وجهة نظر في حل مجالس المقاومة والعمل مع الدولة العميقة
كنت سأقف بشدة مع قرار حل وتفكيك مجالس المقاومة في عدن، واندماج عناصرها ضمن الجهاز المدني للدولة، لو أن عملية التغيير في عدن تمت بصورة جذرية، وطالت الأجهزة المدنية، والمجالس المحلية، التي يتمتع فيها الرئيس المخلوع وجماعاته بنفوذ كبير جدا.
كان سيكون ذلك قرارا صائبا وتاريخيا في الطريق إلى إنشاء جهاز مدني جديد، وإيجاد أدوات وطنية، تمكن محافظ المحافظة العميد عيدروس الزبيدي قائد المقاومة العمل من خلالها،لكن أن يتم حل وتفكيك مجالس المقاومة، والاندماج في جهاز إداري ومدني يسيطر عليه المخلوع وأدواته، دون توضيح أسس وشروط هذا الاندماج، فهذه مسالة فيها نظر وتحتاج إلى التوقف أمامها من خلال عدد من النقاط.
-أولا:العمل من خلال الأجهزة المدنية، والمجالس المحلية، التي يتمتع فيها الرئيس السابق وعصابته بنفوذ كبير جدا (الدولة العميقة) دون حدوث أي تغيير ملموس، لن يساهم في عملية التغيير التي تنشدها قيادات المقاومة وأنصارها وأبناء عدن، بل سيؤدي إلى إعاقة أي عمل يهدف إلى التغيير، وتحسين الأوضاع في المدينة، وسيجد محافظ المحافظة ومدير أمنها أنفسهم يدورون في حلقة مفرغة من الفشل والإخفاق.
-ثانيا:وجود مجالس مقاومة وطنية، تمارس عمل مدني في مختلف المجالات، سوف تكون بمثابة أداة موازية لأجهزة الدولة العميقة والمعيقة، وسوف تساعد قيادة المحافظة في القيام بمهامها، انطلاقا من المسؤولية النضالية والوطنية، التي تجمعهم، وحرصا على إحداث التغيير الملموس في الواقع العام.
-ثالثا:انتهاء العملية العسكرية وطرد المليشيات من عدن لا يعني انتهاء المعركة، بل بالعكس هناك معركة كبيرة على المقاومة أن تخوضها من اجل تطبيع الأوضاع، وإعادة الحياة للمدينة، وهي معركة أصعب بكثير من المعركة العسكرية، والشهور الخمسة الماضية من تحرير عدن كشفت عن ذلك.
لهذا لا يمكن لقيادة المحافظة أن تقود هذه المعركة، وتنجح فيها من خلال أدوات الدولة العميقة، وإنما من خلال أدوات وطنية جديدة، وهيئات ومجالس موازية، تمتلك القدرة والخبرة للعمل في مختلف المجالات، وتحت كل الظروف، تحت قيادة وإشراف محافظ المحافظة، إلى أن يتم التغيير التدريجي المطلوب، وبصورة طبيعية إما ستجد هذه المجالس الوطنية نفسها تندمج داخل الجهاز المدني للدولة، وإما سيعلن انتهاء مهمتها وحلها بعد النجاح في معركة التغيير.
رابعا:إن من يقف خلف فكرة تفكيك مجالس المقاومة وحلها بهذه الصورة التعسفية، يريد لقيادة السلطة المحلية العمل بصورة أو بأخرى من خلال أجهزة الدولة العميقة، التي يتمتع فيها الرئيس المخلوع وجماعته بنفوذ كبير جدا، حتى وان لم يفصح عن ذلك، وقد تم التمهيد لهذه الخطوة، بعدد من الممارسات والسلوكيات الخاطئة المتعمدة، التي استهدفت المقاومة عبر الاختراق والتشويه، لإحراقها أمام الناس، ومن ثم اتخاذ قرار بحلها وتفكيكها فيما بعد.
-خامسا:وجود مجالس المقاومة، والاستعانة بها في عملية التغيير، لا يعني تفكيك أو تسريح أجهزة الدولة القائمة، أو تعطيل عملها إذا ما تزال تعمل بصورة إيجابية، وإنما ستكون عامل مساعد ومهم لها، في رفد وغربلة و تعزيز اكتمال عملية التغيير المنشود.
سادسا:هناك تشابه كبير بين ما حدث عقب ثورة 11فبراير 2011 وبين ما يحدث اليوم،ففي التسوية التي اعقبت ثورة فبراير تخلى تحالف اللقاء المشترك عن الثورة ومؤسساتها، وذهب لتشكيل حكومة وفاق وطني أراد من خلالها الانصهار داخل مؤسسات الدولة، ولكنه اصطدم بالدولة العميقة، التي أعاقت عمل حكومة الوفاق وسعت إلى إفشالها بكل الوسائل، ونجحت في ذلك، بينما كانت تمهد لثورة مضادة، جاءت في صورة الانقلاب العسكري، الذي قاده تحالف الحرب صالح والحوثي، بمساعدة أجهزة ومؤسسات الدولة العميقة.
وهو نفس السيناريو الذي يخطط له اليوم، من خلال حل وتفكيك مجالس المقاومة الوطنية، وإعلان الاندماج بصورة غير واضحة، تحت قيادة رئيس الجمهورية ومحافظ عدن، وهي خطوة حق يراد بها باطل،إذ أن هذا الاندماج يتم بدون عنوان أو إطار وطني واضح، وبالتالي سيؤدي إلى إفقاد رئيس الجمهورية ومحافظ المحافظة أداة نضالية وطنية ومدنية مهمة، يمكنها أن تساعدهم للعمل على تعزيز استعادة الحياة في عدن، ومواجهة التهديدات العسكرية للمليشيات التي ما تزال ما ثلة على تخوم مدينة عدن،ومواجهة أدوات الدولة العميقة وتحالفاتها، التي لا ينبغي الاطمئنان لها في هذه المرحلة بالذات، والتي لا أخالها ستستسلم بسهولة لعملية التغيير المطلوبة.
سابعا:الرئيس عبدربه منصور هادي يعتمد اعتمادا كبيرا على أدوات الدولة العميقة، في إدارة شئون السلطة، معتقدا انه يستطيع أن يطوعها لصالحه، ولا نعتقد انه نجح في ذلك منذ تولى الرئاسة قبل نحو أربع سنوات، فهو لم ينجح على تطويعها في صنعاء، والى حد الآن يفشل في عدن، لأن ولاء هذه الأدوات في معظمها ليست له بكل تأكيد، وما حدث أثناء الانقلاب عليه في صنعاء، ثم أثناء شن الحرب، وتخلي معظم هذه الأدوات عنه بصورة واضحة، دليل على ذلك .
ولا توجد لديه أدوات موازية مقبولة، يستطيع العمل من خلالها، والظهور بمظهر يطمئن اليمنيين ويعيد لهم الأمل،ومن يقوم بتعيينهم من خارج عناصر الدولة العميقة، في مناصب إدارية وتنفيذية، يضعهم في مواجهة أدوات الدولة العميقة، التي ترفض وتقاوم عملية التغيير، ولا يقدم لهم أية مساعدة، والمحافظ الشهيد جعفر محمد سعد نموذجا على ذلك.
ثامنا:إن القيام بتدريب عناصر من المقاومة الشعبية، وإدماجهم في الجيش الوطني، وإدخالهم للخدمة لحماية مدينة عدن، خطوة في الطريق الصحيح،ويبقى إيجاد قيادة وطنية موحدة، تكون مسئولة على هذه القوة وتشرف عليها، ومنع تعدد القيادات والرؤوس والولاءات،ويسند لهذه القوة مهام حماية عدن، والدفاع عنها في وجه أي تهديد، ومنع حمل السلاح، واحتكار القوة والعنف،بحيث تكون هذه القيادة الوطنية هي المرجعية الوحيدة لهذه القوة العسكرية والأمنية، التي ستكون بالطبع مسئولة أمام رئيس الجمهورية، وتحت إشراف قوات التحالف.
إذا ما تشكلت هذه المؤسسة العسكرية والأمنية، سيكون لا حاجة لوجود جماعات تحمل السلاح خارج إطار الدولة، حتى وإن كانت تنتمي للمقاومة، وتأتمر بأمر قياداتها الوطنية المعروفة،ما بالك بالجماعات الفوضوية الخارجة عن القانون، والتي ينبغي مواجهتها بحزم وبيد من حديد.
تاسعا:في حال تشكلت هذه القوة أو المؤسسة وأصبحت أمرا واقعا، فإنه لا ينبغي حل وتفكيك مجالس المقاومة الشعبية، لأن وظيفة هذه المجالس ليست عسكرية تحديدا، وإنما وظيفة مدنية بدرجة رئيسية، وإن بقاءها كما أسلفنا ضروري ومهم في هذه المرحلة للمساهمة في اكتمال عملية التغيير، والقيام ببعض وظائف الدولة المعطلة، كما يحدث عادة في عمليات التحول السياسي التي ترافق الثورات أو الانتفاضات الشعبية، وتكون الدولة غير قادرة على القيام بوظائفها، إما بسبب الضعف، أو بسبب المعوقات والصعوبات، التي تفتعلها أدوات الدولة العميقة (الأنظمة السابقة).
فضلا عن ذلك فإن مجالس المقاومة الشعبية الوطنية، مهمة أيضا في حالات التعبئة والحشد الجماهيري، لاسيما حينما يكون التهديد ما يزال قائما من قبل القوى المعادية، وهو الأمر الذي ما تزال تحتاجه عدن حاليا.
عاشرا:ما نرى أهمية القيام به هو توحيد مجالس المقاومة المتعددة في مجلس واحد، أو مجلسين على الأقل، لا حلها وتفكيكها، على أن تشكل لهما قيادة وطنية، من داخل المقاومة، ليس بصفتها العسكرية والأمنية فحسب، إن دعت الحاجة لذلك، وإنما السياسية والإعلامية والمدنية أيضا، إما بطريق التزكية أو الانتخاب،وتكون عامل مساعد لرئيس الجمهورية والمحافظ، في استكمال عملية التغيير والتحول، بصورة تنافسية وإيجابية.
ولا يتوقف الأمر عند مجالس المقاومة فقط، بل إنه يفترض بمنظمات المجتمع المدني بما فيها الأحزاب، أن تسارع أيضا إلى تشكيل مجالس وهيئات مدنية وشعبية، للقيام بدورها المنوط في استكمال عملية التغيير، ومساعدة مؤسسات الدولة على القيام بوظائفها في خدمة الناس،ومساعدة قيادة الدولة والسلطة المحلية، على تجاوز المعوقات والصعوبات التي تفتعلها الدولة العميقة،فعملية التغيير مسئولية جماعية ومجتمعية، وهذا سيكون أفضل وأجدى من المناكفات السياسية والإعلامية التي تهدم أكثر مما تبني.
وعودة على بدء فإنه يمكن الاستنتاج على أنه لا يمكن لقيادة الدولة، والسلطة المحلية في عدن وغيرها من المحافظات المحررة، العمل والنجاح من خلال أدوات الدولة العميقة، التي تقاوم التغيير والتحول بكل الوسائل الظاهرة والخفية،وأنه في هذه المرحلة المبكرة من عملية التغيير والتحول،عادة ما يستعين القادة بأدوات بديلة وموازية، لفرض نهج وسلوك تغييري جديد، لكبح وإضعاف الدولة الفاسدة و العميقة، وتطمين الجماهير، التي يتم استقطابها على هذا النحو فيما بعد، لصالح عملية التغيير والتحول الجديدة التي تشهدها البلاد.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها