الصايعة..!
"لا شيء يعجبني" يقول درويش، وحتى أنا لا شيء يعجبني في هذا المول، محلات الملابس ذات العلامات التجارية المغرية لا تشدني أصلا، والماركات ليست في قاموسي، انتقي الألوان بدون عناية فائقة، لكن يبدو أن هناك نوعا من المزج المنطقي بين الألوان قد استقريت عليه وهذا "مس ماتش" وهذا لا ، فقط الماركات العالمية تغريني المقاسات المتوفرة فيها، بحثت عن قميص أسود يناسب ربطة العنق الذهبية المنتقاة بعناية الشِعر ورقة فاكهة المساء، للأسف لم أجد المقاس ولذا لم أفتش الأسعار الملصقة على العلامات المتدلية من تلك القمصان. من آخر الرواق في محلات باركسون سمعت صوتا كأنه مألوفا، ينادي الصايعة! "يا صايعة وين سرتي تتسرسري" صايعة مين ياربي؟ صايعة وإلا "يا من لقى الضائعة؟" لا، صايعة بكل تأكيد، رأيت الشاب صاحب الصوت إياه مهرولا نحو القسم النسائي ، وفتاة ترمقه بعينيها، تتبعت الفتى، وسمعتها تقول له: " مالك يا أخي هذاني قدامك بين ادور ملابس" هدأت ثورة الشاب العشريني قليل الأدب، وترك لأخته حالها، كانت فتاة تبدو مهذبة، وأنيقة وحجابها ووجهها لا يدلان على النداء الفضيع، لهجتهما الصنعانية لم تلفت غيري لا الصينين ولا الملز مهتمين بهذه اللهجة ولا بهذا العتاب السيء. قدرة الأخ على مخاطبة أخته بهذا النعت السفيه دليل على قلة وعي المجتمع الذكوري، والتظاهر أن ذكر البط مازال مسيطرا على زريبة الفراخ حتى خارج أعتاب القبيلة، لكن ربما يكون لديه عذر في الخوف غير المبني على شيء سوى السيطرة المفروضة اجتماعيا للأخ. يقول صديق مقرب أن التسوق مع النساء أكثر إزعاجا من رعي الأغنام "المتربحات" ما يكاد يغفل عنهن أو يسرح به خيال الجبال إذا بهن يهجمن على زرع الناس قصفا وخسفا، عندما سألته ما علاقة الأغنام بالنساء يارعوي؟ قال لا أكيد أنت لم تفهم قصدي، التسوق مع النساء مثل رعي البقرة الجلالة! وكيف هذه البقرة يارعوي؟ قال هذه بقرة تتعود على أكل فضلات البشر، وحليبها يتغير طعمه، ما إن تجدك غافلا تخرج من بين الزرع والحشائش وتذهب إلى أماكن الفضلات بحثا عن وجبه مقرفة، وهكذا النساء ما أن تغفل عنهن في السوق لا تجدهن يتنقلن من محل لأخر بسرعة العدائين وخفة النشالين. قتلتني يا رعوي، أمثلتك أسوأ حالا من نداء الأخ للصايعة، قلت له التسوق مع النساء ليس متعة، لكنه ليس صياعة ولا بقر وأغنام، وأنا شخصيا أتجنبه دوما، لكثرة الذهاب والإياب بدون فائدة ولا شراء ولا شيء يعجب، يقدمن اقتراحات لم يكتشفها بعد الخياطين، ولا صانعي الأدوات المنزلية، لكنها مشيئات النسوان وأمزجتهن الحساسة. القدرة على التعامل يجب أن تتطور مع تطور الذات الاجتماعية للأفراد، والأصوات المرتفعة بالقبح يجب أن تصمت وتخفض الفولتية العالية، الحياة أسهل وأبسط من تعقيدات السيطرة وفرض الأشياء بالقوة، لو تعامل الأخ باحترام مع أخته كما يتعامل مع فتاته التي يرسل لها مسجات الغزل لاحتلت نصف المشكلات، ولتطورت فكرة "الصايعة" إلى "محترمة" وكفى الله أسماعنا أصوات القبح.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها