دعوا الاضرعي يوجه رسائله بالطريقة التي يفهمونها
– بإستعلاء .. ينظر “مروان الغفوري” إلى اليمنيين من ألمانيا مثل “هتلر” في نظرته إلى اليهود ، يبدو أن “نازية” اللحظة ما تزال تُحدّق في الفلاحين اليمنيين بإعتبارهم قطيعًا لا يستطيعون مشاهدة المسلسلات البريطانية التي يتابعها “مروان” مثل المسلسل البريطاني “دكتور فوستر” أو “كازانوفا” ، لا يعرفون شيئًا عن اللغة الانجليزية سوى “وتس يور نيم” ، و “بيكوز” و “صم تايم” ، مفردات لقيطة تمر على الذهن كأولى العبارات الأكثر بساطة في لغة مجهولة وعسيرة .
– تحدث “مروان” وهو طبيب يمني مهاجر إلى ألمانيا في ثلاثة منشورات عن برنامج “غاغة” الذي يقدمه الفنان اليمني الشعبي البارز “محمد الأضرعي” ، تحدث بإستهزاء عن إبداع محلي الصنع قال أنه يتجاوز الطائفية إلى “صورة كاريكاتورية شديدة البؤس” ، إلا أنه لم يدرك أن اليمنيين في حقولهم ومقايلهم لا يتابعون المسلسلات البريطانية كما يفعل ، فهم مشغولون بمتابعة محمد الاضرعي ورفاقه علي الحجوري وزكريا الربع ، إنهم لا يقرأون مقالاته بإهتمام كما يستمعون لـ “علي عبدالله صالح” ، ايعرف أحدكم لماذا؟ ، لأنهم لا يعرفون “جورج مينوا ولا ارينستو سابتو” ، ولا يهتمون لهما ، ولأن “صالح” أيضًا يخاطبهم بلغتهم ، كما يفعل محمد الاضرعي .
– في تلك المنطقة التي باتت تعرف بـما يسمى “اقليم آزال” تسكن صنعاء العاصمة ، مركز الحكم الإداري لليمن ، بأبنيتها المميزة وفنها المعماري النادر وحضورها وسكينتها وأبوابها الآثارية الخالدة وصورتها الساكنة ، وسواءً نجحنا في تحقيق الحُلم الإتحادي أو هُزمنا أو انفصل الجنوب وذهب إلى غواية “عبدالرحمن الجفري” ، ستظل صنعاء هي العاصمة وفيها وحولها مدن لا تستطيع القبول برئيس لا ينطق الجيم مثلهم ، ولا يلبس الجنبية كما يلبسونها ، مشدودة إلى الخصر ومرتفعة كمإذنة وقت صلاة المغرب بشموخ تاريخي لا ينقصه شيء من الخيلاء ، من لا يتقن الزامل يسفهونه ، من لا ينطق الدال طاءًا يعتبرونه غريبًا، إن لم يكن منهم فلا يستطيع إعتلاء “صنعاء” . احيانًا يقتلونه ، لأن كل واحد منهم يتمنى لو يصبح رئيسًا .. أو ملكًا ، يحتاجون إلى لغة يفهمونها ، بساطة ، مشاهد حاضرة يطربون إليها ، حتى لو كانت كوميديا بائسة ، ألسنا بائسون .. فقراء في الثقافة والتعليم والمعرفة ، هؤلاء نحن ، لا نفقه الانجليزية ولا الالمانية أو لغة عصافير باريس .. ومن باب الرِداء ظهر “عبدالملك الحوثي” بلباس يمني في حقله ، قال إنه واحد منهم وجاء بصورة أخرى مغايرة للإمام البدر وعصابة آل حميد الدين وفقهاءهم وقضاتهم ، لم يتحدث “عبدالملك الحوثي” عن “فرانسيس فوكاياما” و لم يحضهم على متابعة مسلسل “ليزي بوردون” لاكتشاف الجريمة الاميركية ، قال لهم “الموت لاميركا” فقط .. فاتبعوه ! .
– الجريمة التي اقترفها “الحوثي” أنه خدع اليمنيين بلباسه ، بجنبيته ، بزوامله ، اعتقدوا أنه جزء منهم ، غير أنه استدعى كل شيء ممكن وغير ممكن ، جاء إلينا بنسبه ومذهبه وأجداده من التاريخ ، واقتحم علينا خلوتنا ، فما عسانا أن نقول له ؟ ، ربما كان علينا ألا نكون عديمي اللياقة وندعوه إلى مشاهدة مسلسل “هاوس أوف كاردز” ليتعلم كيفية الوصول إلى الرئاسة بلا سلاح ، كان علينا أن نشتمه بما لا تتأذى مشاعره ، أن نقول له “يا متوحش” ، “ياشرير” ثم نستلقي ضاحكين وندعه يمر على أسرّتنا ، ليصل إلى المهرة وسقطرى وهو يخوض في “زيديته” التي أفزعت قلب الأمة اليمنية وأدمتها وذبحتها وأهانتها .
– نحن أمام جريمة ، كارثة ، ارتداد مرعب ، حصار وقح ، نحن في مواجهة عصابة ترتدي اللباس اليمني وتستدعي اجدادها من ثقب قريش ، ورائحة الموت البارد . في مقارنة الأضرعي بالطبيب الغفوري على موقع “يوتيوب” الشهير يظهر عدد الذين شاهدوا كل حلقة من حلقات “غاغة” في قناة “سهيل” أكثر من ثلاثمائة ألف مشاهد ، وبمتوسط كهذا نجد أن عدد اليمنيين الذين شاهدوا حلقات “الأضرعي” يفوق ثمانية مليون مشاهد ، وهو الرقم الذي لم يبلغه إجمالي متابعي “الغفوري” ومُعلقيه منذ اختراع “فيس بوك” إلى اليوم .
– نحن أمام هزيمة يمنية مُذلة على أيدي الهاشميين بتعاون غير مبرر من “علي عبدالله صالح” وجماهيره العُمي ، لقد تعرضنا للترحيل القسري ، للموت والتجويع والتنكيل والرعب ، لأن مثقفًا من “تعز” أو “عدن” كان يرى في حروبنا على “الحوثيين” مجرد “لهو عبثي” ! ، كانت تنظيراتهم كالأحراش تمنعنا من العبور ، وتوقد علينا سخرية العالم وسخونته ، ارتهنت مؤسسات الدولة وشعر اليمنيون بالعجز في مواجهة آلة خرساء ومنظمة ، فما عسانا أن نفعل ؟ ، أوه .. لا يجب أن ننعت “الحوثي” بـ “السرسري” ! ، فماذا نقول له “ثكلتك أمك” أم نصفه بـ “ابن السوداء” ! ، لو كنت أملك سبيلًا إليهم لقذفتهم ببراز الشوارع وتبولت على رؤوسهم وجعلتهم يشربونه قبل منامهم وفي صحوهم وعلى طعامهم ، لقد هتك الهاشميون – الحوثيون كل ستار ، واستخدموا كل بغيض ورجيم وجلبوا علينا الزناة والشواذ والأفاكين والعاهرات والساقطين والخبثاء واللصوص ، فما سمعنا راشدًا منهم يسوءه حالنا أو تستفزه ألفاظهم وأفعالهم وجرائمهم ، صمتوا أو دافعوا ، برروا وعاتبوا ، حتى طالت عليهم الحرب وأوشكوا على السقوط والانهيار ، فنأتي اليهم لتبرير الجريمة واستخدام مفردات استعلائية واظهار اطلاع باذخ لمسلسلات بريطانية ونرويجية ، ونقل صورة عن الاصدقاء والصديقات الألمانيين ، وماذا كتب “غونتر غراس” ! ، نحن لسنا في “قهوة سبارتكس” ، إنها ساحة حرب ، معركة تحتاج الى رصاص وشتائم وزوامل .
..
– في مراهقتي كنت مولعًا بـ”عبدالحليم حافظ” ، اسمعه كل حين ، وفي مقيل القات كان اصدقائي يطردونني من حاضنتهم الخضراء بسبب إصراري على فتح اشرطته في ساعة تحتاج – كما قالوا – لصوت يمني يهنهن أفئدتهم بما يجعلهم يلوون رؤوسهم كالسكارى ، فأسخر منهم ، ويسخرون من عدم انصاتي ، فماذا كانوا سيفعلون لو أني حدثتهم عن أشرطة “ريان كابريا” ، أو “هانك ويليامز” ، وقد استخرجت اسميهما من محرك البحث “جوجل” محاولًا الوصول الى ثقافة اطلاع تنافس فناني ألمانيا الذين يعشقهم “الغفوري” ، وهو لا يسمع لحمود السمة أو حسين محب .
* مروان
سأبوح لك بواقعة صغيرة ومضحكة في “عُرسي” أبرقت للمنشد الرخيم في وقت المقيل بورقة أدعوه لفقرة انشادية من أغنية أم كلثوم “القلب يعشق كل جميل” ، وبينما المنشد في مطلعها ، قفز والدي وطلب التأجيل بطريقة لبقة متعذرًا بدخول وقت المغرب ، وجاءني هامسًا وقال “هذا عُرس يمني ، الناس وعيال عمك جاؤوا من الحدأ ، يشتوا زوامل .. ماحناش في “قهوة الفيشاوي” ! ، مازلت اتذكر تلك الواقعة بضحك وخجل .
– هل تعرف عزيزي “مروان” لماذا انتصر “غونتر غراس” بجائزة نوبل ، ليس لشيء إلا أنه أثرى العالمية بأدب يتحدث عن ألمانيا وأدغالها وريفها وأناسها وكوارثها ، وحين رأيته مثالًا أخذت إسم ابنته لتطلقه على ابنتك “هيلين” ، وتواريت خلفه مبتعدًا عن أسماء يمانية تقذف بإرثك في عمق ألمانيا ، وقد أخذتك نازيتها عنّا ، كما فعل الهاشميون بنا وهم يحوّلون أسماءنا وعناوين شوارعنا ولافتات مدارسنا وتاريخنا إلى “قريش” ، نسينا اسمائنا واغتربنا في هوية عيال “عبد مناف” حتى يومنا هذا ، لا بأس .. ودعنا نتحدث عن بروز “البردوني” الذي لم يتحدث في شعره عن “فوكوياما وسبيستيان وأوليفر كوين” بل قال لنا عن “العتمي وغزال المقدشي وحمادي والمندلي” ، صاغ ببيان عربي اهتزازات الروح في محيط يمني آسر ما يزال يـُستشهد بلغته الجامحة وانطباعاته المدهشة عن تفاصيل العين اليمنية ورجفة المغترب وحكايا السياسيين الحمقى إلى اليوم . هذا هو الانتصار ، الانطباع الدائم ، أما مقال نصف أسماءه عسيرة وصعبه ومستوردة وحكايات عن عيال “خوسيه أركاديو بوينديا” الذين كتب عنهم “ماركيز” في مائة عام من العزلة ، فلا يعنوننا ، ولا أحد قرأ لهم سوى بعض الذين لا يستطيعون اقناع زوجاتهم بنظرياتهم اللعينة .
– منذ تولي الرئيس “هادي” كرسي الرئاسة لم يتأثر اليمنيون به الا في حالات نادرة ، لأنه لا يجيد الحديث العفوي ، اللهجة القريبة من المخزنين في المقايل ، ومن الفلاحين في حقولهم ، والعُمال في دكاكينهم ، والشباب في غوايتهم ، لم يقل لهم شيئًا عمّا يجري ، يظهر عليهم مبتسرًا ومقطوعًا بخطاب رسمي في ثلاثة أعياد رسمية ، بينما لا يكف “صالح” عن الخطابات ، واللقاءات ، والصفقات ، كنت أدعو اصدقائي الى مقيله لأُظهِر لهم مدى علاقتي به ، فلا يرفض أو يتبرم ، كان يقبلهم بسعادة ويبتسم محييًا ومرحبًا ، فيرتجفون من فرط المفاجأة أنهم أمام هذا الذي ما عرفوه إلا في شاشة التلفاز ، وفخرًا بلقاء ذلك الرئيس الطويل عمرًا ودهاءًا ، وحين يدخل الى المقيل المزدحم ، يلتفت إليّ ويخصني أحيانًا بالتحية ، ومفخمًا الباء في لقبي “الغباري” حتى اشعر باهتمامه الخاص ، ومنذ عامين وأنا أنازع اللقاء بالرئيس “هادي” وكلانا لاجئين في الرياض فلم استطع الوصول إليه ! ، هناك تكمن حرفية “صالح” انه يخاطب ما بات يُعرف بـ “اقليم آزال” بلغتهم ، حتى من لم يستطع الوصول إليه ، تجده معهم ، يُخزن بجوارهم ، يُجابرهم في عزاءهم ويلتفت اليهم في أعراسهم ، يسخر من اعدائه فيضحكون حتى تظهر نواجذهم الخضراء ، ولا ينساهم في أغلب اسابيعه ، وهكذا كان في أغلب أيام حُكمه وما بعدها ، خطابات رسمت صورته وحوّلته إلى ذلك الرجل القريب من شعبه ، يأنسون به ويرون فيه رمز المنتصر لهم في قضاياهم ومعاركهم ، بينما يبقى قادة الشرعية من رؤساء واحزاب ووزراء صامتون بين اربعة جدران ، يكتفون بالتغريد في “تويتر” ، كأن رجل “الحقل” يهتم بهذه الوسيلة ! .
* يا مروان ..
دعوا الاضرعي يوجه رسائله بالطريقة التي يفهمها اصحابه ، لا بطريقة فرانسيس فوكاياما ، فإنه شاهدٌ لنا وشهيدٌ علينا .. و عيدكم سعيد
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها