مفاوضات أصحاب "السيلفي"
في التاريخ والجغرافيا وعند العالم كلّه، اليمن مهبط الحضارات والديانات وقلب الجزيرة العربية، وعند أصحاب "السيلفي" الله يلعنها بلاد لموه؟! موعملت بكم؟ والله مالهم علم.
لفّ الكابتن هنس بلدان العالم، ولما شاف عدن شهق ساع الطفل لمّا يفرح ببدلة العيد. والفرس والأحباش والأتراك والبرتغال كلهم جاءوا اليمن طمعاً لما فيها، وأصحاب "السيلفي" يحسبوا الجماعة جو يتصوّروا سيلفي ومروّحين.
لا يا صاحب "السيلفي"، لما تسأل ماهي اليمن لازم يكون جوجل صاحي معك، لأنك احتمال تسأله متى ظهرت هذه الأرض على الخارطة، ويقولك: هاه لحظة شتأكد! أنا مره سألته عن تاريخ ظهور أول صورة "سيلفي" في العالم، وقال بأنها وُجدت سنة ألف وتسعمائة وستة وعشرين في ألبوم لعائلة Hoggs، وتعود لزوجين بريطانيين صوّرا نفسيهما في شارع وارويكشاير في بريطانيا، وهذا مش صحيح. اللي يشوف بيوت اليمنيين معلّقة في أعالي القمم، يعرف بسرعة أن إنسان هذه الأرض هو أول من اهتم بالصورة، وأول من تخيّلها، وأول من التقط لنفسه "سيلفي"، وهو يتواسق القمر يشتي يمسكه.
عمركم شفتم سيّارة تعمل سيلفي مع السحاب؟ في اليمن الطريق بين الجبال يطلعك السماء بسيارة، وتشوف تحتك ناس تبني، وناس تزرع، ودخان موفى الحطب شمه يرد الروح، والجبل، وبإمكانك أن تمسي كل يوم فوق ضاحة. في قمّة جبل صبر تقول ماعدفيش مكان أرفع منك إلا السماء، وتلقى الناس عايشه والقرى ملان الجبل مثل الغمام. وفي جبال محمية بُرع وجبال حراز وحجة والمحويت وكوكبان وشرجب، البيوت معلّقة في القمم فوق الصخور، والزلازل ومقياس رختر عند الأهالي مثل الساعة، يعرفوا بها الوقت والتاريخ. وفي جبال إب وبعدان وحبيش البساط الأخضر يقلك: اتفضل ارتاح. وفي السحول وقاع جهران وقيعان صعدة، شم التراب عرق السماء، وفي السهل تدخل تهامة ولون الطين يشبه جلدك، والزرع يشعرك بالأمان والشبع والإرتواء، والأرض براح على مدّ البصر، وفي حضرموت السهل نخيل وناطحات سحاب، وفي مأرب والجوف مستقبل بلدة طيبة ورب غفور.
اليمن دولة على بحرين ومافيش من يطلب الله!
والتنوّع اللي في اليمن يأسرك ويحسسك إنك في تجمّع بلدان وأجناس. الأزياء مهرجان ألوان من باطلها قوس قزح اشتغل خيّاط ملابس، والوجبات كل من زار بلادنا يشبع، ويقل لزوجته إنت ماتعرفيش تطبخي، والعادات والتقاليد عندنا عمرها من عمر نوح. واللهجات عد لك عد: شوف، أبصر، أبسر، أربى، عيّن، اتمل، إرى، كلّها تعني "أنظر"، لكن مو نعمل لو أصحاب "السيلفي" بلا عيون وبلا عقول.
لما ظهر السيلفي عموماً، واعتبر أعظم اختراعات العام 2014، كانت هذه الدرّة تعيش في ألبوم حزين محد يشتي يشوف له صورة، وكان اليمنيين شعب متعب ومش طايق بعضه، وكل واحد قالب صورته على الثاني، وإذا حدث والتقط أحد لنفسه "سيلفي" في الشارع، تطلع الخلفية بائسة، والوجوه اللي تضحك وتبتسم قليلة، والجدران وسخانة، ومليانة شعارات موت وكراهية وتقتيل، وآخر مواطن فرحان بالجمهورية التقط لنفسه صورة جنب "مارد الثورة" في ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء، شوهدت نفس صورته بعد شهرين وهي معلّقة عرض زجاج سيارة حبة "لاند كروزر"، ومكتوب تحتها الله يرحمك يافلان، لقد قتلته الفوضى. وأصبحت المليشيات عنوان، ومارد الثورة تبهذل، ومحد عاد يخور يتصوّر جنبه سيلفي.
وفي مفاوضات جنيف كما في مفاوضات الكويت الآن، حقنا الطحاطيح ماراحوش يسدّوا ويتّفقوا ويقولوا والله بلادنا حلوة وطيبة ومافيهاش سخى نجعثها أكثر من كذا، إنّما راحوا يتصوّروا، ومروحين لأن اليمن بالنسبة إليهم حاجة للبيع والشراء، وبلدان الغير عندهم أنسب مكان لحفظ القوانين والتقاط صور "السيلفي".
طيب يا أصحاب "السيلفي"، عمركم شفتم بحر يعمل سيلفي مع بحر ثاني؟ لو ركّزتم شوية بس على خارطة بلادكم اللي تتفاوضوا بشأنها، بتكتشفوا بسهولة أن البحر العربي مع البحر الأحمر عملوها زمان... شفتم لما يكون في دكّان على شارعين كيف يطلب الله؟ اليمن دولة على بحرين ومافيش من يطلب الله!
شفتم يافرغ لما يكون في أرض ماسكه العالم من رقبته؟ باب المندب عنق العالم، لكن هذه الدرّة النفيسة وقعت مراراً في أيادي شوية "طراطير"، وهي الآن عليلة وليست على مايرام.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها