الغريب الذي صار جزءاً مني ؟
لا يوجد غازٍ أوقح من السرطان ولا مستوطنٌ أكثر صفاقة.
تخيل أكثر الأشياء وحشيةً وبشاعةً وقد حلّ في جسدك فجأةً وصار جزءاً من وجودك. ينافسك على رقعة جسدك ويأخذ في انتزاع أعضائك عنوة… تتألم كثيراً لعجزك عن مواجهته وتتألم أكثر لعجزك عن الإختباء منه،
فهو هنا، أمام عينيك، وشيئاً فشيئاً يصبح أنت.
أضل أرقب جسدي كقاربٍ يغرق ببطئ.
مصيري أشبه بأرنبٍ معلّقٍ في مخالب نسر، يُخضع جسده لمفاضلة بين التمزق على حد المخلاب أو التهشم على صخرة السقوط.
على الدوام أشعر أن السرطان لعنة أكثر منه مرض. هو انتحار الأمل في مُفترَق الخيارات السيئة.
خلاياي تخذلني، وأنسجتي تسقط تباعاً تحت سطوة هذا البشَع المتنامي في جسدي، والأمل، إن كان هناك أمل، قد يكون في مبضع الجراح إذا ما نجح في رسم حدٍ دامٍ لهذا التلف المستفحل، أو في قذيفة إشعاعية أو كيماوية تعطبُ السرطان ومعه جزءاً مهماً كان يوماً أنا.
كل ما يعرضه العلم من حلول لمأساتي هي مأساة بحد ذاتها:
الجراحة القاسية، والإشعاع المدمر، والجرعات المرّة للعلاج الكيماوي و…
وهكذا صار جسدي الذاوي مسرحاً لصراعات محمومة لم أتصور أني قد أقوى على احتمالها يوماً، منذ ظهر هذا الغريب المخيف وأخذ يتلبسني.
وسط هذا العبث، أحاولُ أن أعتصم بروحي. أحاول أن أجد ذاتي داخل أوعية أكثر تحصيناً من هذا الجسد الذي أثبت ضعفه وهشاشته، وأعانق أملي في أشياء أكثر أصالة وفاعلية من الطب والكيمياء:
في إخلاص أهلي، وفي تفاني الممرضة وشهامة الطبيب الذي لا يألو جهداً في صنع شيءٍ لمواجهة المرض، ودفئ الأيادي المحسنات.
أعتصم بكل هذا وأنجو لبعض الوقت.
وما هي الحياة، سوى نجاة لبعض الوقت؟
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها