مع أبي الفتح البستي من القبيطة إلى العالم

في صغري حفظت نونية أبي الفتح البستي ..كنت شغوفا بها وبحكمها وأبياتها التي تربو عن الستين بيتا ... بيتان فقط لم أكن أستسيغهما

إذا جفاك خليل كنت تألفه ... فاطلب سواه فكل الناس إخوان

وإن نبت بك أوطان نشأت بها ...فارحل فكل بلاد الله أوطان

كان لي أصدقاء أعزاء في صغري .. كانوا هم الطريف والتالد .. لم أكن أستطيع لبرهة أن أتخيل فقدهم أو أنني سأجد بديلا عنهم .. هذا الأمر أثر علي فاختلفت مع البيت الأول  ..

نشأت في قرية من قرى القبيطة إسمها حبيل الهجر .. قرية لو رآها أفلاطون -تلكم الأيام- لما نظّر عن المدينة الفاضلة أبدا ... كنت أشعرأن مجرد التفكير في مغادرتها يُقطِّع نَفْسي ويَِقْطع نَفَسي .. ولذلك كنت لا أستسيغ البيت الثاني

كبرت وغادرت القرية وكنت في كل مرحلة من عمري أتعرف على أصدقاء جدد يغمرونني بسعادة منقطعة النظير ...

كثرت سفرياتي وتشعبت علاقاتي ... وجدتني بعدها أردد :

وإن نبت بك أوطان نشأت بها ... فارحل فكل بلاد الله أوطان

قررت قبل فترة وتحت ضغط الفراغ بأن أبدأ في دراسة الماجستير .. دخلت قاعة المحاضرات للمرة الأولى ... تمعنت الوجوه جيدا .. شعرت برهبة ... وجوها أراها للمرة الأولى .. ما هذا الرعب .. ارتجفت قليلا .. ناداني أحدهم "فهمي .. هلا والله" التفت لأرى واحدا من أعز الأصدقاء "رمزي" .. استبشرت به .. صافحته .. أزالت عني رؤيته بعض معالم خوفي .. لم تمر سوى يومين أو ثلاث حتى تعرفت على مجموعة لا بأس بها .. لكنهم كانوا مجرد زملاء ..

مرت الأيام سريعا ... تعرفت عليهم أكثر أصبحنا حلقة واحدة ..

وجدت بينهم أصدقاء جدد .. وأحبة كثر .... وجدت المنافسة المحتدمة لكن دون أنانية وأثرة .. ينجز أحدهم مشروعه فيريه البقية ليستفيدوا منه .. يعثر أحدهم على مرجع نفيس فيرسله إلى الآخرين

وجدت الحوثي المتشدد والحوثي نص خمدة ووجدت المؤتمري المتطرف والمؤتمري النص نص والمؤتمري وليس معه شيء وجدت الإصلاحي وجدت الليبرالي واليساري وجدت المرأة المنفتحة والمرأة التقليدية ... وجدت الاختلاف والتنوع لكنني مع ذلك كله وجدت الصداقة والألفة والمودة والحب ...

عندها ترحمت على أبي الفتح البستي وقلت

إذا جفاك خليل كنت تألفه ... فاطلب سواه فكل الناس إخوان.

لا تتشدد في مواقفك .. لا تتطرف في حبك ... لا تتعلق بمسقط رأسك

فكل هذه نقاط ضعف توهن العزيمة وتشتت الفكر .