المقدشي ..الفدائي الشجاع !!
مع حلول شهر رمضان المبارك عاد معظم الأصدقاء، ومن بينهم أنا، للحديث عن ألوان ومذاقات رمضانات مضت وهم في ديارهم وبين أهاليهم، من هٌجّروا وهاجروا بحثا عن حياة وحرية في داخل وخارج الوطن بعد اجتياح ميليشيات الحوثي والمخلوع لصنعاء والمدن والمحافظات كتبوا وغردوا عن مدد غيابهم واغترابهم وبعدهم عن الديار.
مثل آلاف المرابطين في ثغور الشرف والبطولة دفاعا عن الأرض والعرض منذ أكثر من عامين ونصف مغتربون في الوطن وقيادات الجيش الوطني تمنعهم ممارسات ومخلفات الانقلاب من العودة، على رأسهم رئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن محمد علي المقدشي، الذي يقضي أيام رمضان للعام الثالث على التوالي بعيدا عن أسرته، تمر الأعياد والمناسبات والرجل يرافق الأبطال في خطوط التماس ومعتكف في مناطق الخطر لإدارة المعركة والقيام بمهام كبيرة في ظروف استثنائية ينوء بحملها الرجال في ظروف عادية مواتية.
برباطة جأش وقدرة تحمل وقوة صبر وسعة صدر يقضي الرجل (55 عاما) أيامه في قلب الأخطار والمتاعب بعيدا عن حياة الأمان والرغد والرفاه التي كان يمكن أن يعيشها وبيده استطاعة توفيرها والحصول عليها.
في لحظات فارقة ومعقدة وجد الرجل نفسه أمام مسئوليات عظيمة تتعدى وظيفته كرئيس لأركان جيش لم يكن موجودا ودولة شكلية منهارة ومؤسسات محتلة وقيادة مشتتة وقوى ممزقة وشرعية مٌهاجرة وحكومة ليست للحرب كما لا تصلح للسلم، لا وزارة للدفاع ولا وزير.. كان عليه ملء كل هذا الفراغ الشائك الشاسع ومواجهة المخاطر ومجابهة التحديات وانتاج شعاع أمل من ألم قاتل ويأس طاغ، وصنع معجزات من وسط المستحيل.
***
قدرات هائلة هيأت للرجل شجاعة قبول مهمة كانت تبدو مستحيلة والاستمرار فيها أقرب للمغامرة، لقد نجح ولا يزال في تطويع الشدائد والمضي في عملية اعادة وتأسيس وتشييد الجيش الوطني. بداية من الصفر ومن وسط الصحراء وبتعاون رجال شجعان وضباط مخلصون ودعم سخي من دول التحالف العربي تحركت عجلة بناء الجيش وهاهي مستمرة، الجنود الأحرار الذين كانوا قبل عامين حفاة يكابدون جوع الصحراء وعطشها ها هم اليوم يقفون على أطراف صعدة ويتنفسون هواء صنعاء من أعالي جبال نهم.
في أقل من ثلاثة أشهر من بداية التأسيس كانت أول كتيبة من الجيش الوطني في طريقها إلى محافظة مأرب للمشاركة في دحر الانقلابيين الذين كانوا يحيطون بالمدينة.
يتمسك المقدشي بمواصلة مشوار بناء جيش وطني يمثل اليوم حلم اليمنيين وملاذهم الضامن لاستعادة اليمن لليمنيين وتحقيق مهمة استعادة الدولة ومكافحة الإرهاب وبناء دولة مؤسسات على أسس العدالة والمواطنة والحكم الرشيد، جيشٌ يكون الحامي والحامل للانتقال ليمن المستقبل غدا.
في ذات الوقت الذي تجري عملية بناء الجيش وما يتطلب ذلك من اعداد وتدريب وتأهيل وتسليح في زمن قياسي ومكان غير موات، تخوض الوحدات في جبهات متعددة ومتناثرة معارك استعادة الكرامة وتحرز انتصارات متتابعة.
***
كالعادة، يبدأ الرجل يومه مبكرا في متابعة وادارة سير المعارك وادارة شئون الجيش وزيارة الجبهات، ثم يعود لعقد اجتماعات مكثفة قبل أن يجلس في مكتبه حتى وقت متأخر من الليل يستقبل الزائرين ويحل المشكلات الضخمة ويمضي المعاملات ويطلع على أكوام من الأوراق والملفات.
قليل النوم كثير العمل، لديه طاقة متجددة تمنحه قدرة استيعاب الجميع عسكريين ومدنيين وقبائل بألوان انتماءاتهم، والتعامل مع كبار الملفات والغوص في تفاصيلها وامتصاص الصدمات المختلفة.
فوق هذا يواجه نيران العدو ويتعامل بحكمة مع النيران الصديقة، انتقادات واتهامات بريئة ومنظمة لا تكاد تنطفئ، جحود بالجهود وانتقاص من التضحيات وبينهما ابتزاز واستغلال.
***
مواقفه من ميليشيات الحوثي ثابتة منذ حروب صعدة، فجّر أنصار المسيرة منزله بذمار، ردّ الرجل "منزلي وكل ما املك لا يساوي شيئا أمام وطني الذي اختطفته العصابات المارقة".
سئل: نراكم في مقدمة الصفوف، ألا تخافون علي حياتكم؟ فرد الرجل على محرر أسبوعية 26 سبتمبر "العسكري يهب حياته رخيصة من أجل وطنه، أرواحنا ليست أغلى من الذين يقاتلون في الميدان، وأنا وأولادي وأهلي فداء لليمن الكبير الذي لابد أن تعود له ابتسامته ويستعيد سعادته".
***
مجلس الرجل ومكتبه مفتوحا أمام الجميع، يستوعب الجميع وله علاقات متينة مع القبائل المأربية وغيرها.
بين 2008 و2011م كان قائدا للمنطقة العسكرية الوسطى (سابقا) ومقرها في مأرب، خلال ثورة الشباب السلمية عجز المخلوع صالح عن مكالمة المقدشي وأرسل له أحد قيادات السلطة المحلية فقط كي يكلمه عبر التليفون الجوال، أصدر صالح أوامره للمقدشي بفتح معسكرات لمسلحين على مقربة من معسكرات الجيش فرفض الأخير، اغتاظ صالح غضبا وقال له "مش حق… " وأغلق الخط في وجهه.
وحين كان المقدشي قائدا للمنطقة العسكرية السادسة وكان وزير الدفاع السابق محمد ناصر أحمد يقود وساطة بين الحوثيين وبعض وحدات الجيش والقبائل التي وقفت أمام زحف الميليشيات نحو العاصمة صنعاء وقف المقدشي في وجه ابو علي الحاكم في أحد اجتماعات الوساطة بحضور وزير الدفاع حين كان الجميع لا يجرؤون على قول لا لأنصار السيد. خاطبه المقدشي: سنعيدكم إلى كهوف مران"، وكان ثمن ذلك اقالته من قيادة المنطقة وتعيين الحاوري بدلا عنه.
غادر الرجل البلاد مع من غادروا بعد الانقلاب السيئ، وفي منتصف مايو 2015 عاد وبيده قرارا جمهوريا بتعيينه رئيسا لهيئة الأركان لجيش لم يكن موجودا، ومن بطحاء العبر بدأ مشوار مهمة شاقة لم تناسب كثيرون غيره ولم يناسبها غيره.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها