لا إكـراه في الوحـدة و الانفـصال ليس حـلاً
مما لا شك فيه أن الرئيس السابق وبقية نظامه كانوا سببا رئيساً في تخلق ’’ القضية الجنوبية ’’ وما صحبها من تداعيات على صعيد الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، وانتشار ثقافة الكراهية المولدة للنزعات الجهوية والمشاريع الصغيرة.
لذا يمكن القول أن زوال نظام صالح يفضي تلقائياً إلى معالجة القضية الجنوبية ومختلف الأزمات الوطنية حال صدقت النوايا وتعززت عوامل الثقة بين الأطراف السياسية والاجتماعية المعنية، وقد كان واضحاً في الأشهر الأولى للثورة الشبابية أن الوحدة الوطنية عاشت أبهى تجلياتها في عدن وحضرموت كما في تعز وصعدة وصنعاء، حتى صرح البعض بأنه لم يعد هناك ’’ قضية جنوبية ’’ في ظل التوافق الشعبي على الإطاحة بالنظام السابق.
افتقرت هذه النتيجة المشوبة بالعاطفة الثورية إلى الكياسة السياسية، وكان من نتائجها أن توجست بعض قوى الحراك من تغييب القضية الجنوبية في المشهد الثوري، وترحيلها من اتفاق التسوية السياسية إلى أجندة الحوار الوطني الذي ما يزال الفرصة السانحة للنظر في واقع الوحدة اليمنية ومستقبل الدولة اليمنية المدنية.
وبحسب المشاورات الأخيرة التي أجرتها لجنة الاتصال الرئاسية المعنية بالتهيئة للحوار الوطني برزت أطراف الحراك الجنوبي منقسمة على نفسها وغير مستعدة للدخول في الحوار، ومن أعلن منها عن استعداده للحوار وضع شروطاً قد تكون تعجيزية، في حالة تفتقر للإرادة السياسية التي يجب توافرها في حاملي لواء القضية الجنوبية.
لقد كان اللقاء المشترك في خضم الثورة الحامل السياسي لإرادة التغيير، وبرغم ضغط الجمهور الثوري الغاضب إلا أن قيادات المشترك تحملت ولا تزال مسئوليتها فيما يتعلق باتفاق التسوية والتوقيع على المبادرة الخليجية، ما أكد للداخل والخارج أن المعارضة اليمنية هي الأقدر على تحمل مسئولية مستقبل البلاد.
ومطلوب من الحراك الجنوبي أن يتعلم من تجربة المشترك، بدلاً من التماهي مع المزاج الشعبي الذي بات رافضاً لدولة مركزها في الشمال حتى لا أقول أنه رافض لكل شيء ذي صلة بأهل الشمال.
وإذ كنت – و ما زلت – من أنصار القضية الجنوبية و مظلومية أهلنا في محافظات الجنوب، ومع الحل السياسي لهذه القضية حتى وإن أدت إلى فك الارتباط، إلا أنه لا بد من المصارحة بعض الشيء مع قيادات الحراك حتى لا تبدو المقارنة بين الشمال والجنوب وكأن الطرف الشمالي الشيطان في هذه المعادلة.
لقد وقع الظلم على الجنوب منذ حرب صيف 1994 وما تلاها من سياسات تهميش وإقصاء وصلت حداً لا يطاق، إلا أن المسئولية تقع بدرجة رئيسة على النظام السابق والقوى الشريكة في الحرب وليس على الشمال ككل، علما أن كثيراً من قيادات الجنوب هم من شركاء الحرب، ويتحملون جزءاً من مسئولية الحالة التي وصلت إليها الوحدة اليوم.
ربما افتقرت بعض قيادات الجنوب للألاعيب التي أجادها صالح و زمرته، لكن أغلب من يتباكى اليوم على الوحدة وعلى الجنوب كانوا غارقين في عسل النظام السابق دونما مسئولية وطنية تجاه معاناة الشعب اليمني ككل، وقد أعادوا صياغة دولة الوحدة بالشراكة مع نظام الشمال، وبعيداً عن النرجسية الزائدة، فإن أهم أطراف العملية السياسية اليوم مسئولون وإن بدرجات متفاوتة عن واقع الوحدة اليمنية، وهم مسئولون اليوم أيضاً عن مصير الدولة المدنية التي ثار شباب اليمن من صعدة إلى المهرة حتى يرونها واقعاً ماثلاً في واقعهم المعاش، ومن المهم أن تتوافق هذه القوى مع الأطراف المدعوة للحوار على رؤية مستقبلية تحت سقف المصلحة العامة التي لا مكان فيها للأهواء أو الهويات الصغرى.
ولن يتأتى للحوار النجاح المطلوب إذا استمرت أطراف الحراك الجنوبي على انقسامها وهي تزايد على بعضها البعض، ومع احترامنا لعدد من القيادات السياسية للحراك السياسية إلا أن ماضيهم لا يوحي بالثقة في صوابية رؤاهم ومواقفهم السياسية، وإن ظنوا عكس ذلك فهم واهمون بلا شك.
القضية الجنوبية تكتسب صدقيتها ومشروعيتها من معاناة أبناء الجنوب، وليس من ألاعيب قيادات الحراك، ولذا فإن أنصاف الحلول بالنسبة للقضية الجنوبية لن يكون مجدياً.
ما يؤسف له أن المعتدلين من قيادات الحراك يبحثون عن انفصال مغلف، ولا يبدو أنهم جادون في دعم الوحدة القائمة، وهم بذلك إنما يستجيبون لمشاعر السخط الشعبي في الجنوب دون مراعاة للمصلحة الجنوبية ذاتها.
لا إكراه في الوحدة..هذا مدخل من المهم التوافق الوطني حوله ونحن نبحث عن معالجة سياسية واقتصادية واجتماعية بل ونفسية للقضية الجنوبية، فمن حق أبناء الجنوب تقرير مصير الوحدة ودولتها القائمة.
لكن هل سيكون الانفصال حلاً للجنوب؟
أيضاً من المهم أن يكون هذا السؤال حاضراً في أذهان النخبة السياسية الجنوبية بعيداً عن ضغط المزاج الشعبي.
ويبقى خيار الفيدرالية من ثلاثة إلى خمسة أقاليم هو الأصلح – من وجهة نظري- لبناء الدولة اليمنية الواحدة بعيداً عن التسلط المركزي الذي كان ولا يزال السبب في فشل كل تجارب الوحدة اليمنية عبر التاريخ.