أيها الشباب أقرأوا يس !!
أتأمل في واقع يمور ويغتلي بثورات مطلبية لا تتوقف عند قضية ومطلب ؛ فلا أجد ثمة تناغم وتماهي بين عنفوان شبابي ثوري متحفز ومتوثب لمخر عُباب المحيط واهواله المضطربة المتقلبة ، وبين جمود وخمول كهلة خائفين فزعين من تقلبات موجة مد أو جزر .
أسأل هؤلاء الثائرون على الامامة والاستعمار : ألم يحن الوقت كي ترتاحوا وتتقاعدوا ؟ ألا يوجد في اجيال الثورة والجمهورية والوحدة من هم اكفأ واجدر وانزه واقدر بحمل راية التغيير ؟ فلقد سئمنا عجزكم الذريع ، خطبكم المكررة ، نزاعاتكم المستديمة كي تبقى وجوهكم حاضرة لا يغيبها سوى الموت ، صراعاتكم وثاراتكم وحروبكم التي ليس لها منتهى او مستهل . اصراركم على البقاء والاستمرار حرم هذه البلاد طاقة وعطاء اجيال متعاقبة ، جعل الاحزاب السياسية تدور دورة جمل المعصرة فجمل يعصر ويلف وينهك وجمل يأكل عصارته بلا كد او تعب .
جيل تلو جيل .. سنوات تعقب سنوات .. يوبيل ذهبي يأتي ويوبيل فضي يذهب .. انتخابات رئاسية تتبع انتخابات نيابية .. حكومات تقال وحكومات تشكل .. مؤتمرات احزاب تنعقد في موعدها المقرر وبكامل قيادتها المقررة .. ثورات وانتفاضات وحريات ومزاعم لا تتوقف عن النهضة والتنمية ومحاربة الفقر والفساد والارهاب والتهريب والتخريب وغيرها من المفردات العصرية المستهلكة بكثرة في الصحف والقنوات .
كنت أظن ان الاسترشاد بشباب دول أوروبا الشرقية فيه كثير من الشطط والمبالغة ، فلطالما أدهشتني ادارة الشباب لبلدانهم وفي ظرفية حرجة كتلك التي باتت فيها دولهم على شفى الانهيار والسقوط جرا تسونامي اجتاح شرق اوروبا ووصلت موجاته العاتية الى معظم مساحة العالم ، ومع هول الكارثة يحسب لها أنها منحت الشباب فرصة لتصدر المشهد فكانوا بحق هم الرئة المنقذة لأوطانهم وهم ايضا قلب التحول وفكره النابض حيوية وطاقة وابداع وانجاز .
قبل ايام فقط قرأت ما كتبه الدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الاشتراكي وكم كانت دهشتي واعجابي بكلمته للتاريخ وكذا بخلاصته التي تشبه اجابات فيلسوف الصين وحكيمها (كونفوشيوس) على اسئلة تلميذه ( دتزه ) ؟ سأترككم الآن لتقرأوا ما فاضت به ذهنية هامة فكرية وسياسية ووطنية بحجم الدكتور ياسين .
نعم ما أحوج هذا الجيل لأن يقرأ السطور التالية كي يدرك معاناته ويهتدي لسبل عافيته ، فالمتكلم ضمير جمعي عركته التجربة الطويلة ، وصاغته المبادئ الانسانية المبجلة للعدالة والكرامة والحياة ، وهاله حالة القطيعة ما بين نخب ماضوية لا تريد مغادرة الحاضر ، وبين جيل عصري متوثب لمهمة الانتقال ؛ لكنه لم يعثر على فرصته نظرا لهيمنة النخب القديمة الرافضة التسليم بمنطق التغيير ولو اقتضاها خسران كل شيء .
الزميل الرائع احمد الشرعبي سبق له مطالبة الرئيس عبد ربه لأن يقرأ يس بعناية وبتجرد ذهني خالي من الحسابات الضيقة ، وهاانذا اشاطره الرأي بخصوص دعوته التي كان قد نشرها قبل اشهر تقريبا من نشر كلمة يس ، الفارق انني اليوم ادعو الشباب الثائرين الحائرين المحبطين ، فتجليات مثل هذه بلا شك ستجد لها بين اوساط الشباب أذن صاغية وعقل متفتق نظيف مستوعب، وعلى عكس النخب السياسية المحنطة في تابوت سقمها الفكري والعملي الجامد عند مخاوفها وهواجسها من أية عملية تفضي للتغيير . فهاكم ما كتبه يس :
"على هذا الجيل ان يدرك أنه مؤهل للعبور باليمن الى عصر جديد بدا ذات يوم مستحيلا بسبب ما عاناه من انتكاسات متكررة لأحلامه التي حملها كثير من الرواد وصادرتها نخب فاسده . وهو مؤهل ليس فقط لأنه قادر على تقديم التضحيات ، ولكن لأنه استطاع ان يلتقط اللحظة المناسبة لانتزاع اليمن من فك الاستبداد والتخلف والمصير المجهول الذي اخذ يتجه نحوه في ظل نظام حكم فشل في بناء الدولة الضامنة للاستقرار والتطور .
وعلى هذا الجيل ان يعبر باليمن فوق الايديولوجيات الجاهزة ، وفوق امراض النخب السابقة وصراعاتها وحساباتها وقناعاتها الخسرانة دون تعالٍ وإنما بالاستفادة من الاخطاء وفتح قنوات حية فاعلة مع العصر والعلوم والمعرفة والفن .
عليه ان يتحاور بهدوء وبعمق ، ويغادر نزق النخب التي اورثت البلاد وضعا مرتبكا غير مستقر لا يصلح للتنمية ولا للبناء وإنما للصراعات والحروب ونزعات التغلب والاستهتار بالعقل والاستخفاف بالعلم والاجتهاد ، وتمجيد الميول المتعالية على منهج التفكير المقاوم للفكر المجهز بأدوات القمع والعقاب والتكفير .
على هذا الجيل ان يعرف انه ورث وطنا معطل الامكانيات ، تسوده نزعات التفكك ومشاريع نخب خسرت الماضي وليس لديها مانع ان تخسر الحاضر والمستقبل ، وان الاستغراق في مشاريع هذا النخب سيسرق منه المبادرة التي يتوجب عليه صياغتها بمعايير ورؤى تستند روح جديدة لم تتشوه بالانكسارات التي اغرقت البلاد في تجارب سياسية عطَّلت السير الى الامام ولم تفلح سوى في فتح خط مع الماضي بكل آلامه وتعقيداته ".