا ذمار يا جمهوريين ، ويده اليسرى تُقرب مايكرفون القاعة الصغير إلى جوار فمه لنسمعه جيدًا ، استمر الرئيس في نداءاته لذمار ، وقال "لقد ملئتم محافظتكم بقبور رجالكم الذين دافعوا عن الجمهورية واليوم تملئونها بقبور دفاعكم عن الإماميين" ، كان يُحرك كفيه عجبًا وأنا ساكت أريد أن أنام ، ندت من بعضنا أصوات توضح طبيعة أهلنا الذين يرزحون تحت الاحتلال الحوثي ، فقال الرئيس : أني امزح معكم وأعرف بطولتكم في قتال الحوثيين منذ الحرب الأولى . كان طيبًا يُحدثنا كأب .. شعرت بعاطفته ولم أشاهد عينيه ، ففركت عيني ، وتبسّمت بلا سبب ، كان ثمة صوت في داخلي يصرخ بعُمق : إنهض أيها الدب واسمع الرئيس ، فقد جئت لتسمع وتكتب.
..
قال الرئيس : لقد أنقذت "علي عبدالله صالح" ؟! ، اتصل بي نائب الرئيس الأميركي لشؤون الإرهاب يستفسر عما حدث في النهدين ، فقلت له أن "صالح" لم يمت في ذلك التفجير وأن الأمور تحت السيطرة ، وبعد لحظات جاءني صوت الرئيس أوباما الذي قال أن يده ممدودة لليمن ، وأنه سوف يُرسل عدد من الطائرات لإجلاء الرعايا الأميركيين إلى جيبوتي ، فقلت له لمن ستتركون اليمن ؟، إيران تنتظر ذلك وتسعى إلى إثارة الفوضى في البلاد ، وأرجو أن تبعثوا عدد من لجان التحقيق ، فأجابه أوباما أنه سيناقش الأمر معه بعد ساعات وخلال ذلك سيتصل به الملك عبدالله بن عبدالعزيز ، وجاء اتصال الملك السعودي الذي أكد أنه وجّه بتلبية طلبه بتوفير عناية طبية عاجلة للشهيد الراحل عبدالعزيز عبدالغني ويحيى الراعي ورشاد العليمي ، وقد اعتقد الملك أن "صالح" قُضي في التفجير لأن "هادي" لم يطلب له أي معونة طبية ، وقال "أنت خير خلف لخير سلف" ، لكن الرئيس عاجله بالقول : أن صالح في حالة طبية مستقرة وأنه يحتاج لإرسال أطباء متخصصين في الحروق ، ودعم اليمن بثلاثة مليون برميل نفط بصورة سريعة ، فكان ذلك .
قال الرئيس : أن الطبيب الذي بعثه الملك السعودي الراحل جاء إليه في العرضي مستغربًا إصرار أنجال صالح منع والدهم من السفر ، محذرًا من أن الرجل سيصاب بعد أربع وعشرين ساعة بالصمم ثم العمى ثم الموت بسكتة دماغية . فقال له : اكتب ذلك في ورقة ، فكتبها وذهب بها إليه فصاح في انجاله أنه قد قرر السفر ، وعليهم أن يعينوا نائبه على ما سيحدث .
..
قال الرئيس أن علي عبدالله صالح يُرسل أعدادًا كبيرة من الطلبة الصغار إلى قُم في إيران ليتعلموا مناهجهم بتنسيق واضح مع الحوثيين ، وخلال فترة توليه الرئاسة بالإنابة في مرض صالح ، استدعى ثلاثة من الفتية الذين عادوا من هناك ، وقال لهم : ماذا يعلمونكم في إيران ؟ فأجابه أحدهم بصراحة صادمة : لو أمرني عبدالملك الحوثي في قتل أمي لفعلت ! ، قال الرئيس كُنت أحذّر علي عبدالله صالح من ذلك وتداعيات ما يفعله وأن تلك ألغام مخيفة ستمزق اليمن ، ومن يبعثهم بتنسيق مع إيران سيعودون لتفجير البلاد . مط الرئيس شفتيه قائلاً "الغريب في الأمر أن صالح كان مطمئنًا من كل شيء وكأن الأفاعي لن تلدغه !"
..
قال الرئيس أن صندوق النقد الدولي كان مؤيدًا نقل البنك المركزي اليمني إلى مسقط ، أو عمّان في الأردن فلم يعد مقبولاً إستمرار عبث المتمردين به ، وأن تلك الإتفاقات كانت تدار من خلف ظهورنا ، فجمع هادي رجاله وأصدر قرارًا بنقل البنك المركزي إلى عدن ، وأشرف بنفسه على اقناع الأميركيين والبنك الدولي وصناديق النقد الأممية بذلك ، وقام بعملية جريئة في طلب طباعة العملة ودعم مسارها وإنهاء كافة الترتيبات الإدارية والفنية المتعلقة بسيطرتنا الوطنية على البنك المركزي رغم أن لا شيء معنا ، لا شيء حقًا .
قال الرئيس أن إيرادات ميناء الحديدة ستوفر نصف مرتبات الموظفين الحكوميين العاملين في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين ، وقد اتفق مع المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ الذي خرج من مكتبه قبل قليل على نزول لجنة أممية للإشراف على إيرادات الميناء وتحويلها إلى البنك المركزي في الحديدة وتغطية بقية المبالغ المستحقة للموظفين من بنك عدن ، وما يزال ولد الشيخ في مهمة إقناع المتمردين بذلك بدلًا من سرقة الإيرادات إلى جيوبهم .
..
قال الرئيس أننا حررنا الكثير من محافظات بلادنا من لا شيء ، وأننا أسسنا جيشًا وطنيًا من لا شيء ، وأننا أقمنا حكومة من العدم ، فسقوط نظام عمره ستون عامًا أمرًا ليس هينًا ، فكل التفاصيل الصغيرة تحتاج إلى جهود خارقة ، وأننا رغم بُخل الغيث نسير بقوة وعزم وتصميم فلا تراجع عن ثلاثة مرتكزات أساسية أولها الجمهورية وثانيها الوحدة وثالثها الديمقراطية .
..
قال الرئيس أن علي عبدالله صالح كان يريد إجهاض مؤتمر الحوار الوطني برغبة أشد من إيران ، وأن الحوثيين طلبوا منه إحدى عشر نقطة تعجيزية لدخولهم في مؤتمر الحوار ومنها اعتبار قتلاهم شهداء وتعويض ضحاياهم ومزارعهم وإعادة إعمار بيوتهم التي خربها وجرفها نظام صالح فوافق ، وأن ما حدث في الحروب الست كان خطأ من الدولة! ، حينها قال الرئيس : كنت أعرف أنهم المتمردون والمجرمون لكني وافقت كمن يتجرع السم فلا أريد أن أخوض حربًا في رئاستي ، وقد وصلت إلى الحكم منتخبًا لمداواة جراح اليمنيين ، وقد أقنعت الرئيس الفرنسي والأميركي والصيني والروسي بذلك ، وحفزتهم على نقل جلسة مجلس الأمن إلى صنعاء في سابقة تاريخية تعلن دعمهم وولائهم ومساندتهم لليمن في المضي نحو السلام ، وقال الرئيس أنه أراد أن يطوي كل صفحات الصراع في البلاد وأنه لم يكن يقبل أن يمضي أحد في حمل السلاح على أخيه ، كان يعمل كإطفائي لكل الحرائق التي أراد صالح والحوثيين وغيرهم إشعالها في اليمن ، قال الرئيس أنا لم أحارب أحدًا لكنهم اختاروا أن يحاربونني بعد أن اخترت السلام .
..
قال الرئيس أن علي عبدالله صالح بعث بخمسة عشر برلمانيًا إلى إيران يطلبون اقناع الحوثيين بالمضي خلف صالح في اجهاض مبادئ الحوار الوطني وجلساته ونصب الكمائن في طريقه التنويري الضخم ، وأنه استدعى يحيى الراعي وعبدالكريم الإرياني – رحمه الله – وسلطان البركاني وقال لهم : قولوا لعلي عبدالله صالح عيب أن يفعل ذلك ، مؤكدًا أن رغبات صالح الشريرة لن تنفعه في العودة إلى الحكم فما يفعله يعني أن إيران هي التي ستحكم وأنه سيكون أداة في يدها ، فذهبوا إليه وأنكر صالح الأمر ، واستدعى "علي ابو حليقة" – رئيس وفد إيران – وغمز له ثم خاطبه : هل أرسلتكم إلى ايران ؟ ، فرد ابو حليقه : لا لم تفعل ! ، ضحك الدكتور الإرياني وعلّق قائلاً : مفهوم مفهوم ! .
..
تنهد الرئيس .. وسكت ، رفع رأسه وقال بعينين غائبتين لفهما الجفن الحزين : لقد تجاوز عمري السبعين ، هل تعتقدون أني لا أتألم على كل يمني يموت في هذه الحرب ، سيحاسبني الله على كل ذلك ، وهو يعرف أني ما أردت قتال أحد ، وأن اليمني الجائع مسؤوليتي في توفير موارده وإشباعه والعناية به ، لقد أردت أن أطوي الصراع كله ، معركة السلطة والثروة التي جئت اليها بقدر الله وما كنت أحسب ذلك ولا تمنيته ، والبدء في معركة الأمن وخلق الوظائف والتنمية وإذابة جبال الجليد وزحزحة الكراهية عن القلوب السوداء ، وإتاحة الفرصة لكل أبناء الشعب اليمني في حياة كريمة تبدأ أولًا بتصحيح الوضع المالي والاداري للنظام الذي كان يتهاوى من الانقسامات الغائرة في داخله ، فهذه الأقاليم التي نعمل عليها ليست حدودًا جغرافية تمزق اليمن كما يروج الأعداء الذين نهبوا ثرواتكم منذ ستين سنة ولم يوفروا لكم الكهرباء أو الماء أو التعليم أو الصحة أو العناية الإجتماعية ، إنها التوزيع العادل للموارد عبر إدارة أكثر كفاءة ، وخلق تنافس بين الأقاليم على تقديم الأفضل لسكانها ، النظام الاتحادي أفضل نتائج العالم وأعظمها وأنجحها في تقديم الخدمات وتيسيرها للشعوب.
..
قال الرئيس أن معنا في شبوة خمسمائة بئر تكاد تطفح من الغاز الذي سيحقق نقلة نوعية لإيرادات اليمن ودخلها السيادي ، وأن في بلادنا مناجم للذهب والفوسفور والحديد والرخام وفي جبالنا من صعدة إلى المهرة وأرضنا الخصبة العظيمة كل أسباب الخير ، وأن الباحثين عن الفتنة يستغلون حاجات الناس وقسوة الصراع لتجريف كل موارد اليمن وإبقاء الحياة عالقة في حبائلهم الشيطانية ، وإرغام المواطنين على الجري ورائهم لتحقيق منافعهم ورغباتهم وأهوائهم ، وأن فرصتنا اليوم عظيمة بالتخلص من كل الأوثان الزائفة التي جلبت علينا الصراع والأهوال .
..
قال الرئيس أن ذمار كانت مدينة جمهورية ، ويجب أن تبقى جمهورية ، وأنها كرسي الشرعية وعمود الحرية وأساس الوعي والحكمة ، وأن تقارير الجيش الوطني ترصد له بسالة الذماريين في قتال المتمردين بما يُشعره بالفخر والإعتزاز وأنه يتألم على كل الذين انحازوا إلى صفوف العدو وقد اختاروا محاربة الحق والقتال مع الشيطان على السلام والعدالة والحرية ، وقال لنا جميعًا : انتبهوا على أولادكم ، لا تذهبوا بهم إلى مدارس الحوثي وكل المدارس المتطرفة فإنهم سيكونوا وقودًا للجحيم وسببًا للفتنة والخراب . وقال "يكفيني منكم رئيس هيئة الأركان العامة فهو عندي بألف لواء عسكري" ، وقد كان ذلك مصدر اعتزازنا .
..
قال الرئيس كل شيء ، عن اهتمامه بالمغتربين مع الملك السعودي شخصيًا ، وعن معركة تعز التي اقتربت كالسهم وكيفية تحرير الحديدة ، ولم يقل ما سرّبته بعض المواقع الاخبارية المأجورة عن طائرات النقد الممنوعة وما إلى ذلك من الهراء والخيال .. قال الكثير من ظهر ذلك اليوم وفتح قلبه وأجرى لسانه واستمع لتساؤلات وتوضيحات البعض ، وعقّب عليها وناقش حتى وصل أوان العصر .. وقمت في النهاية إليه ، قلت "يافخامة الرئيس يشرفني أن أهدي إليك النسخة الاولى من كتابي الجديد الذي يمثل أول إصدار من الشرعية الحكومية لتوثيق جانبًا من الحرب الوطنية " فقام من جلسته وحمل الكتاب بين كفيه والتقطت معه الصور ، والتفت إليّ قائلاً " أنا أحب الإعلاميين" ، ربت على ظهري بحنان وطيبة فشعرت بأبوته حقًا ، شعرت بدفئه واخلاصه . وقد تحلق حولنا مدير مكتبه الصديق العزيز عبدالله العليمي وسكرتيره ماجد السقاف ورئيس هيئة الأركان العامة ومحافظ ذمار يتبسمون بتؤودة ويغمرونني بعباراتهم الطيبة وثنائهم الجزيل ، وقد جُعل الرئيس ينقل نظره بيني وبينهم ويبارك إصدار الكتاب بعبارات ود حنون ، وصاح مناديًا الممثل الشهير محمد الأضرعي الذي تقدم إليه بعرجته المباركة وقال لي ابتسم ، فنحن في حضرة الرئيس .. فابتسمت.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها