هذا ما حدث للطائرة المنكوبة !
لا يكاد يمر يوم، إلا وتنكشف الخرقة المزخرفة التي تغطي نفايات ونتن فساد الأيام الماضية أكثر وأكثر وبخاصة تلك التي تولاها أولوا القربى والخُبرة عديمو الخبرة. كما تكاد لم تمض عن خشبة المسرح ما أفادت به وزارة النقل باختفاء ما يقارب 8 طائرات نقل مدنية تتبع شركة اليمنية في خبر كان، حتى يأتي اليوم الذي تبدأ الهياكل الجميلة لطائرات النقل العسكري أنتينوف وغيرها في الظهور بهيكلها العظمي العاري من الصيانة والاهمال والفساد، وليس اخرها التي سقطت بصقورنا الأشاوس داخل مدينة صنعاء. وكما تعودنا في عدم موافاة شعبنا بتقرير رسمي عن الحادثة، لم يعد شعبنا يتوقع إصدار تقرير فني يكشف أسباب سقوط الطائرة المنكوبة الأخيرة، لكني هنا أورد تقرير الظل الذي سيبقى الحقيقة الموجودة التي فرضتها حادثة فقداننا لحياة صقورنا العشرة النادرة الذين يكن لهم شعبنا كل الاحترام والتقدير نظراً لقيمهم التي حافظوا عليها الى آخر ثانية من حياتهم. فتقرير الظل التالي قد تم تجميعه واستقاؤه من العديد من التصريحات التي وردت في عديد وسائل الاعلام المحلية المختلفة تعليقاً بعد الحادثة والتي حملت جميعها مؤشرات منطقية مترابطة.
ينقسم طيران النقل إلي ثلاثة أنواع أو فئات هي النقل الخفيف أو التعبوي والنقل المتوسط والنقل الاستراتيجي البعيد. تتراوح حمولة طائرات النقل الخفيف (أوزان الحمولة) من3 طن إلى 6 طن ويمتد مداها من 1000 كم إلى 2500 كم. وتمثل طائرات الانتينوف نوع أن 26/24 هذا النوع من النقل الخفيف والتي تمتلك اليمن من هذا النوع سرب من طائرات الانتينوف عنوان موضوعنا، حيث دخلت في الخدمة أول طائرة انتينوف في سلاح الجو اليمني في العام 1978م، والتي كانت قد دخلت الخدمة في بلد المنشأ (الاتحاد السوفييتي سابقاً ) سنة 1964م. وكانت أخر طائرة منها دخلت الخدمة في اليمن عام 1983م (أي قبل 30 سنة) وهي التي تم تفجيرها في داخل المطار من العام السابق، بينما سقطت أخرى بما فيها من خبراء سوريين في الطيران في مطار العند أكد عدد من أقرباء الطيار أنه لم يتعمد اسقاطها ولم تكن له علاقة بالثورة الحاصلة يومئذ!!
المعروف للمتخصصين في مجال الطيران إن لكل طائرة نوعان من العمرة (الصيانة الشاملة). تسمى الأولى عمرة تقويمية وتتحدد بعدد ساعات العمل التي ظلت فيها الطائرة في التحليق، وتحتسب في حالة طائرات الانتينوف بـ20 إلف ساعة طيران. وتكون العمرة الثانية زمنية وتتحدد بالزمن الذي ظلت خلاله الطائرة في الخدمة منذ خروجها من المصنع وتتحدد بـ20 سنة. وتعتبر العمرة الأولى أهم من الثانية بشروط خاصة. وهناك أيضا أنواع أخرى ثانوية من الصيانة تقاس بمدة عمل الطائرات، مثل إن تكون قد طارت لمدة 400 ساعة. وفيها يتم عمل إجراءات خاصة من فحص للطائرة. وهناك أيضاً عمرة أخري تجري كل 4000 ساعة طيران، وهذا النوع لا يتم إلى في بلد المنشأ (المصنع). وكذلك يتم احتساب عدد مرات الهبوط للطائرة لعمل إجراءات خاصة بذلك.
إما في حالة طائراتنا فقد كان آخر عمرة خارجية للطائرات في المصنع في العام 1996م بينما خضعت نفس الطائرة التي سقطت في منطقة الحصبة لذلك النوع من الصيانة في العام 1988م. وقد تم عمل عمرة خاصة لها في اليمن في عام 2008م بعد تعرضها لحادثتي هبوط اضطراري حرج وكان الطيار الشهيد الخواجة يقودها في إحداهما في منطقة ثمود بحضرموت عام 1997. وهذه الصيانة لا تكفي ولا ترتقي إلى مستوي الصيانة في المصنع، إذ كانت القيادة السابقة للقوات الجوية تتذرع بأنها لا تستطيع أن تشتري طائرات جديدة، وكذلك لا تستطيع إرسال طائراتنا الى المصنع للتعمير، فإذاً لماذا لم تتوقف الطائرات عن العمل. لماذا لم تعمل السعودية مصنع تعمير لطائرات السي 130 وهي التي تمتلك أكثر من 140 طائرة منها وبدلاً من ذلك تقوم بإرسالها إلى المصنع المنشأ المعتمد للتعمير، بينما نحن ولان إمكانياتنا لا تسمح ولأننا من دول العالم الثالث عملنا مصنع للتعمير!
وعموماً، لا تكفي الصيانة المحلية لعدة أسباب أهمها :
1. الصيانة في المصنع تتبع برتوكولات خاصة بالمصنع .
2. يمتلك المصنع كافة الوسائل الخاصة بفحص الطائرة من والى والتي لا تعوق الطائرة فيما بعد ولا تؤثر علي ديناميكية الطائرة أما الحاصل عندنا فهناك اختلالات في مواقع حيوية يخجل المرء حتى من ذكرها .
3. عند عمل صيانة في المصنع واكتشاف خلل في اى جزء من الطائرة يتم استبداله فوراً وبأخر جديد، عكس الصيانة الحاصلة عندنا حيث شحة قطع الغيار يقف عائقاً أمام التبديل ويتم عمل حلول التفافية أخري لحل مشاكل الأجهزة ولذلك كانت كثيرة الأعطال والمشاكل .
4. يمنح المصنع الطائرة شهادة خاصة بكونها جاهزة للطيران وعلى مسئولية المصنع، لذلك كانت تمنح تراخيص المرور من أي بلد وفقاً لشهادة المصنع إلام، أما الصيانة المحلية فلا تمتلك الحق في إصدار مثل هذه الشهادة. لذا فطائراتنا ممنوعة من السفر خارج اليمن لأنها غير آمنة .
5. المصنع هو الجهة الوحيدة المعتمدة في تحديث الطائرة وفحص ملائمة الأجهزة المركبة عليها.
لذالك كله نرى وبوضوح عدم أهلية الصيانة (العمرة ) المحلية ولكون الصيانة الخارجية تكلف أكثر من الداخلية ولأهم سبب إلا وهو الفساد الذي كان مستشري في القوات الجوية والدفاع الجوي سابقاً ولعدم المتابعة من قبل
قيادة وزارة الدفاع للمصروفات الخاصة بصيانة الطائرات حدث التلاعب بسجلات الطائرات وعمل الصيانات داخلياً.
فقد كانت القيادة السابقة تستلم المبالغ وتصرف القليل بشراء بعض القطع الضرورية جداً فقط، متناسية بقية القطع وتختلس بقية المبالغ وترفع تقاريرها لوزارة الدفاع أنها قد نفذت الصيانات بالشكل المطلوب. وهكذا تراكمت الأعطاب على الأعطاب إلى إن وصلت إلى حد لا يمكن معها علاجها. وكان من دفع الثمن هم الطيارين والعناصر الطائرة التي تعمل على الطائرات. وليس حادث الحصبة ببعيد، حيث دفع ثمن الأخطاء والتلاعبات السابقة خيرة أبناء هذا الوطن بأرواحهم الزكية والتي نرى أنها ليست الأخيرة إذا لم تقف عندها وزارة الدفاع وتحاسب من تورطوا في مثل تلك الصفقات المشبوهة، وتتابع بحزم أكبر مدى فاعلية وجاهزية الطائرات. فالحقبة السابقة لم تُبقي بعدها إلا الدمار والخراب.
قد لا يعلم الكثيرون بمشاعر الخوف والأسى الذي تنتاب طيارينا حال استلامهم أوامر الطيران للتدريب أو تنفيذ العمليات المطلوبة. فجميعهم يتلمسون الأعذار لعدم الطيران لخوفهم من هكذا حادثة على طائرة خربة. واللواء الرابع مستمر في اضرابه منذ يوم الحادث من أجل تلبية طلباتهم بتنفيذ العمرة الخارجية وشروط الصيانة الداخلية. ولعل البعض يعتقد أن مصدر خوفهم على حياتهم على هذه الهياكل العظمية الطائرة لكن أكثر ما يهتمون لأجله هو حياة الناس الذين معم ومن تحتهم، أما هم فما امتهنوا الطيران إلا وهم يدركون أن نسبة مخاطره كبيرة بالنسبة لأي طيران عسكري.