الهروب إلى المستقبل
الفرصة الأخيرة لجميع القوى الموغلة في الماضي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وحتى التائهين في الوسط هي الهروب إلى الأمام، وتناسي الماضي الذي لا يشرّف أحداً؛ لأنه لم يحقق إنجازاً على أرض الواقع.
بعد عامين من الثورة وعام من التغيير نستحق جميعاً أن نلتقط أنفاسنا، وأن نقيم ما أنجزناه، وأن نحتفي بالقليل كمكافأة لجماهيرنا، ولفرض إرادة التغيير على واقع وأذهان من لم تصلهم إلى الآن، ولكي يعلم من في قلبه حنين للتسلط أننا ماضون في طريق اللاعودة عن الثورة والتغيير.
اسمحوا لنا يا قادة الماضي أن نسحبكم من ماضيكم إلى مستقبلنا؛ فاحتفاؤنا بـ11 فبراير، ومع أنه ممزوج بالألم، إلا أنه هو المخرج الوحيد للجميع من اللاشيء إلى المستقبل، أياً كان هذا المستقبل فإنه لنا جميعاً، ولذا حاولوا أن تتنازلوا عن الماضي لأجل المستقبل، ولا يهمنا نحن من سيحكم في المستقبل، بقدر ما يهمنا كيف سيحكم؟.
كثيرة هي دعوات تفكيك المشترك، وقد بدأت الظهور بقوة من قبل بعض منتسبي الأحزاب، كما أنها كانت ومازالت أمنية لتجار الحروب والتوريث وعبيد العباد. وقد تكون المشكلة متمثلة في أن كثيراً من أعضاء أحزاب المشترك عدا الإصلاحيين عضويتهم في أحزابهم شرفية تقتصر على الصراخ، بمعنى أنها عضوية مناصرة فقط وليست عضوية تنظيمية ولقاءات أسبوعية واشتراكات شهرية.. فكيف بمن ليس منتمياً لحزبه أن ينتمي للمشترك؟.
تفكيك المشترك سيكون خسارة كبيرة ولن يقدم عليها سوى من لا يدرك شيئاً في السياسة.. وأنا لا أعتقد أن قيادات المشترك ستقدم على مثل هذه الخطوة، ومن يقدم على ذلك سيسيء لتاريخه وللثورة ولحزبه الذي ستهبط شعبيته إلى الحضيض.
أنا مع بقاء تحالف المشترك لعشرين سنة إلى الأمام على مستوى القيادات المركزية، لكني مع إعفاء الفروع في المحافظات من هذا الالتزام الذي هو ربما غير مقنع لهم، وعلى كل حزب أن يدفع قواعده بنفسه للعمل بالأفكار التي يتفق عليها مع بقية الأحزاب.. اتركوا للفروع حرية الأنشطة والفعاليات، وذلك كي لا تضطر قيادات المشترك كل يوم، والثاني أن تنشغل بحل خلافات الفروع، ودعوها تنشغل بما هو أهم.
رمزية المشترك الثورية مهمة لتحقيق أهداف الثورة وبناء الدولة معاً، وسيكون من المعيب على قيادات المشترك التخلي عن هذه الرمزية التاريخية، والتي ستخلدهم وسيكتب عنهم التاريخ: أنهم قادوا الإنجاز والحلم، خاصة إذا ما استمروا وأوصلوا البلد المنهك إلى المحطة التالية وهي بناء الدولة.
أما إذا أصر أحدهم أو بعضهم على قتل المشترك فإن اللعنة ستحل عليهم بلا استثناء، ونصيحتي لقادة المشترك أن لا يرضخوا لحماس بعض شبابهم المنادين لفعل كل شيء طائش وغير محسوب، فخرافة معبود الجماهير المتحرك بأمرهم وعلى هواهم قد انتهت فعلياً مع الربيع العربي.
يا قيادة المشترك عليكم أن تفهموني جيداً وأن تتفهموا أن قيادة المرحلة أهم من السلطة ومن قيادة الحكومة، وأن بقاءكم كباراً أهم من الغرق في التفاصيل، وكما أحسنتم إدارة الثورة فعليكم حسن إدارة المرحلة، كما أن هروب بعضكم من تحمل مسئوليته التاريخية، ورمي المسئولية على الآخر ليس له أهمية فعلية أو واقعية، فأنتم أمام الناس كل لا يتجزأ فلا تخذلوا جماهيركم.
شطحات بعضكم لن توصله إلى شيء، كما أنكم على المستوى الشخصي يجب أن لا تحصلوا على شيء أبداً، يجب أن يظل تاريخكم على المستوى الشخصي نظيفاً ومكتوباً فيه هذه العبارة: «رحم الله من خدم شعبه وضحى لأجل مستقبل بلده».
ضحوا أكثر وكونوا مثاليين؛ كي يتسنى لمن بعدكم أن يعبر إلى التاريخ عبركم، نعم نحن شعب تنقصه القدوة وتغيب عنه المُثل، ولم يعد الناس يرون إلا كل ما هو سيء، والفرصة مازالت مواتية لكم لتغيروا قناعات هذا الشعب الذي عول عليكم وسلمكم زمام التغيير.
دعوا للناس شيئاً طيباً يتذكرونه بعد 400 عام من الآن، يجب أن يقال: كان في بلدي عظماء استطاعوا أن يقهروا المستحيل، وأن يجمعوا حولهم الناس ويحطموا الصنم ويفتحوا بوابة المستقبل لشعبهم بعد أن أغلقوا بوابة الماضي للأبد.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها