عام الديك..!
سرحتكن يا دجاج حتى الصينيين الذين "يمرقوا" بأرجل الدجاج –يصنعون المرق من أرجل الدجاج المطهوة" طلعوا ذكوريين، المهم ولا تزعلين ولا شيء، فما زلتن قادرات على المنافسة والدليل على ذلك قول أصحابنا في البلاد في بعض الصباحات الريفية العتيقة، في تصبيحة بديلة لصباح الخير ولجود مورننج "وجدمركم" الله بالخير والعافية: "صباحكم صباح دجي بلا ريش ترجش الوادي رجيش" وكل عام وأنتم بخير وفطس ساع إخواننا الصينيين، اللي سامرين طول الليل يقرحوا ولا خلونا نرقد، طبعا المحلات مغلقة بسبب الإجازة الصينية التي بدأت من أمس الأول هنا في مملكة ماليزيا.
ما قصة تسمية الصينيين للأعوام بأسماء الحيوانات؟ ما يكونوش نقايل من عندنا واحنا مش عارفين؟ فما زالت بيوت يمنية شهيرة مرتبطة بأسماء الحيوانات الأليفة وغير الأليفة، وبأسماء بعض الطيور والحشرات والزواحف مثل: الكبش والطاهش والحنش والثور والجحش والجمل والأسد والغراب والعكبري والذيب والتيس والمعزة والدمة والصعب والدجي والهميمة والنمر والعسيق والثعيل والنوبة والربح والبغل والعلقام والسمكة والعجل والضبع والدندغة والجدجدة والبهمة والتبيع، وهناك أسماء كثيرة نسيتها.
في 2009 سألني صديق من كردستان العراق، لماذا يسمي العرب أنفسهم بأسماء الحيوانات؟ وذكر لي مثالا من السيرة النبوية، اسم زينب بنت "جحش"، وسألني عن المعنى الدقيق للجحش، قلت له تقريبا بالبلدي عندنا حمار، قال كيف تقبلوا بهذه التسميات؟ قلت له عادي فالحمار عندنا رفيق الطريق وواحد من أفراد الأسرة، والظاهر والله أعلم أن كل الحيوانات والهوام التي ذكرتها في الأعلى هم من أفراد الأسر المختلفة، وكل اسرة اختارت لها "قارشة" وتسمت باسمها محبة ورغبة.
لكن المسألة عند الصينيين غير، فبحسب المعتقدات الصينية فإن تسمية السنوات بأسماء الحيوانات تعود إلى أسطورة تحكي أن بوذا -والذي من المحتمل بحسب بعض الدراسات انه نبي مبعوث إلى قومه- عندما أراد مغادرة الأرض قام بدعوة الحيوانات لتوديعها فلم يأتي غير 12 حيوانا، قام بوذا بتكريم تلك الحيوانات بتسمية السنوات الصينية بأسمائها وهي؛ التنين - الثعبان - الحصان - الخروف - القرد - الديك - الكلب - الخنزير - الفأر - الثور - النمر - الأرنب. وهي من المخيال الصيني والذي يقترب من قصة سيدنا نوح في تحميل السفينة من كل زوجين اثنين.
كل عام متعلق بحيوان معين من الحيوانات الاثني عشر، وكذلك مرتبط بعنصر من عناصر الحياة الخمسة عند الصينيين، وهي: "الماء، والخشب، والنار، والتراب، والمعدن ، إضافة الى جنس الحيوان (ذكر أو أنثى)، وهذا يعني بحسب المعادلة:
12×5×2= 120
وهذا هو السر في وجود 120 توقعا في الأبراج عند الصينيين.
يقول بوذا: "الحكمة هي عصارة عقول الحكماء والشك هو نقطة الانطلاق في رحلة البحث عن الحقيقة" ولذا ذهبت الصين عبر حكمائها المعاصرين من جنون البقر الذي اعترى الشيوعية المنافية لقيم الحياة، نحو الرأسمالية المتوحشة لكنها أقرب إلى العقل والمنطق في بعض جوانبها التنموية، وما دام الصينيون يدركون أهمية الشك فلا خوف عليهم من تجريب النظريات، ولكنهم حتما سيصلون إلى الحقيقة، من يؤمنون بالبديهيات بدون شك ومن يسلمون عقولهم لا يتطورون، والصين في تطور مذهل ومستمر، والتطور حقيقة ظهرت بعد شك وتجريب.
في الأعياد السنوية الصينية تأتي التخفيضات في الملابس والأدوات، مثل أعياد رأس السنة، وهذه ميزة يتفوقون بها أخلاقيا علينا نحن المسلمين الذين نتصيد الفرص لرفع أسعار الملابس والسلع في الأعياد، يزيد العرض والطلب وترتفع الأسعار، في تناقض واضح مع ابسط نظريات الاقتصاد، وبينما ترتفع أسعار اللحم عند المضحين المسلمين ولا يجد الفقراء اقواتهم في الأعياد، يحتفي أهل الصين بالمندرين وهي فاكهة اليوسفي المعروفة، وتنزل إلى أقل الأسعار في العيد الصيني، الجانب الإنساني يرافق الأعياد عند الأمم المتقدمة، وهذا هو الشاهد في هذه الزاوية.
حكيم الصين كونفوشيوس هو أيضا صاحب فلسفة "قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية، وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقا لمثل أخلاقي أعلى" وهذا رزق الله لشعب الصين العظيم، فلسفة كونفوشيوس وتعاليم بوذا لم تذهبا هدرا، قيم الصينين في الأسرة والمجتمع والدولة باقية، مع كثرة الأعراق والتنوع الديني، إذ لا يمكن قيام دولة بدون هوية وقيم أخلاقية وفلسفة جامعة وأساطير شعبية تجمع الناس ولا تفرقهم، كما أن إحياء الرموز الدينية والفلسفية لدى الشعب الصيني جعلهم يحافظون على موروثهم الحضاري، ولم يقولوا قديم وأساطير الأولين مع بساطة بعضها وكون بعضها خرافيا لم يثنهم عن الاحتفاظ بها كملهم لحاضرهم ومستقبلهم، لم تسطع أي حضارة أو فلسفة جديدة أن تنزعهم من قديمهم او تبترهم عن عمقهم الحضاري، وهنا تكمن قوة الهوية مع كل التنوع والاختلاف في الصين الشعبية.
الثقافة الصينية العابرة للحكومة الحزب الشيوعي -اسما- الواحد في البلاد منذ 1949 هي التي سوقت للبضائع الصينية في معظم أسواق العالم، فالانطلاق من هوية وحضارة هو الطريق نحو العالمية، ولذا أصبحت الصين في كل بيت على مستوى العالم.
في عام 1911 تخلص الشعب الصيني من السلالة التي حكمت البلاد ألفي عام، وتأسست جمهورية الصين خلفا لإمبراطورية الصين، وفي ذلك العام أصبحت تعاليم كونفوشيوس محل شك فسلالة "تشينغ" الممتدة لقرن من الزمان كانت تقول أنها تمضي وفقا لتعاليمه، ودفع حينها الشعب الصيني ضريبة للتحول من إمبراطورية إلى جمهورية، وأدمن حوالي 40 – 50 مليون مواطن للهروين هروبا من الواقع الجديد، ما يعادل في حينها اكثر من 10% من معدل سكان البلاد، ربما تقودنا هذه المعلومة إلى إدراك تعاطي نسبة كبيرة من شعبنا لمخدر القات، والذي انتشر بقوة منذ ستينات القرن الماضي عندما تخلصنا من سلالة "رجل الديك" بعد الف ومائتي سنة من حكمها لبعض أجزاء البلاد، ومازال سوقه رائجا، بل ازداد رواجا بعد 2011 عصر التحول الثاني نحو جمهورية الشعب والدولة اليمنية المنشودة، فالتغيير السياسي يفرض نفسه على المجتمعات، ويخلق الانقسامات والحيرة، لكن النتائج تكون دوما لصالح التغيير الذي يرتبط بتطور المجتمع وخروجه عن المألوف.
بالعودة إلى عام الديك، فالديك مؤذن الفلاحين في الأرياف وعاقل "الكُدام والزريبة والمحطاب" بلا منازع، إلا أن ظفره مشهور بالنجاسة، فيقال أنجس من ظفر الديك، بالإضافة إلى كونه مجهول النسب ومسوي روحه عاقل السوق، فيضرب به المثل في هذا الخصوص، ومن وصف فلان بأنه ديك لا يراد منه سوى التطرق إلى كونه مجهول النسب، ربما يكون عام الديك مناسبا لشعب الصين، لكنه ربما أيضا لن يكون مناسبا لشعوب الشرق الأوسط، كونه عام تسمى باسم مخلوق "مجهول النسب".
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها