اصوات ما قبل الرحيل !!
لطالما قلت بان المشكلة أكبر من ان تختزل بسحب موقع عسكري مرابط هنا أو إعادة فصيلة جُند الى ثكناتها بعد ان صارت مهمتها قاصرة على تسليط فوهاتها ورصاصها وعدسات مراقبتها على السكان القاطنين وعلى حرياتهم وحياتهم الاعتيادية التي باتت مكبلة ومنتهكة جراء ذلكم الانتشار العبثي الكثيف للعسكر وللعتاد .
حسنا ؛ لقد انسحب العسكر وعتادهم ومن أغلب الاماكن الحساسة التي تموضعت فيها مذ حرب صيف 94م او بعدها ، فهل توقف مسلسل العبث أم استمرت وتيرته ؟ فبرغم انتفاء مبرره المتمثل بعسكرة الاحياء والقرى والطرقات والجبال ؛ إلا أن الايام القليلة الفارطة سُمعت فيها لعلعة البنادق وكذا عودة الانفجارات الكبيرة ثانية وبعيد مدة ليست بقصيرة على أخر هذه الانفجارات المدوية في فضاء مدينة الضالع .
كيف عادت لغة البارود ؟ ولمصلحة من زعزعة السكينة العامة ؟ وما الهدف الحقيقي الكامن وراء نشر الخوف والهلع بين الاطفال والنساء والشيوخ والمسافرين والوافدين والقاطنين ؟ فجأة ودونما مقدمات او اسباب منطقية وموضوعية صرنا نتحدث عن اعمال بلطجة ، وحرابة ، واطلاق رصاص لمجرد اقلاق السكينة .
فجماعة مسلحة تستولي على سيارة سالك طريق وتحت تهديد السلاح ، وأخرى تقتل او تسلب أو تغلق مرفق عام أو تهدد أو تخطف أو تقتحم أو تبسط يدها على حق عام أو تفرض إتاوة او او من الاعمال المخجلة والمخزية التي صارت هذه الايام افعال بطولية ونضالية تستوجب التباهي والزهو بها لا مثلما نظن بطأطأة الرأس ونكص هامات الرجال .
ما أعلمه هو ان انسحاب المواقع العسكرية لم يكن تحت ضغط وتأثير المواجهات المسلحة الاخيرة في قرية الجليلة ، فلو أن سحب هذه المواقع كان امتثالا لتلكم المأساة المروعة ، وبناء على مقترح اللجنة العسكرية ؛ لكانت هذه كتائب اللواء جميعها قد تركت الضالع ، وانتقلت الى مكان أخر ، نظرا لحجم الصدامات المتكررة بين الجيش والمواطنين أو الحركات المتمنطقة السلاح .
فيكفي القول هنا الى ان اول مواجهة وقعت في سبتمبر 95م ، مرورا بأحداث منطقة زبيد يونيو 98م اثر مقتل محمد الزبيدي برصاص جنود النقطة العسكرية ، وما تلاها من سنوات حفلت بمواجهات مسلحة في جحاف والازارق والجليلة ومدينة الضالع وغيرها من الحوادث المؤسفة ، فرغم عنفوانها وقرابينها وكلفتها واثرها البالغ والشديد إلا ان أيا منها لم يستطع تحريك جنديا من موضعه أو يزيل موقعا من مكانه .
على هذا الاساس يمكن القول بانه ولولا ثورة الشباب ، وما احدثته من متغير سياسي وعسكري ؛ لما عادت مصفحة لمعسكر أو تخلى جنرال عن مساحة يعدها ضمن عقاراته المملوكة له، فالحال يؤكد ان الظرفية الثورية التي اطاحت برأس النظام ورموزه النافذين – منهم بالطبع قائد اللواء 35مدرع – كان ان افرزت وضعا سياسيا وعسكريا ووطنيا مغاير لتلكم الوضعية السابقة .
فمن النتائج الايجابية لهذا التحول الحاصل الذي ربما عده البعض نسبيا وهامشيا لا يرتقي لمصاف المشكلة الجنوبية عامة ، ومع ذلك اعتبر نقل اللواء والمواقع العسكرية خطوة جيدة لطالما ظلت عصية التحقق في ظل النظام العائلي القبلي ، فيكفي الاشارة الى ان الانسحاب تم بموجب مقترح قدمته اللجنة العسكرية الى وزارة الدفاع والرئاسة ، بمعنى أخر انه ولأول مرة يكون مصير هذه المواقع رهن مقترح او قرار من لجنة عسكرية الى رئاسة الجمهورية .
شخصيا أفسر ما يجري هذه الايام على انه مجرد اعمال صبيانية طائشة تريد من خلال هذه التصرفات اثبات كما ولو انها هي من أجبر قوات الجيش على مغادرة مواقعها ، او العكس – ايضا – إذ انها تفعل ما تفعله بقصد خلق وضعية متوترة من شأنها تبرير تموضع قوات الجيش خلال السنوات المنصرمة كما وتوفر هذه الافعال الخارجة عن النظام فرصة مؤاتيه لإعادة انتشار المواقع ، هذا اذا استثنينا خطأ وجودها وفعلها فكلاهما سيكون له الآن ما يبررهما .
إما ما يقلقني فهو ان تكون هذه الانفجارات المتتالية وكذا زخات الرصاص التي بتنا نسمعها بين وقت وأخر ليست سوى محاولة بائسة لإثبات ممانعة فصيل سياسي بعينه ودون سواه من بقية المكونات الجنوبية التي قررت المشاركة في الحوار أو بمقاطعته سلميا ، ارجو ان يكون كلامي هذا مجرد تكهن او تنبؤ يفتقر للدليل والموضوعية .
نعم أخشى ان تكون هذه التفجيرات والاغتيالات والاختطافات وسيلة يراد بها تحقيق مآرب سياسية أقلها ايصال رسالة للمتحاورين مفادها لفت انتباه الجميع الى مقاطعة فصيل مهم وله كلمته ايضا ، أيا يكن الامر ففي حال لجأ هذا الفصيل او ذاك الى لغة العنف والسلاح ؛ فبكل تأكيد لن يستطع وقف عجلة التاريخ او اعادتها للخلف ، إنه في هذه الحالة أشبه بالبجعة التي شارفت على الموت ، فالبجعة قبل نفوقها تطلق ترنيمة أخيرة ، الانفجارات المدوية لا احسبها دلالة حيوية ووجود وتأثير ؛ بقدر ما هي برهان لحالة احتضار واعلان وفاة .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها