المبادرة التي ماتت قبل أن تولد!
باختصار مبادرة ولد الشيخ الجديدة صممت بغرض إنهاء الشرعية القائمة، وشرعنة الإنقلاب، أما بقية البنود فيعلم ولد الشيخ وتعلم الأمم المتحدة ويعلم سفراء الدول الثمانية عشر أنه لن ينفذ منها شيء..
قالتها جماعة الحوثي صراحة على لسان كبار قياداتها إنهم لن يسلموا السلاح ولن ينسحبوا من العاصمة صنعاء، فتلك في خطابهم المعلن مكاسب "ثورة الجرعة"، وفي دهاليز صناع القرار هي خطوة على طريق إعادة الحق لأهله "الولاية لأهل البيت" وإقامة دولة "الولي الفقيه" على الطريقة الإيرانية، كأحد النجاحات المرحلية للمشروع الإيراني ف يتصدير الثورة لتبلغ المدى المرسوم لها في السيطرة على حقول النفط في شمال الجزيرة العربية، والتحكم بالأماكن المقدسة.
المبادرة لن تعمل أكثر من وقف الحرب بشكل مؤقت والتهيئة لجولة جديدة من الحرب ستكون أعنف، وستدخل اليمن في طور الحرب المنسية، لأن اليمنيين حتى وإن تخلى عنهم العالم لن يقبلوا أن يعيشوا تحت ساطور الطائفية المقيتة التي تسلبهم حريتهم وإنسانيتهم.
أي حديث عن تحقيق السلام في اليمن، دون إنهاء الإنقلاب وتسليم السلاح والانسحاب من المدن والعودة إلى المسار السياسي، هو تهريج يهدف أصحابه إى الهروب من الحقائق أو المغالطة بغرض التمكين لمشروع إيران في المنطقة.
تتركز المبادرة على إزاحة قيادة السلطة الشرعية وكأنهم أساس المشكلة، أو كأنهم من انقلب على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وأطاحوا بالعملية السياسية ودمروا مؤسسات الدولة وأدخلوا البلد في حرب تسببت في مقتل الآلاف ودمرت كل أشكال الحياة.
لسنا هنا بصدد تقييم أداء الرئيس ونائبه ورئيس الحكومة فلهم من الأخطاء ما يفوق القدرة على السرد، لكن إهمال المبادرة للمسؤولين عن الإنقلاب والمتسببين في إشعال الحرب في البلد يعد عواراً واضحاً في مبادرة تقول إنها تستند على المرجعيات الثلاث "المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الأممية وفي مقدمتها القرار ٢٢١٦" والجميع يعلم أن ذلك القرار ينص صراحة على تسليم الحوثيين السلاح والانسحاب من العاصمة صنعاء والمدن الرئيسية وتسليم مؤسسات الدولة بما يمكن الحكومة الشرعية من العودة لممارسة عملها، والإفراج عن المختطفين" ومنذ صدور القرار قبل حوالي عام ونصف لم تتمكن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن يقنع الحوثيين حتى بالإفراج عن المختطفين السياسيين وفي مقدمتهم القيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان ووزير الدفاع محمود الصبيحي.
قبل ثلاثة أشهر وعندما عاد ممثلو الإنقلاب والحكومة الشرعية إلى الجولة الثانية من مشاورات الكويت، قدمت الأمم المتحدة عبر مبعوثها رؤية تضمنت انسحاباً مرحلياً للحوثيين، وشملت المرحلة الأولى الإنسحاب من صنعاء وتعز وتشكيل لجان أمنية لاستلام السلاح والحفاظ على الأمن، على أساس أن يتم مناقشة الجانب الساسي من الحل بعد انتهاء تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة الأمنية التي تمتد خلال أربعين يوماً.
ولأنها حافظت على بقاء الشرعية إلى أن يتم العودة إلى المسار السياسي الذي تم الإنقلاب عليه فقد رفضها الإنقلابيون وقبلتها الحكومة رغم تحفظها على بعض النقاط فيها.
لم تتخذ الأمم المتحدة أي إجراء إزاء رفض الحوثيين للخطة الأممية، بل حتى إنها لم تفصح بشكل واضح عن الطرف الذي رفض الرؤية ولم تتمكن من إصدار بيان يدعو الحوثيين للتعاون مع المبعوث الأممي. مضت الأمم المتحدة في تدليل الإنقلابيين بشكل أغراهم على مواصلة التصلب والعناد وخرق كل الهدن الإنسانية التي تم الإتفاق عليها، ولا تزال مليشيات الحوثي وقوات صالح تواصل قصف المدن والأحياء السكنية بالصواريخ والمدفعية وآخرها ما حدث في مارب وتعز.
موقف السعودية ودول التحالف لم يبدُ واضحاً من المبادرة الأخيرة باستثناء ترحيب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بالمبادرة واعتبارها حلا معقولاً لتحقيق السلام في اليمن، وهذا الموقف كان قبل أن يصل صاروخ الحوثيين إلى مشارف مدينة مكة المكرمة.
هذه المرة قوبلت مبادرة مبعوث الأمم المتحدة بالرفض المباشر والصريح من قبل الرئيس هادي وحكومته لأنها مناقضة للقرار الأممي وللمرجعيات التي يؤكد المبعوث الأممي التمسك بها، ولأن المبادرة من خلال قراءة خطوطها العريضة بدت هادفة إلى شرعنة الإنقلاب وتمكين الحوثيين وصالح، وبالتالي سيكون لزاماً على الأمم المتحدة أن تراجع أداءها إزاء الأزمة اليمنية بما ينتج حلولاً تفضي إلى سلام شامل ودائم يؤسس لمرحلة جديدة تتفق وطموحات اليمنيين في حياة آمنة ومستقرة.
وسيظل التعويل الكبير على تغير في أداء حكومة الشرعية وفي سير المعارك على الأرض بما يبعث بإشارات إيجابية للحلفاء الإقليميين وللأطراف الدولية، ويحقق ضغطاً ميدانياًً يجبر الإنقلابيين على القبول بأي تسوية تضمن لهم هبوطاً آمناً.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها