مصارعة الديكة في اليمن
إن النتائج المترتبة على الحراك الاجتماعي والسياسي في اليمن منذ أكثر من عقد من الزمن هي وضع الترتيبات اللازمة لإصلاح المنظومة السياسية والحزبية عبر قيادات جديدة، يمكنها التعامل مع المبادئ والقيم الديمقراطية الجديدة، ولذلك ظل فرقاء العمل السياسي والاجتماعي خلال تلك المرحلة وما قبلها في حالة البحث عن وجوه مألوفة وقادرة على التعامل مع المستجدات والمتغيرات في الساحة السياسية والعامة، والعمل على تمكينها المبدئي في مناصب قيادية في مؤسسات الدولة الرسمية والحزبية،
ولكن ذلك الأمر ظلَّ في حالة من التوخّي الحذر من مآلات التسرع في الإطاحة بمراكز القوى التي يمثلها النظام القديم، وقوى اجتماعية وسياسية صاعدة يمثلها النظام الجديد، الذي يعوَّل عليه الإمساك بزمام السلطة والحكم في البلد، لا سيما بعد تنحّي الرئيس صالح، وتولّي الرئيس عبد ربه منصور مقاليد السلطة بعد انتخابات شكلية، لكنها اعتبارية في ذات الوقت، ولكنها مثلت نموذجاً للإطار المرجعي لقواعد اللعبة السياسية، التي كان من محدداتها إحداث تحول تكتيكي في إطار ما يُسمى انقلاب صالح والحوثي على شرعية الرئيس هادي،
واعتبار ذلك كأحد أهم عوامل التغير الاجتماعي، وكأن ذلك نتيجة حتمية للإرهاصات السابقة لدولة الوحدة، ومحاولة إعادة إنتاج النظام بطرق وأساليب مختلفة، وأوجدت من خلالها قوى سياسية واجتماعية لا تقوى على مواجهة الواقع أو حتى استمالتها لصفها؛ لأنه كما يبدو فإن "فاقد الشيء لا يعطيه"؛ نظراً لوجود "الفجوة الجيلية" بين النظامَين الجديد والقديم، على حد سواء، بفعل تآكل تلك الأنظمة، والاتجاه بها إلى سياقات خارجية قد تفرض أجندتها على قوى الداخل في عملية اعتباطية، ولكنها قد تبدو مألوفة لإعادة الإنتاج، ليس على أسس مذهبية أو مناطقية أو طائفية، وإنما عبر التوافق المبدئي على المصالح المشتركة.
ولذلك أصبح من الضروري الانتباه للمسارات المؤدية إلى الاستبعاد الاجتماعي لمكونات سياسية واجتماعية التي من شأنها أن تعمل على تحديد أي الأدوات السياسية التي قد تساعد على تقليل حدوث الاستبعاد وتخفيف آثاره.
لكن ذلك أثَّر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في عملية إصدار القرارات الرئاسية والوزارية ضمن اتجاهات بينية تعمل على احتواء المكونات المستبعدة خلال مراحل سابقة، بدافع الإرضاء غير التمكيني، ولإضفاء نوع من التوافق حول أولويات المرحلة القادمة، وكذلك أثر ذلك، على معنويات القيادات والأفراد والجماعات، في حالة المضي في اتخاذ القرارات الاستباقية لمآلات الفراغ القيمي،
الناجم عن الخلل المعرفي، حول أولوية البرامج الحزبية والسياسية، التي قد تتعارض من الآليات الاجتماعية، التي يمكن أن تنبثق عنها، وما المرحلة الراهنة إلا إعادة إنتاج التصورات السابقة في سياقات تراكمية لمسارات سابقة، ولكنها قد تتكيف مع الظروف المتغيرة، إذا ما كان هنالك رؤية واضحة تحدد المسارات الجديدة.
إن تلك التصورات وما تضمنته من سياسات اجتماعية وثقافية ألقت بظلالها على القبيلة والدولة والمجتمع، بحيث خلقت خطوط متمايزة لمراكز قوى تدافع عن مصالحها، وعن قيادات جديدة، امتداداً لها، في إطار الفعل وردة الفعل، الذي يجعل من حالة التسابق حول الأفضلية شكلياً، وليس في جوهرية الأنماط الإدراكية والسلوكية للمكونات والأطر المجتمعية التي تتم إعادة إنتاجها، والتي قد تحول دون استدراك الأفكار المؤدية إلى خلق تباين مجتمعي حول تلك الأنماط؛ لأنها قد تؤدي إلى تباينات آنية حول مجالات إعادة الإنتاج.
وهكذا نجد أن رسالة الإعلام بمختلف مؤسساته ومنابره -في المرحلة الراهنة- لم تكن ذات طابع مركب إلا من خلال الأدوات الجديدة التي وظَّفتها القوى المهيمنة على قطاعات أخرى ذات صلة بتلك الرسالة، وأصبح لدى البعض المقدرة على فهم وتأويل وتفسير الأفكار الناجمة عن صياغة الأخبار والأفكار بمختلف أبعادها المحلية والوطنية والإقليمية والدولية،
وباختلاف تلك الأبعاد فإن المتابع لمحتوى تلك الأفكار ليجدها تتسم بأحادية الفكر في ظل تدفق المعلومات من مصادر متعددة وكأنها ذات طابع إنتاجي لكثير من المفاهيم التي تستوجب التعرف على دلالاتها ومعانيها ومرادفاتها، إذا لم تكن هنالك رؤية واضحة تجعل من طابعها الإنتاجي أداة لتوظيف الإمكانات في سياق المعرفة؛ ليؤسس من خلالها النتائج المبدئية لعملية التفاعل بين الحواس الإدراكية، حول القيمة اللازمة لبلورة خطاب إعلامي رصين يعتمد على نظم المعلوماتية القائمة على مرتكزات بنائية وغايات مستقبلية،
التي قد تبدو لدى البعض بأنها آنية وغير ذات صلة بالأفكار الناجمة عنها، إلا أن مرجعيات تلك الأفكار وحيثيات تداولها ستصبح ذات أبعاد استراتيجية إذا ما كانت المتطلبات اللازمة لوضع التوجهات الرئيسية لاستيعاب ماهية الخطاب الإعلامي خلال مرحلة زمنية محددة، هي التعامل مع المجالات الأخرى المتعلقة بالخطوات التأسيسية لمشروعية خطاب إعلامي ينجم عنه الكثير من الاستنتاجات المطلوبة لضمان المهنية في عملية الاستيعاب للمدركات الحسية للأدوات والأساليب الملائمة لفهم المتغيرات في الساحة السياسية والعامة.
لذلك فقد أصبحت عملية الإنتاج لتلك المكونات ذات صلة بالمراحل السابقة والنتائج المترتبة عليها، ولم يكن الحراك الاجتماعي والسياسي إلا ضمن أدوات الفرز والاستقطاب، في اتجاهات المعية أو الماهية الكامنة والظاهرة، عن مزاعم لقوى سياسية وحزبية، وعابرة لكل قيم التناقض في الأدوار والوظائف، التي أوجدت فروقاً ثقافية بين الجنسين وبين الأجيال المؤدية لتلك الأدوار، مما جعل إشكالية النظم الاجتماعية تتمثل في الخريطة الثقافية المصاحبة للتحولات المرجوة من محاولات إصلاح النظام السياسي، والتي أقرب ما تكون إلى "مصارعة الديكة"،
في ظل رهانات مسبقة ومتساوية بين الطرفين، والتي تجعل منها أساساً لوضع قضايا المكانة في قالب درامي، ما قد ينجم عنها قيم جديدة، تلك القيم المعنية بإعادة تشكيل الفكر الاجتماعي والسياسي، والناتجة عن تفسير ذلك المشهد من قِبل الجمهور، الذي يمكن وصفه بأنه في قبضة نوع من الإرهاق العصبي؛ ليفسح مجالاً للمناورة، لكنه يتشكل في الوقت نفسه، بفعل المصالح السياسية، التي يمكن تفسيرها وفق نوع آخر من البِنَى، أي تنظيم للأطراف والجماعات ذات المكانة والمتنافسة على تحقيق ميزة لمصالحها.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها