يابنت الكولونيل
"يابنت الكلونيل" كانت ضمن باقة اغاني صديقي طاهر بصيص الهلالي من الجزائر ، الأغنية تتحدث عن الجزائري الذي عشق ابنة عقيد في الجيش الفرنسي أيام احتلال فرنسا للجزائر وهي تحكي قصة حب حقيقية، كان العزيز طاهر يستمع للكلمات بالفرنسية فهو يجيد الفرنسية بطلاقة،ولم يكن أمامي سوى الحسد ،والمزيد من النكات والمقالب التي أفعلها فيه على طول الخط.
طريقة طاهر في التفكير كانت فلسفية راقية، ونقاشة يأخذ طابع البحث العلمي ، ومن الطبيعي ان يكون كذلك فطريقة التفكير عند المغاربة تختلف عن طريقة التفكير عندنا نحن المشارقة، يعلمني طاهر طباخة الفول الأخضر، فاجيده أفضل منه فيستغرب ولا يعلم ان السر يكمن في الوقت الطويل والنار الهادئة ونوعية البهارات المنتقاة، كنت اتي به في الوسط بين الزملاء والزميلات في جلسة غداء في مطعم الساعة بشارع المنصور بغداد سنة 2002، وأسأله ايش أفضل أكل في الجزائر، فيقول "الكسكسي" فيضحك "ربعنا" وطاهر لا يعلم لما الضحك! انها طريقة التفكير يا صديقي التي تحدثت عنها اعلاه فقط.
كان تأثير التعليم الفرنسي واضحا على صديقي الذي حصل على الدكتوراه في 2008 من القاهرة، التي التقيته فيها وانا اتسكع في لياليها المشبعة بالسهر والتجوال بالصدفة، وبصوت مرتفع في مقهى شعبي قضينا ليلة لم نكن قد رتبنا لها من قبل بعد فراق دام ست سنوات، كان صديقي الدكتور بصيص قد صقل فلسفته أكثر بينما أنا كنت بلا فلسفة واضحة المعالم إلى ذلك التاريخ.
نلعن الإستعمار ونذكره بخير فنحن شعوب لديها القابلية للاستعمار كما يقول الجزائري العظيم مالك بن نبي، لكن بالفعل للاستعمار الفرنسي بصمته في فلسفة الشعوب التي احتلها، كان الجنرال العظيم شارل ديجول مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة هو من انقذ بلده من ورطة استعمار الجزائر، واقنع الجيش والشعب الفرنسي بضرورة الخروج من مستنقع الاستعمار والفضائع التي ارتكبها جنرالاته في الجزائر.
يذكرني الجنرال ديجول بحالنا عندما غزتنا النازية الحوثية ودمرت بلدنا كما فعلت النازية الألمانية بالفرنسيين ، حينما خطب ديجول في 18 يونيو 1940 عبر بي بي سي من لندن التي هرب إليها وقاد منها المقاومة الفرنسية، قال لشعبه : "أيها الفرنسيون لقد خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب وسوف نناضل حتى نحرر بلدنا الحبيب من نير الاحتلال الجاثم على صدره".
ينظر إليه الفرنسيون أنه الأب الروحي للجمهورية الخامسة ولذا دعا الى عدم ايقاف الحرب على ألمانيا النازية، واطلق الشعارات التي الهبت قلوب الفرنسيين
ومن أشهر نداءاتة: "هذه الحرب لا تقتصر على خسارة إقليم في بلادنا، هذه الحرب لم تنته بخسارة معركة فرنسا، هذه الحرب هي حرب عالمية واسعة..... أياً كان ما سيحدث، فإن شعلة المقاومة الفرنسية لا يجب أن تنطفئ، ولن تنطفئ"
ليت الرئيس هادي يشعر الشعب انه يقود المقاومة، او يخطب او يطلق الشعارات لرفع معنويات الشعب والمقاومة، لكنه مقيد بعاداته ،وبمن احاط بهم نفسه من جماعته عديم النظر والفهم، ويبحثون في مسائل الاسترزاق لا غير.
عندما عاد الجنرال ديغول إلى قصر الاليزيه عام 1958 استقبله رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك "رينيه كوتي" بعبارة : " الآن أصبح أعظم الفرنسيين الرجل الأول في فرنسا!" وتخلى له عن السلطة طواعية، لأن فرنسا كانت بحاجة ديغول وليست بحاجة إلى كوتي، ولأن الأخير رجل دولة قدم مصلحة فرنسا على مصلحته الشخصية.
بالأمس عاشت فرنسا مأساة حقيقية واعتداءات إرهابية تبنتها داعش، وهي بنت حقيقية صنعتها مجموعة من الاستخبارات الدولية، ولا تقل داعش هذه عن النازية التي عاشتها فرنسا من قبل ، ولا تختلف لا في الشكل ولا في المضمون عن النازية الحوثية التي تقتل الناس في بلدي ببرود عجيب.
باريس الحب والفلسفة والشعر والشنزليزيه والاليزيه تألمت لأجلك كثيرا البارحة فانت تشبهين تعز مدينتي مدينة الحب والفكر والشجن والجحملية والمظفر، فداعش التي قتلت أبنائك يا باريس هي أخت الحوثية من الرضاعة، فهي تقتل مدينتي كل يوم ، شهدائك يا باريس الأبرياء المدنيون يشبهون شهداء تعز المدنيين الأبرياء، يا الله رحماك بشهداء الإنسانية هنا وهناك.
إسلام داعش وإسلام الحوثي لا يشبه إسلامنا على الإطلاق نحن الذين نغني للحب ونعيش للحياة، والإنسانية هي سقفنا جميعا بكل دياناتنا، فرنسا الحرة كما يصفها ديغول ليست دولة دينية ومعظم دولنا العربية ليست دولا دينية، ولذا صارت فرنسا قبلة للعرب المغاربة لانها دولة إنسانية، السوربون الفرنسية صارت حلم لمعظم الباحثين العرب، فمن لا يحلم بالسوربون فهو حمار.
يقفز الكثير عند حدوث أي هجمة إرهابية إلى الدفاع عن الإسلام بأنه لا علاقة له بما حدث، من اتهم الإسلام أصلا حتى يدافع عنه هذا او يحمله ذاك التهمة؟ الأديان جاءت لتصل الأرض بالسماء لا لتقتل الناس وهذا لا خلاف عليه، لكن الأديان التجارية المغشوشة التي لا يؤمن بها سوى اتباعها المعتوهون كداعش وكالحركة الحوثية هؤلاء لهم أديانهم ولنا دين جاء ليتمم مكارم الأخلاق فحسب.
وجعي عليك يا باريس لا يختلف عن وجعي عليك يا تعز وان غير القتلة اقنعتهم.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها