عامكم مبارك ونقش في صخور التخلف
كل عام وأنتم أيها القراء الأعزاء بألف ألف خير وكل عام وشعبنا اليمني في حال أفضل وينعم بالحرية والكرامة ووطننا في أمن واستقرار وتنمية.
احترت في الموضوع الذي سأفتتح به العام الجديد وهو الثاني لي في هذه الصحيفة الغالية على قلوبنا كيمنيين, اسماً ومؤسسة, ودولة ونظاماً, ورأيت أنه لا بد أن تكون البداية تتفق مع حكمة تعلمتها صغيراً عند “فقي قريتنا” - رحمة الله عليه - قبل التحاقي بالمدرسة وهي: أن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
فمنذ فترة يُلِح على تفكيري رأي أجده مهماً وأقدمه كمقترح, لعل وعسى أن ننقش في صخر الظلام الحالك مستقبل وطننا المشرق ونحفر في الجدار لنفتح للنور ثغرة فيه ـ كما قال شاعرنا الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح مد الله في عمره,ـ أو متنا على وجه الجدار.
فمع كثرة الحديث عن الهيكلة للجيش وأجهزة الشرطة, هناك آخرون يتحدثون عن هيكلة للأحزاب والمنظمات والقطاع الخاص والثقافة والممارسات والاجراءات والسلوكيات, لكن الجميع غافلون أو غير مهتمين بالأساس لكل شيء في حياتنا وهو التعليم, سواء التعليم الأساسي والثانوي أو الفني والتدريب المهني أو الجامعي.
ومن هنا أرى ضرورة أن يهتم من سيتحاورون في مؤتمر الحوار الوطني ليس فقط بمصلحة شئون القبائل والجيش والشرطة وشكل الدولة ونوع نظامها السياسي والانتخابي وهويتها وغيره، بل بأمر هو عندي وفي اشتراطات التغيير والتنمية أهم.
ما اقترحه هنا هو إعادة النظر في شكل الدولة ونظامها السياسي على أساس هيكلة الوزارات والحكومة ووضع التربية والتعليم كوزارة للوزارات كلها, بحيث يكون رئيس الحكومة وزيراً للتربية والتعليم إذا كان نظام البلاد برلمانياً, ولو كان رئاسياً يشغر رئيس الدولة وزارة التربية وليس ضرورياً توليه قيادة القوات المسلحة كضرورة أن يقود العملية التعليمية بصورة مباشرة.
لم ابنِ رغبتي هذه إلا على حقيقة يرددها كثيراً خبراء التنمية والاقتصاد والاجتماع والإدارة وحتى السياسة بأن التعليم هو أساس كل شيء, وانطلاقاً منه قاد عظيم ماليزيا البروفسور مهاتير محمد بلده من مستنقع التخلف وذيل الأمم إلى ماوصلت إليه من حال نتباهى به ونتحسر على وطننا الغالي لأجله.
فالتعليم يعد أساساً لاحتياجات مختلف المجالات ورافداً لكل الوزارات, فهو ضروري للصناعة والتجارة والمالية والإعلام والدفاع والداخلية والعدل والاتصالات والنقل والخارجية والتخطيط والمياه والصحة والثروة السمكية والكهرباء والسياحة وهكذا.
ولأن البلاد شهدت ثورة لازالت مستمرة وغيرت الكثير في حياة الناس وتفكيرهم وقناعاتهم وسلوكياتهم وثقافتهم, وليس فقط اسم رئيس دولتهم وشكل نظامهم السياسي, فيتوجب أن تتحول مهمة إنجاز الثورة الحقيقية إلى أهم قطاع وأم الوزارات ومصنع كل الاحتياجات لقيام دولة مدنية حديثة وتحقيق تنمية مستدامة.
فقطاع التعليم ليس بحاجة فقط لثورة موظفين ضد الفساد الإداري, وليس بحاجة فقط لانقلاب تقني وتنموي وعصري ضد البيروقراطية المملة وحالة الترهل التي تحكمه ابتداءً من ديوان الوزارة وقطاعاتها المختلفة ومؤسساتها المتنوعة، مروراً بمكاتب المحافظات والمديريات وانتهاءً بالمدارس والفصول.
هو بحاجة لثورة تقتلع الفشل والفساد والتخلف والجهل والأمية من الجذور وتعيد صياغة فلسفة التعليم واستراتيجياته وآلياته ووسائله وتؤسس لعملية تعليمية تتفق مع تطورات العصر واحتياجاته وتتواكب مع ماوصل إليه العالم من تقدم تكنولوجي وأسلوبي, بالتزامن مع وجود إرادة سياسية وإجتماعية ينتفض لأجلها كل أبناء الوطن لإنجاز هذه الثورة التعليمية المنشودة.
وقبل ذلك, نحن بحاجة لنية خالصة وإرادة حقيقية لدى كل قوى المجتمع السياسية والاجتماعية لإنجاز هذه الثورة وإبعاد محاضن التربية والتعليم وأدواتها عن الصراع الحزبي والتنافس السياسي, ولكلٍ حزبه والتعليم لليمن الجديد الذي ننشده ونناضل لأجل تأسيسه.
يتوجب أن تتحول هذه المحاضن التعليمية والتربوية إلى ورش تأهيلية وتدريبية للتخلص من الأمية الأبجدية أولاً ولتلبية احتياجات سوق العمل المحلي والاقليمي ومؤسسات الدولة من جانب علمي وتقني.
وأيضاً, تكون ورش للتأهيل والتدريب سياسياً وإجتماعياً لتحفيز الناس على المشاركة السياسية والاجتماعية بما يحفز على التفكير والابداع والتميز واتخاذ القرارات ويعزز قيم الحوار والتسامح والتطوع وخدمة الوطن والمجتمع والالتزام بالنظام والقانون ونبذ التعصب والعنف والثأر والانتقام.
أجدها أحلاماً بعيدة المنال ومستحيلة التحقيق في ظل ما وصل إليه حال التعليم في بلادنا وما تعانيه اليمن عامة من أوضاع إقتصادية وإجتماعية وسياسية, لكن إذا وجدت النية وتوفرت الإرادة وبذلنا الأسباب, فليس ذلك على الله ببعيد, وهو ربنا الغفور الذي لن يخذل وطناً وصفه في محكم آياته بأنه “بلدة طيبة”.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها