من اتخذ القرار في النفق لن يقف على طاولة حوار مفتوحة!
لا للحوار .. طيب ماذا بعد، وما البديل؟ ..
لا للحوار .. فهل سيكون المطروح على الأرض هو الحراب بعد رفض طاولة النقاش..
أشعر بالمأساة وينتابني الحزن الشديد وأنا أتابع ساسة وقادة جامدين في قوالب واحدة ومفاهيم محنطة .. أداء لا يتعاطى مع المتغير ولا يستوعب الجديد، لم يفهموا بعد أن أعمارهم هرمت وأن الزمن الجديد يفرض وقائع إلى الأمام ولا يعود أبدا بنا إلى الخلف..
نحن مجتمع ودولة ووطن وشعب جزء من عالم يفرض إرادات ، حكم الفاعل على المفعول به .. ومن لا يملك قوته يستورد قراره..
هكذا نحن وهذا قدرنا وهو الأمر الواقع الذي كان كل هؤلاء القادة المتشددين اليوم سببا في صناعته بالأمس.
(لا يوجد طرف واحد في مجلس الأمن الدولي من يطرح القضية الجنوبية أو تقرير المصير لشعب الجنوب) ، كلمات صادمة لكنه الواقع الذي جهر به المبعوث الدولي جمال بن عمر ليرد على مثالية وشطحات بعض القادة في لقاء القاهرة الأخير ومن خلالهم يجب أن يسمع القاصي والاني في كل الجنوب وبيروت اللبنانية.
السؤال: ماذا بقي يا قادة الوهم وبائعي الكلام؟ قولوا لنا ولكل الجماهير التي تعبثون بوعيها وتمنونها بالفردوس المفقود، ماذا أنتم فاعلون؟!.
فالمجتمع الدولي الذي تنادونه صباح مساء وكذبتم علينا مرارا بتسليمه ملفات الجنوب لا يتعاطف منه عضو واحد.
نتسائل: ماذا يفعل كل هؤلاء القادة في الخارج طيلة هذه السنين إذ لم يقنعوا دولة واحدة، المفارقة أنهم كلهم رؤساء ويتجولون عواصم الدول وسفراء بالجملة لم يقنعوا حتى بواب مقر الأمم المتحدة.
اليوم وقد بانت النتيجة وحصحص الحق هاتوا جديدكم أيها المعتقون، قولوا لجماهيركم إن كنتم صادقين معها، كيف ستصلون وأي معجزة خارقة في عقولكم المذحلة ستأتون عبرها بالوطن المحرر.
لما لا تكونون صرحاء فأعماركم وأحلامكم قاب قوسين أو أدنى من الفناء، ما تطرحونه عن الجنوب وفك الارتباط والاستقلال والتحرير وإن كان فعلا سياسيا –لا خلاف على ذلك- لكن الأمر لا يتعدى الأماني بينما كل الطرق أمامنا مسدودة ولا يوجد بصيص أمل قد نتعلق به وبكوننا سنصل إلى هذه المحطة.
المانع ليس فقط عند المجتمع الدولي وعدم تبنيه أو بعضه للمطالب التي تطرحونها، بل إن الأمر يتعداه إلى خلل في الداخل فالشعب منقسم إلى كيانات وتيارات وقوى تتربص ببعضها، حتى في إطار ما تطلقون عليه الحراك الحامل للمشروع المنادي بعودة الماضي هو في ذاته مقسم ومجزئ وقاداته متصارعون متخاصمون، لم يتمكنوا طوال ست سنوات من مسيرة حراكهم الجلوس على طاولة حوار ليديروا نقاشا مسئولا ولقاء يبحث المستقبل الذي يريدون الذهاب إليه، ومن هكذا حالهم يكون السير معهم وبعدهم هو ضرب من الجنون وذهاب إلى المجهول.
تيار وكيان وحيد يرفض الحوار والنقاش وهو تنظيم القاعدة لأن لديه وسائله لتحقيق أهدافه عبر الحزام الناسف والعمليات الخاطفة ولهذا هاهو لا ظهر أبقى وارض قطع، فقولوا لنا انتم ماهي وسائلكم بعد قرار رفض الحوار، ماجدوى الأستمرار في المسيرات ومخيمات الإستقلال والتحرير وجمعة المعلا إن لم تكن ثمارها طرح قضيتكم في حوار يرعاه المجتمع الدولي وقد يعقد في عاصمة عربية.
أسأل القائد البحري أحمد الحسني : هل لديكم بدائل مثلا كالذئب المنفرد أو الموج المتدفق أم ستعودون لوسائل الست السنوات ومن نقطة الصفر في (حراك الإرجوحة) وفي محلك سر.
أنا كمواطن جنوبي لو حسبت القضية من كونها مجرد شعارات وعاطفة فإن لي مصلحة شخصية في جنوب مستقل فيه فرص الحياة والوظيفة والتقدم تكون أوفر حضا، لكنني واقعيا لا اقبل الذهاب إلى مجهول لا أرى ملامحه ، بل إنني –شخصيا- أشعر بالخوف من أداء هؤلاء الحاملين لهذا المشروع ، يتملكني الفزع كلما خطر على بالي مجرد تصور أن هذه الزعامات وتياراتها الغير متصالحة ستكون صاحبة تقرير واقع الغد والآمرة والناهية فيه، يا الله كم سيكون واقع الجنوب مقلقا ومحزنا.
قناعتي أن المتناحرين يستحيل أن يبنوا أوطانا قابلة للحياة ، بل ستكون أرض اضطرابات وساحة احتراب وحمامات دم.. يقيني أن المتصارعين لن يحققوا أمنا لا استقرارا بل ينشرون المآتم في كل شبر من البلاد.
المنادون والمتشددون للعودة بنا إلى الماضي هم في حقيقة الأمر يمارسون هروبا من مواجهة الحاضر ومشاكله واستحقاقاته ومتطلبات التعامل الجاد معه.
هم أنفسهم مارسوا ويمارسون سلوك الهروب المتوالي في تعاطيهم مع متطلبات ومنعطفات الدولة الجنوبية في الأربعة العقود الماضية: مارسوا هذا الهروب بارتكاب كارثة في حق أول رئيس للجنوب بعد الإستقلال الشهيد قحطان الشعبي ورئيس وزراءه الشهيد فيصل، ثم هربوا مرة أخرى من استحقاقات التباين والخلاف وكيفية إدارته بقتل الرئيس الثاني سالم ربيع علي ، ثم واصلوا ذات السلوك بتجريد الرئيس الثالث عبدالفتاح اسماعيل من منصبه ونفيه قبل أن يهربوا من صراع جديد بإعادته من الإتحاد السوفيتي –حينها – ليقتلوه وإلى جانبه عشرات القادة وآلاف الضباط والجنود والمواطنين فيما يعرف بأحداث 13يناير الدموية التي راح ضحيتها 11 ألف مواطن جنوبي في ظرف أيام لم ولن يشهد بفداحتها اليمن شماله وجنوبه مثيلا .
ليستمر مسلسل الهروب إلى صنعاء في عام 1990م بوحدة لم تبن على أسس صحيحة ثم كانت النتيجة عقب أربع سنوات بالهروب –أيضا- إلى حرب خاسرة خاتمتها استباحة الجنوب فيما هرب الرجل الأول ومعه قيادات الصف الأول إلى دول الخليج وغيرها.
ولأن من شب على شيء شاب عليه، هانحن اليوم وبعد 18 عاما نشهد ذات الفريق يتعاطى بنفس الأداء العقيم هاربا من استحقاقات الواقع الجديد والجهود الدولية التي لم تتفق إزاء أي قضية ودولة مثلما أجمعت على اليمن.
الهاربون لن يجرؤوا على مواجهة شعوبهم بالحقائق ولو كانت أليمة لكنها المتاحة ، ومن اعتاد على اتخاذ القرارات المصيرية في الأنفاق لا يمكنه الجلوس لطرح قناعاته على طاولة حوار مفتوحة.
ودي أن تصل رسالتي إلى السيد علي سالم البيض لأقول له أرجوك دعنا نبحث ولو لمرة واحدة دونك عن ألآلية الضرورة للخروج من النفق الذي كتبت فيه مأساتنا.. والسلام على من اتبع الهدى