مع الحوثي.. يا قاتل يا مقتول!
تبدو هكذا العلاقة بين الشعب اليمني وبين جماعة نبتت من العنف وسقيت بالدم منذ كانت بذرة صغيرة.. لا خيار ثالث أمام اليمنيين في علاقتهم مع جماعة الحوثي.. منذ الصرخة الأولى وهي تضع أمام الجميع هذين الخيارين لا ثالث لهما، وإن حاولَت إيهام الناس بخلاف ذلك من خلال أبواقها الإعلامية ومساحيق التجميل التي غطت بها في البدايات على قبحها.
هل يمكن لأحدكم أن يقول لي أن أصحاب صعدة الذين غادروا منازلهم وقراهم منذ تسيدت هذه الحركة العنصرية العنيفة وفرضت سيطرتها على محافظة صعدة جزئياً أو كلياً وبدأت رحلة "التهجير" و"التفجير"، هل كان أمامهم خيار ثالث للتعامل معها. فحين يرفضهم شخص ويرفض هيمنتهم وهمجيتهم، فهو مقتول بنيرانهم وبشكل فوري دون الحاجة إلى نقاش.. وحين تقبل بهم فأنت حينها قاتل افتراضي فلا مجال أمامك سوى أن تكون في جبهات القتال مجاهداً أنت أو أبناؤك أو إخوانك.
إياك أن تفكر أن هناك خيار ثالث أن تعيش مواطنا لا علاقة لك بمهرجان العنف الممتد على كل جغرافيا الوطن، فأنت في هذه الحالة ستصنف كـ"عميل، خائن، متواطئ مع أعداء الله". كنا في زيارة الشهر الماضي لإحدى القرى والتقى رفيقي بصديقه وهو يحمل ثقله من البندقية ومخازن الرصاص ويرتدي البزة العسكرية (على طريقة الحوثيين)، سأله صاحبي أيش هذا يا ....؟ فأجاب عليه بتلقائية وجدية "ضروري، معنا هنا أعداء الله كثير". وكان يشير بيده إلى الناس الواقفين بالقرب منه في سوق القرية، ويفهم من حديثه أن أبناء قريته ممن يرفضون الحوثي هم أعداء الله، وهم ميدان جهاده وقد لبس عدة الحرب ليكون جاهزاً للمهمة حين يسمع صافرة البدء.
إن لم تكن "مجاهدا" في الميدان فستكون بشكل إجباري مشاركا في "الجهاد المقدس" الذي دعا إليه زعيم الجماعة ولا يزال يحظ عليه في كل خطاب، بالمال الذي يخصموه من راتبك أو يضيفونه على فواتير المعيشة اليومية.
في بلدتي التي صارت جاهزة لاستقبال مسلحي الجماعة بمجرد استيلائهم على صنعاء ودخلوا إلى كل مديرية بشكل سلس وفكر الناس أنه لا مشكلة في الأمر، ولم ترق قطرة دم واحدة باستثناء حادثة لاحقة تخلص فيها الحوثيون القادمون من الهضبة من زعامات حوثية محلية من الأسر الهاشمية ظنت أنها مؤهلة لأن تتصدر المشهد محلياً.
ما الذي حدث لاحقاً؟؟ تحول المواطنون الافتراضيين إلى مشاريع مقاتلين في صفوف "السيد" الذي جاء ليعدهم بمرتبات وبنادق في الدنيا، وجنة في الآخرة، وبالفعل تمكن من حشد العشرات من الشباب الفقراء والعاطلين والمحبطين في صفه، وباتت المنطقة تستقبل بشكل مستمر الجنائز، وتدفع من دم أبنائها بشكل يومي كما تدفع المناطق التي تواجه الحوثي.
ليس هذا وحسب، بل يحاول الحوثيون استغلال دماء أولئك الفقراء الأبرياء باستعراض حضورهم بجنائز خضراء ومواكب تشييع. لا يهمهم حالياً أنهم سيحضرون في ذهن المجتمع مرتبطين بمواكب التشييع ومجالس العزاء في ضحاياهم الذين دفعوا بهم إلى المحرقة، سواء كانوا ذهبوا بدافع الفقر والبحث عن مرتب، أو بدافع الولاء الأعمى لعفاش الذي أفقرهم طوال العقود الماضية وجعلهم بضاعة جاهزة لجماعات العنف لتسوقهم "مجاهدين" في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
فلا يظن من يقاتلون الحوثي رفضاً لسيطرته على مناطقهم أنهم وحدهم يدفعون الثمن من دمائهم، لا لا .. الشعب كله يدفع الثمن ولكن الفارق أنكم تدفعون ثمن حريتكم وغيركم يدفعون ثمن عبوديتهم. وهكذا لا خيار لليمنيين جماعة الحوثي سوى أن يكونوا "يا قاتل يا مقتول" وفي حالات يصبح الخيار أضيق ويكون "يا مقتول يا مقتول".
المصدر أونلاين
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها