نقوش على جُدران مدينة
عدن
عدن سكينتي وسكني .. تحاملتُ كثيراً على نفسي حتى أتركها ... تشابكت روحي برمال شُطئانها حدّ الإندماج .. وتعايَشَت أجزائي مع حواريها وأزقتها حدّ الإفراط .. أنا لم أسكنها كمدينة بل هي سكنتني كروح ... الكثير من تفاصيل وعيي تشكّل فيها .. والكثير من مشاعر حبي ترامت على شُطئانها ... أغرقتُ كثيراً من الهموم مع غروب الشمس على جداريّات بحرها .. عايشتُ فيها أكثر الناس نُبلاً فتمازجت روحي بأرواحهم ...تعلّمتُ فيها فلسفة الحياة .. فعلّمتني الصبر حتى ألِفتُ الأكدار .. وعلّمتني الحب فلم أعُد أستسيغ أبجديّات الكراهية .. وعلّمتني البساطة حتى صار اعتزازي بالتراب أكثر من اعتزازي بالديباج والحرير .. منحتني سكينة العيش .. ووزّعتني في كل أرجاء الوطن .. غيّرت من ملامح طيشي حين كان الطيش في بعض سلوكي ... وألغت برامج العبث من حياتي إلا اليسير .. هي لا تستسيغ لغة الفرز فحضنها حضن أمٍّ كله دفئٌ وحنان ... ولكنها تصمت بألم حين تعتصر ظروف الحياة أبناءها وهم يعبثون بهدؤها ... في كل مدنها جمال .. وفي أزقتها مضامين تأريخٍ طويل ... تشمُّ روائح المجد في في ثنايا حارات وأزقة كريتر ... وتُلهمك شوارع المعلا لغة أُنس تُكسبك سعادة روح ... أما بقيّة مدنها فأريحيّة الحياة فيها لا تُوصف .. فسلامي على مُلهمتي صياغة الحرف ... ومعلّمتي أبجديات الحب .. وصانعة أُفق الطموح اللامُتناهي في داخلي ... سلامي على من سكنتني بروعة طبيعتها .. وبساطة أهلها .. سلامي على البحر وأزقة الخساف واكتوبر وأبي ذر والشيخ عثمان والتواهي والمعلا ودار سعد ومدينة الشعب والبريقة وخووووووور مكسر سلامي على عدن بكل تفاصيلها .
صنعاء
صنعاء مدينةٌ لُغتُها تختلف عن كل لغات الدّنيا هي لا تُخاطبك باسمك بل بمقامك ومكانتك .. كل شئ فيها موجود وكل شئٍ فيها مفقود ... تمنحك الأمان في كل أرجائها وتجلب لك الخوف من كل أرجاءها ... لا يهمّها من أي البقاع أتيت ولا من أي سُلالةٍ أنت !! ما يهمّها أكثر كم يختفي خلفك من العُزوةِ والقوة بأشكالها المختلفة ... صاخبة تُغري ساكنيها بجمالها وتقتلهم وهم يلهثون وراءها ... تمنحُك الكثير الكثير من طموحاتك .. وتسلبك الكثير الكثير من عزيمتك ... تشعرُ أنك سكنتها ولكن في الحقيقة أنّ شعورك وهمٌ تكتشفه حينما تحلٌّ عليك ضائقةٌ تٌصادر عليك تلك السكينة ... الكلُّ فيها يعمل والكل فيها يشتكي .. تسلبك بعض التواضع وتمنحك زخةٌ من الغرور والكبرياء .. تٌجيدُ العزف الشجيّ وتألف الصراخ اللامُتناغم .. لا تمنحُك الفرصة لأن تألف فيها أحد لأنها لا تستسيغ دموع الفراق ولا تتراقص على نغمات الفرح .. موغلةٌ في التأريخ وموغلةٌ في الحداثة ... الكل يشتهي السفر إليها حينما تنبسط أسارير وجهها !! والكل يشتهي مُغادرتها حينما تبدو كالحة .. فيها دفئٌ غريب وفيها نفورٌ أغرب .. لكنها رغم كل عبثها وسطوتها تبقى مهوى أفئدة كل اليمنيين لأنّ فيها تُقضى حوائجهم .!!!
شبوة
مررتُ على شبوة أبحث فيها عن بقايا تأريخ أستلهمُ منه قصة حضارة فوجدتُّها بكل تفاصيلها تأريخٌ مكتمل ... عندما تدخل عتق تشعر أنها تتجاذبك من كل مكان لتُعطيك دروسٌ في النُّبل والشهامة ... شبوة في صحراءها اتساعاً كقلوب أبناءها وفي جبالها شموخاً كأنوف رجالها ... لا تتركك لحضة لتشعر فيها انك غريب لأنّ الكل يلتفُّ حولك ويحتفي بك كاحتفاء السماء بنجومها ... استوقفتني لحظة تلك التجاعيد التي خطها الزمن في وجه شبواني مُسنّ حاولت أستقرئ فيها بعض تفاصيل الزمن القديم فوجدتُّ مخزون من الكفاح والصبر والإصرار للحفاظ على المروءة المُكتنزة في قيم أولئك النبلاء .. الكرم عندهم سجيّة .. والإبتسامة في سلوكهم مذهب .. والبساطة تيجان عمائم على رؤسهم ... أعتزّ كثيرا ببعض انتماءٍ إليها ... أشعر بالغِبطةِ والسرور كلما مررتُ بذكرياتٍ جمعتني ببعض أبناءها الذين عايشتهم وخبِرتُ معادنهم وتقاسمتُ معهم العيش الهنيّ في كثيرٍ من اللحظات .. منحتهم كثيراً من الحب ومنحوني كثيراً من الوفاء .. فسلامي على شبوة بكل تفاصيل روعتها وروعة ابناءها ... وسلامي على احبتي فيها أينما كانو ا ومن اي القبائل تحدروا فهم تُراثٌ وثروة لا تُقدر بكنوز الدنيا .
حضرموت
لم أكن جديداً على حضرموت فقد عشتها بكل تفاصيلها مع من عايشت من أبناءها خلال 14 سنة .. تمنحك الكثير من البساطة وتسلبك بعض الطيش لتجعلك مسكوناً بالسكينه مُحاطاً بمسحة جمالٍ هادئ تترصده عيون الآخرين من خلال مشيتك وملبسك ... لا شئ في حضرموت يُوحي بالصخب فالكل هنا يُمارس طقوس الحياة بكل هدوء ... مسحة التصوّف طاغية في سلوك الحضرمي حتى ولو لم يكن متصوّفا ... جديرٌ بهذا الحضرمي أن يكون سفيراً للإسلام إلى الشعوب الأخرى حينما تنصبغ حياته بقيم الإسلام ومبادئه ... تسحرك المكلاّ حينما تقف على شواطئها لترى محاولات البحر لإثارة الصخبِ فيها دون جدوى ... هي ساكنة مسكونةٌ بشجون الزمن وطموح الإغتراب الذي تشبّعت به روح الحضرمي الذي تعايشَ كثيراً مع السفر والترحال على قاعدة المثل القائل ( بلادكَ حيث ما تُرزق ) لأنك لو سألت أي بُقعةٍ في الأرض عن حضرمي ستُجيبك بكل طلاقة لأنها تعرفه كابراً عن كابر ... وحينما تسيح إلى وادي حضرموت تنتابك كثيرٌ من الشجون على الزمن القديم ... ففي هذا الوادي الفسيح ما زالت النخلة معلم للحياة وما زال الإنسان فيه مختزن للكثير من الموروث مُحافظا على أصالة الماضي حتى وإن حوصر ببعض مظاهر التحضر الزائفه ... ما زالت العزيمة في نفس الحضرمي متوقده ،، الصعاب لا توقفه ،، والظروف لا تسلبه سكونه الدائم إلا ما ندر ... في وادي حضرموت مخزون حضارة وتُراث أمّة ومجدٌ يتناسل مُنذُ أبو العلاء الحضرمي وحتى اليوم ... شبام شموخٌ وتاريخ .. وتريم مآذنٌ وتراتيل .. وسيئون سلطنةٌ وسُلطان ... فسلامي على حضرموت وأهلها ومجدها وتراثاها ..
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها