الليبرالية والدفاع عن الرجعية
قررت اليوم من مقر إقامتى في آسيا الحقيقية أنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال، رحت فتحت الفيسبوك، وعلى الصفحة العامة كان زميلي وصديقي وأخي الدكتور حسام عوض قد نشر على صفحته رابطاً لمقال مطول للدكتور عمر حمزاوي الليبرالي المصري المعروف بوقوفه مع إفشال الربيع العربي في مصر كما جوقة المثقفين المصريين التي حولت الثورة المصرية الأشهر في التاريخ إلى مجرد حساب أيدلوجي يجب تصفيته، فذهبوا جميعاً إلى الجحيم بكل أطيافهم وأيدلوجياتهم.
الدكتور حسام زميل ولي معه جلسات وحوارات مطولة حول مصر وثورة 25 يناير، وكان يمثل لي واحد من أهم الإخوان المسلمين في مصر الذين يخوضون تجديداً في الجماعة التي شبعت قدماً، ولم يعد لها سوى تراث الإمام البنا تتغنى به، وهو خليط من فكر سنوات 1928 و 1949 الذي لم يعد منه جدوى في 2011 وما بعدها فكل المعادلات تغيرت.
استمعت إليه جيداً وهو يغادر الجماعة التي تربطني بها عاطفة فكرية بقدر ما أتى لنا عبده محمد المخلافي من فكر الستينات لهذه الحركة، كان صديقي قد قرر أن يكون مع الدكتور أبو الفتوح وأن يقود حملته الإنتخابية، ولم يكن بصراحة مع ترشيح الإخوان لأحد أفراد الجماعة للرئاسة المصرية.
ككل نقاشات العرب كانت نقاشاتنا عدمية فنحن العرب القادمون من العدم نذهب إليه باقتدار و"محدش له حاجة عندنا".
لا أنكر أني تعصبت لثورة مصر، وكنت أرى أن الإستقرار هناك سيعم المنطقة، وخضت حرب دنكشوتية عدمية لأجل الديمقراطية في بيئة خارج حدود بلدي بدافع العاطفة.. في النهاية أدركت أن كل أيدلوجبات مصر من إخوان و ليبراليين يساريين و علمانيين وكل نخبها التي كانت تبهرنا تحولوا إلى ساطور قصم ظهر الربيع العربي، لاختلافهم على الشكليات وتمسكهم بايدلوجبات لم يعد لها معنى في عصر الربيع الذي لم تستوعبه تلك النخب الكرتونية.
أدركت واستدركت أن كل ما نقلناه عن مصر لليمن لم يكن سوى ترحيل مشاكل مجتمع إلى مجتمع آخر لسنا بحاجة إليها وكان الابتعاد عنها أولى وأوجب، وهذا ما سيكون بلا شك.
في مقاله أمس بصحيفة الشروق بعنوان:"عن اليمن أو تشوهاتنا في مرآة مكبرة!" ذرف حمزاوي الدموع على اليمن الفقير الذي تحاربه دول الخليج الغنية، فالخليج عند حمزاوي هو "رز" ، وهو حر في نظرته، لكنه في مقاله تحول من ليبرالي عروبي إلى أية من آيات الله في طهران، لم يسعني إلا أن أقول إن هؤلاء لايقرأون التاريخ، أين عمراوي وهيكل وجوقة مصر من عبد الناصر الذي هد عرش الكهنوت في اليمن سنة 1962.
كان إسلاميو اليمن في تلك الفترة يدركون أن خلافات ناصر والإخوان في مصر شأن داخلي ، ويثمنون ويقدرون تضحيات جمال وجيش مصر العظيم في اليمن، ويعدونها أهم من أي علاقات عاطفية "لا تودي ولا تجيب".
علقت على رابط مقال حمزاوي في صفحة د. حسام بعبارة واحدة "حلو الليبرالية تبكي على الرجعية" فرد بتعليق مقتضب: "جميل يا دكتور كلامك، والأجمل أن تخبرني برأي الشريعة في قصف المدنيين؟ وما هو رأيكم في وقوف السعودية مع الشرعية في اليمن وعدم وقوفها معها في مصر؟ طيب في مصر كان اخوان وفي سوريا؟ هل الدروز أسوأ من الحوثيين الذين أدرك تماماً قفزهم وسرقتهم للحكم ودعمهم من إيران التي دعمت بشار ودعمت السيسي.. " .
صديقي دكتور حسام أنا لست قاضي شرعي، والشريعة التي تتحدث عنها من يحتكم لها اليوم، فباسمها يقصف الحوثيون الآن في هذه اللحظات أهلنا وبيوتنا في تعز المدينة التي خطب فيها جمال عبد الناصر بعد نجاح ثورة 26سبتمبر 1962 وقال للعجوز الشمطاء(بريطانيا) التي كانت تحكم عدن أن تحمل عصاها وترحل، واليوم وبفهمم للشريعة أبناء رسول الله يقتلوننا، فهم بحسب الفقه الزيدي الشيعي جزء من الشريعة، يقتلوننا باسم الشريعة، بينما التحالف العربي يقصف معسكراتهم لحماية شعبنا من الموت، ولا أظن أن الشريعة تنكر حماية المستضعفين.
أما وقوف السعودية مع الشرعية في اليمن وعدم وقوفها مع سوريا، كلام غير دقيق في مجمله، اليمن جزء من الجزيرة والخليج وهي العمق الاستراتيجي لعرب الجزيرة ولا غنى للخليج عن اليمن موقعاً وسكاناً، ووقوف السعودية بكل هذا الثقل في اليمن يرجع لتقدير الحكومة السعودية لمصالحها الاستراتيجية، ومنذ اندلاع الثورة السورية، الحكومة السعودية وقفت مع الشعب السوري، لكنها لم تحارب هناك وهذا شيء يرجع لتقديراتها السياسية، وهي غير مجبرة لخوض حرب بحسب اقتراحاتنا وأمانينا.
أيضا عدم وقوفها مع شرعية مصر ينطبق عليه نفس الكلام، وما جرى في مصر ليس أسوأ مما حدث في اليمن، مؤسسة الجيش انقلبت على الأيديولوجيات المتصارعة في الساحة حتى الإخوان انقسموا على أنفسهم فيها، يا ليت أن مؤسسة الجيش فعلت في اليمن نفس الشيء، لم يكن هذا حالنا، إلا لأن جيشنا طائفي أتى له قادة من الكهوف وسيطروا عليه وبه يقتلون شعبنا.
لا اعرف يا صديقي من تقصد بالدروز إن كنت تقصد الدروز نعم هم أفضل من الحوثيين تعليماً وثقافة وانفاتحاً، وإن كنت تقصد النصيريين الشيعة في سوريا فهم مثل الحوثيين أقلية همجية تقتل باسم الله وباسم ماركس وباسم فارس وبأسماء كل قطاع الطرق في الأرض.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها