الجنوب وثالوث استعادة الماضي !!
ما حدث يوم الخميس 21فبراير يمكن قراءته على نحو مغاير للرواية الرسمية التوافقية الاصلاحية أو الجنوبية الحراكية ، دعكم من العاطفة الجياشة وللنظر لما وقع بموضوعية متجردة من العصبية والمغالاة والتضليل ، فما وقع يمكن تفسيره على انه نزاع تأخر كثيرا وتأجل وقتا ، نزاع بين اطراف ثلاثة هدفها الرئيس بسط نفوذها على مساحة عدن وأخذ زمام اهلها وقرارها بما يعني للأطراف المتصارعة من قوة ورمزية واهمية سياسية وجغرافية سيكون لها الاثر البالغ على كافة جغرافية الجنوب وعلى مستقبل اناسه ووضعهم السياسي في خارطة التسوية القابلة التي تريدها القوى الجنوبية المختلفة وفقا ووضعها ومكاسبها وادواتها وشروطها .
الصورة المشاهدة الآن تبدو وكأنها كاملة في ملمحها واطارها فيما الحقيقة أنها ليست كذلك إذ تخفي في اعماقها جوهر مشكلة مزمنة صنعتها عقود من الهيمنة والاقصاء والتسلط فلم يكن التوحد ومن ثم كارثة حرب صيف 94م سوى نتيجة وخلاصة مأساوية ومدمرة لما بقي من الدولة الجنوبية وشراكتها ووجوده السياسي والمعنوي والمجتمعي .
لا أعتقد ان المسألة تكمن بإصرار الاصلاح على اقامة الفعالية السنوية في عدن كي يثبت نجاح الثورة وان كلفه الامر خسران الكثير أو مردها عنت وممانعة قوى الحراك لإقامة هكذا مهرجان ولو استلزمها التضحية بالمهجة والدم كي تفشله ، فمثل هذا التوصيف أعده سطحيا ويفتقر للدقة والموضوعية الكامنة في اعماق القوى الجنوبية المحتفية بانتخاب الرئيس التوافقي او المحتفية بفشل انتخابه .
الواقع ان إزاء ثالوث قديم جديد يحاول كل ضلع فيه استعادة الجنوب ولتكن البداية بإخضاع عدن بما تمثله من اهمية وثقل ورمزية سياسية ومعنوية ، فالرئيس عبد ربه كان داعما بقوة لهذه العودة الى مساحة الجنوب ، الاصلاح ايضا ارادها تظاهرة تعيده الى سابق ألقه وحضوره ، الحراك ما من شك برغبته الجامحة لإفشال التظاهرة التي يعد نجاحها عودة للجنوب الى خصومه التقليدين المنتصرين في حرب 94م وهزيمة له ولفكرته المنافحة لاستعادة الجنوب الى ما قبل التوحد .
شخصيا لطالما انتظرت عودة الاصلاح أو سواه من الاحزاب السياسية التي للأسف تركت ساحة الجنوب شاغرا في وقت شديد الحرج والفاقة لمن يملأ فراغه ؛ فكانت المحصلة كارثية وعبثية إذ حلت المؤخرة بموضع القيادة وتراجعت النخبة لرغبة المزاج وزحفت الاطراف المتخلفة الى الوسط المتمدن والمتحضر .
ادعم وأؤيد عودة الاحزاب السياسية الى عدن والى كامل محافظات الجنوب كما وان موقفي لا يتزحزح او يتبدل تجاه حق كافة القوى الجنوبية في ان تعبر بحرية وتحضر وسلام واطمئنان وفي كل مساحة الجنوب ، فما من قوة او جماعة او جهة يمكنها مصادرة وسلب هذا الحق الانساني الاصيل الذي كفلته جميع شرائع السماء والبشر ، ففي النهاية ارفض وبشدة كل اسلوب وطريقة وفكر لا يؤمن بمبدأ الاختلاف البناء والخلاق المنحاز لروح التباري والتنافس والكفاءة واحترام الرأي الاخر أيا كان صاحبه وهدفه .
لكنني اتحدث هنا عن عودة مخيفة مرعبة لا تمت بصلة للعودة الى ساحة الجنوب الحاضرة ، هذه العودة بكل تأكيد لمستها من خلال اصرار الرئاسة على مخاطبة قوى الحراك بمنطق المنتصر في حرب 94م وإذا ما تجاوزها مرة فبتصنيف هذه القوى الجنوبية الى طغمة وزمرة ودونما أي اعتبار لحقيقة المشكلة الجنوبية التي تعد يصعب اختزالها بزمرة وطغمة او شرعية وشرذمة .
كما واحسست بهذه العودة من تحالف قديم جديد بين الاصلاح والرئاسة هدفه الذهاب بالجنوب الى الحوار الوطني ودونما اعتبار أو تنازل او حل لكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي خلفها التوحد الارتجالي وزادت الحرب بمضاعفة نتائجها الكارثية لتشمل معظم مكونات المجتمع الجنوبي ودون تمييز ما بين كون هذه الفئة محسوبة على الشرعية او كونها من جماعة الشرذمة .
المناسبة بقدر ما مثلت عودة للرئاسة والاصلاح بذات القدر افزعتنا هذه العودة كونها اعادتنا الى مربع الازمة السياسية والحوار الوطني والحرب وما تلاها من سنوات مريرة مازالت محفورة في ذاكرة ووجدان وواقع الجنوبيين ودون يسلم من ذلك الرئيس المتوج اليوم أو الاصلاح الذي ذاق من الكاس نفسها التي شربها قبله الحزب الاشتراكي .
وإذا كنا قد تطرقنا الى هاتين القوتين الصاعدتين العائدتين لمساحة الجنوب بعقلية ماضوية ؛ فإننا لا ننسى القوة الثالثة المتمثلة بقوى الحراك المناهضة للتوحد السياسي وما فتأت مقاومة لكل اشكال التطبيع والحوار ، فبرغم معاناة هذه القوى من التهميش والاقصاء والقتل والسجن وغيرها من الممارسات الخاطئة؛ إلا إنه لا يبدو ان عودة هذه المكونات الجنوبية سيكون مختلفا عن عودة القوتين المناوئتين لفكرة استعادة الدولة وتقرير المصير إذ ان غالبية قوى الحراك المسيطرة خلال الآونة الاخيرة على مساحة الجنوب مازالت مسكونة بهاجس العودة الى ما قبل التوحد والحرب .
فبرغم ما احدثته ثورات الشباب العربي من متغير سياسي كان له اثره الايجابي والموضوعي على قوى الحراك ذاتها ، ناهيك عن تبدل تام لمنظومة من العلاقات والتحالفات ووسائل التعبير والتواصل وحتى الافكار إلا ان المتأمل في تعامل الحراك مع هذه التحولات الحاصلة لا تشي بثمة تناغم من أي نوع فكل ما نراه من ناحية الحراك لا يبدو من مضمونه وشكله بان عودته ستكون مختلفة عن الرئاسة والاصلاح .
السياسة في مفهومها البسيط تعني البدائل ، لنفكر في الخيارات المتاحة وفي هذه البدائل ، ليتخلى الرئيس عن فكرة الولوج للحوار ومن ثم المستقبل بذات المنطق والنهج الماضويين ، الاصلاح من جانبه ينبغي تخليه عن فكرة المعالجة للقضية الجنوبية دونما تنازلات جوهرية تتعلق بشكل الدولة المستقبلية وبإعادة الحقوق والاعتبار لطرف سياسي شريك ومهم ويصعب تجاوزه او اقصائه من الحوار القابل مهما بدا الامر ممكنا ومغريا .
قوى الحراك وتحديدا فصيل استعادة الدولة الذي يجب تخليه عن فكرته الماضوية كي لا يجد ذاته في نهاية المطاف وحيدا وبعيدا عن الواقع الجديد وبعيدا عن صياغة المستقبل . خلاصة الكلام الاطراف الثلاثة جميعها غارقة في حساباتها وتكتيكاتها وممارستها القديمة ، لا وصفة سحرية لهذه الوضعية غير الاتفاق حول الدولة البديلة المجسدة للتعايش والشراكة ، لا حوار بمقدوره الاتيان بمعجزة ودونما مقدمات وشركاء فعليين معنيين بصياغة اليمن الجديد ، كما لا نجاح لفكرة الدولة القادمة من دون علاقات جديدة ، ومن دون تخلي كافة الفرقاء عن فكرة ابتلاع الجنوب ، ودونما توافق حول العودة الى الجنوب والى الحوار والى الحاضر .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها