جيش.. سياسة.. خدمات
خدماتنا اليوم في أسوأ أوضاعها في كل مناطق البلد ولعل مانراه من تدهور مريع للخدمات في محافظة عدن يعكس هذا الواقع في كل مجالات الخدمات كانت أمنا او تعليما ، صحة ا و بنية تحتية ، إبداعا او فنونا ، وصولا الى ملفات اخرى تعني بحياة المواطن ، وكلما ازداد فشلنا في هذه المجالات الخدمية كلما لجأنا الى شطحات في الحلول حتى إدعينا في لحظة ان وهم الشركات الأمنية سيساعد في ضبط الأمن. وان التعليم الالكتروني سيحل مشكلة الغش وان الحل لمشكلة الكهرباء لن يكون الا باستخدام الطاقة النووية وهلم جر .... وتناسينا ان الخدمات هي احدى ركائز ثلاث في بناء الدول لاتقوم الدول الا بوجودها ، ولا تتطور الا بتطورها ، و في كل الدنيا اول هذه الركائز ( جيش وطني ) و ثانيها ( منظومة سياسية مقتدرة ) وثالثها( خدمات ) تقدم للمواطنين .
وإذا عدنا الى هذه الدعائم نبحث عنها سنجد صعوبات جمة تكتنف هذه الملفات الثلاث منذ عقود وعلى وجه الخصوص منذ التخلص من الإمامة والاستعمار، بل ان المشروع الوطني الذي أعطى للثوار مشروعية للخروج على الأنظمة السابقة هو من اجل بناء جيش وطني يقوم بالمهام الاساسية المناطة بالجيوش ، وهذه المهام تتمثل في حماية الدولة والحفاظ على الاستقرار .
ان مأساتنا اليوم تعطينا ادلة قاطعة اننا فشلنا فشلا ذريعا في إنجاز هذه المهمة واتضح لنا ان تجاربنا كيمنيين سواء في الشمال ا والجنوب في مجال بناء الجيش لم تكن الا اكذوبة كبرى عشناها خلال الخمسين السنة الماضية ولم نجد هذه الجيوش الا اثناء صراعاتنا تقوم بمهام غير المهام المناطة بها، عرفنا ذلك خلال مراحل الصراع المختلفة في الستينات والسبعينات والثمانينات وعشنا مراحل قاسية ونحن نرى احلامنا في الأمن والاستقرار تذهب ادراج الرياح ولعل مراجعة هادئة لمجمل الأحداث التي عشناها منذ ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر تجعلنا مجمعين على أهمية البحث عن حلول مجدية وسريعة لهذه الدعامة الاستراتيجية فنحن لازلنا نعايش اثار الصراعات التي عاشتها قواتنا المسلحة خلال العقود الماضية ، وكان في مقدمة هذه الصراعات ات الجيش بعد ثورة سبتمبر لم يتمكن من تسليم السلطة الى إدارة مدنية بينما سعى القائمون على الامر في عدن بعد الاستقلال الوطني الى تصفية القيادات العسكرية للاستيلاء على السلطة ، وفي الحالتين كان الامر مكلفا جدا، ووجد الطرفان في حرب 1972 نجاة لهما واعطاء شرعية للجيش في استمرار هروبه من اداء واجباته في حماية الأمن والاستقرار الى القيام بوظيفة الحكم مباشرة .
وكان ماكان في السبعينات من استمرارعسكرة الحياة في الشمال والجنوب بل وتوجهت بنادقناالى اشقائنا في الجزيرة والخليج وسيطرة علينا عقلية المليشيات وفقدنا كثيرا من المهارات في هذا المجال ، واستمر احتكار السلطة وعرقلة انتقالنا الى حياة مدنية عبر منظومة سياسية مقتدرة متوازنة مثلما يحدث في اكثر من مكان ، ولكن ماعايشناه نحن كان انحدارا نحو الفشل وكان نتاج هذه السياسات الخاطئة مزيدا من التطرّف في المشاريع السياسية شمالا وجنوبا وتم احتكار الحياة السياسية بشكل كامل ومنع اي مظهر من مظاهر الاستقرار السياسي والسماح بنشوء منظومة سياسية مقتدرة ، عبر التداول السلمي للسلطة والالتزام بالقوانين وتفعيل المشاركة المجتمعية في صناعة القرار .
استمر الحال على ماهو عليه بعد الوحدة رغم توفر فرص اكبر لحل هذه المعادلة بما يمكن قواتنا المسلحة من اداء وظيفتها ويساعد على نشوء طبقة سياسية عبر اعلان التعددية السياسية وممارسة حقوق الانتخاب ومشاركة مجتمعية اوسع ، ولكن ماامتلكناه من الامال لم يمنع من استمرار التدهور وبالتالي الفشل الذريع في إيجاد بدائل سياسية تجعل الجيش اكثر تفرغا لمهامه مما يتيح الفرصة للقوى السياسية في تحمل مسؤولياتها وهانحن اليوم نحصد أسوأ النتائج وعلى وجه الخصوص حين فشلوا في اداء ابسط المهام وهي حماية المواطن وخدماته ، وتجلى ذلك بشكل واضح ومهين بعد انقلاب 21سبتمبر 2014 حين تم اختطاف المؤسسة العسكرية والعبث بما هو موجود من مكونات الطبقة السياسية وتوجيه كل ذلك ضد المواطنين في مدنهم وأحيائهم وشوارعهم وتحولت الوظيفة الوطنية لهذه المؤسسات من وظيفة يدعون فيها حماية المجتمع والدفاع عنه الى قتل مباشر وتدمير مهول ولنا فيما يحدث في تعز اليوم أدمى مثال .
ونشأ عن ذلك تدهور كبير في ملف الخدمات ، واليوم نعيش نحن أسوأ هذه المراحل في هذا المجال ، والخدمات لايمكن لها ان توجد وان تتطور الا من خلال التطور الإيجابي الذي يحدث في ملف الجش والأمن وكذا ملف الادارة السياسية لان هذا التطور هو الذي يعطي الثقة للمواطن ان يبدع كل في مجاله وبالتالي تكون امام التنمية فرصة حقيقية للنهوض وحينها يدير هذا الملف المهم المرتبط بخدمات الناس الكفاءات المختصة كل في مجاله بل ان ذلك ينشأ خدمات وتنمية بتكاليف مقبولة ، لان المجتمع حينها تصله رسالة الثقة من مؤسساته العسكرية والسياسية فيقوم بدوره كأفضل مايكون ، ويسخر مدخراته من اجل التنمية وتصوروا ان عدن الذي أنتجت الطاقة في عشرينات القرن الماضي بقدرة ثلاثة وخمسة ميجاوات لو استمرت بإضافة عشرة ميجا سنويا لكانت تملك اليوم طاقة ضخمة وبأقل التكاليف ، وقس على ذلك في بقية الخدمات مماكان سيساعد على إنعاش العديد من المحافظات المجاورة بملايين البشر ويساعد على تطوير حياة الناس واستقرارهم في مدنهم وقراهم . ويعطي فرصة حقيقية متوازنة لنهضة هذه المدينة فيصل خيرها الى الجميع ويحد من هذه الهجرة المدمرة الى داخل هذه المدينة .
ان العناية بملف المؤسسة العسكرية يعتبر اليوم من الاولويات القصوى ولعل الجهد الذي بذل في مؤتمر الحوار الوطني يعطينا املا في تصحيح اوضاع هذه المؤسسة وإعادة بناء هذه الدعامة بالشكل الذي يساهم في بناء بقية مؤسسات الدولة السياسية والخدمية ، وربما مراجعة سريعة لاوضاع دول نامية يعطينا دافعا قويا لمراجعة اوضاعنا فدولة مثل اندونيسيا كانت على وشك حرب أهلية قبل عدة أعوام استطاع جيشها ان يقوم بواجبه ويعيد التوازن لآليات المجتمع السياسية ونجح في اعادة الأمن والاستقرار للبلد وقس على ذلك في ماليزيا مع مطلع سبعينات القرن الماضي وتجربة جنوب أفريقيا المعقدة والصعبة والناجحة وغيره من التحارب .