أنا والرياضيات ومحمود ياسين !
كل الكتاب يتشابهون فيما يكتبون إلا محمود ياسين فهو نسيج وحده متفردا بأسلوب لا يبارى أسلوب شيق رشيق يجعل للقراءة طعم الجهيش في شهر علان.
وفي رواية " تبادل الهزء بين رجل وماضيه " كتب محمود ياسين عن العزي في شبابه كأنه يكتب عني " أيام العمر الغنائي وقعت ضحية للرياضيات التي استحوذت على كامل تواجدي الذي أصبح مهدد تماما أذكر الرياضيات ولا أصدق إلى الآن أنني نجحت فيها بخمسين درجة " ذكرني محمود ياسين بما حدث لي مع الرياضيات ويبدو أن قصة العقدة من الرياضيات تكررت عند الكثير من الطلاب في الثانوية وكان الكثير منهم يردد مقولة " جبر وهندسة يساوي الهروب من المدرسة " وكنت أرى الرياضيات مثل الكابوس المخيف كنت أنجح في كل المواد بمعدل يزيد عن التسعين واحنب بالرياضيات التي تحولت من مادة دراسية إلى كابوس لازمني لعامين ذلك أنني رسبت في ثالث ثانوي وأعدت دراسة ثالث ثانوي في السنة التالية من أجل الرياضيات وشكل رسوبي حدثا في المنطقة فقد كنت الطالب الأول والذكي وكنت أحرر مجلة المدرسة وادير الاذاعة المدرسية وأتحدث في المهرجانات والمناسبات وأرسل مقالاتي إلى الصحف وارسب في الرياضيات .!
كانت الرياضيات نقطة ضعفي القاتلة كرهت الجا والجتا والضا والضتا والمصفوفات والاحصاء وهذه المعادلات التي ما أنزل الله بها من سلطان ؟!
كنت يومها أتساءل: ما هذه الحكابش والشخابيط والأرقام والعقد والدبور يا الله حلها ؟!!
وكنت أتذكر اختبار الرياضيات في آخر العام كمن يتذكر موعد إعدامه وأحيانا كنت اجهش بالبكاء وأرى نفسي ضعيفا قليل الحيلة في مواجهة كابوس الرياضيات .
أنا درست في الثانوية أدبي ولكن حتى الأدبي لم يكن جنة بلا منغصات فكتاب الإحصاء مادة أساسية و" يا هارب من الموت يا ملاقيه " .
كنت في صنعاء وبلغني خبر رسوبي وشعرت أنني أهوي من شاهق إلى قعر سحيق وأن جبلا قد تداعت صخوره فوقي وأيقنت أن كل ما بنيته من سمعة " الطالب الذكي " قد أنهار في لحظات .
كنت فرحا بنشر صحيفة " الصحوة " لإحدى قصصي القصيرة وجاء خبر رسوبي كارثيا بكل المقاييس لم تكن نهاية العالم لكنني كنت قليل عقل وقلت لابن عمي والأسى يحيط بي " لقد بخلو علي بدرجتين في كل المواد نجحت تسعين أو واحد وتسعين وفي الرياضيات 48 " كان باقي درجتين الله يكسر يده اللي صحح " وحاول ابن عمي مواساتي كان قريبي الوحيد في مدينة قاسية لم ترحم هذا القروي القادم بغباره وطموحاته من قرية نائية في ريف اب.
في العام التالي كانت قصتي قد اشتهرت في المنطقة وقال مدير المركز التعليمي " لا بد من مساعدته " وكانت كلمته ضوء أخضر لمدرسي الرياضيات للدخول إلى قاعة الاختبارات وتقديم الغش لي في وضح النهار عيني عينك في زمن لم يكن الغش قد تفشى بهذه الصورة التي في أيامنا غير أني في يوم الإعدام قصدي يوم الاختبارات وكنت قد حفظت كتاب الرياضيات بكل طلاسمه وأرقامه واجهني رهاب الرياضيات وتضخمت عقدتي وزاد الطين بلة أن المدرس المكلف بتقديم الغش لي تركني وذهب إلى خطيبته في القاعة الأخرى لتقديم الغش لها طفحت رومانسيته في يومي التاريخى والوقت يمضي وأنا اتعذب أمام مخاوفي وكوابيس الاختبار الوزاري وكيف العمل ؟!
ارتشفت جرعة ماء وحاولت الهدوء وبدأت بكتابة الأسئلة ثم أجبت على ما تيسر منها وإذا بورقة تهبط علي كأنها الغيث السماوي التفت فوجدت أحد الزملاء وكان ذكي جدا في الرياضيات أجاب عن كل الأسئلة في 40 دقيقة وتفرغ بعدها لانقاذي كنت قد كتبت له رسائل غرامية إلى خطيبته ما جعلها تغرق في حبه وترفض عريسا قدم من السعودية بسيارة آخر موديل وبذل أموال كبيرة وعمارة في مدينة اب مهرا لها كانت الورقة تحتوي نصف إجابات عن ثلثي الأسئلة ونجحت بتفوق في الرياضيات وودعتها إلى الأبد ومازلت حتى اللحظة أتساءل: لماذا لا يبسطون الرياضيات للطلاب ؟!!
رويت قصتي لأحدهم شاب في الثانوية فرد علي : " أنا يا أستاذ معقد من النحو " من النحو ؟!!
أنت زيدت بها !!
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها